الثلاثاء 20 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
أنقذوا مهنة الطب!

أنقذوا مهنة الطب!


بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة وقرب إعلان النتيجة، أتمنى أن تعيد وزارة التعليم العالى النظر فى قرارها، بزيادة أعداد الطلاب المقبولين فى كليات الطب البشرى العامة والخاصة، وذلك لمواجهة النقص فى أعداد الأطباء فى المستشفيات، كما سيتم- بناء على ما نشر على لسان المسئولين بوزارة التعليم العالى- التوسع فى إنشاء كليات الطب البشرى فى الجامعات الحكومية والخاصة، وكل هذا يعنى انخفاض درجات القبول فى كليات الطب عن السنوات السابقة، وهو ما يسعد طلاب الثانوى وأسرهم الذين ما زالوا يعتقدون فى أهمية الالتحاق بما يسمى «كليات القمة» وهو أمر لم يعد صحيحا مثلما كان فى الماضى، وذلك لأسباب عديدة ليس مجال ذكرها هذا المقال.
ولكن هل يحل هذا التوجه المشكلة أم يزيدها تعقيدًا؟
الحقيقة أن نقابة الأطباء وعددا كبيرا من أعضائها يعترضون على هذه القرارات ويرون أنها ستضر بالتعليم الطبى ولن تحل المشاكل التى تؤدى إلى ابتعاد الأطباء عن العمل بالمستشفيات الحكومية، وتدفعهم إلى السفر للعمل بالخارج، وبعضهم يهاجر إلى الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا التي ترحب بالأطباء المصريين وتسهل لهم إجراءات العمل بها، حتى أصبحت مستشفياتنا تعانى من نقص الأطباء، خاصة فى تخصصات معينة مثل الرعاية المركزة والاستقبال والتخدير والحضانات، والتى يهرب منها الأطباء بسبب انخفاض الأجور وقلة المكافآت وتدنى القيمة المالية للنبطشيات، بالإضافة إلى عدم حمايتهم من تجرؤ واعتداء بعض أسر المرضى عليهم وتأخر صدور قانون المسئولية الطبية- الذى يحاسبهم على أخطائهم إن ارتكبوها- بدلا من قانون العقوبات الذى لا يفرق بين الخطأ الطبى والجرائم الأخرى.
ولكن، هل لدينا نقص بالفعل فى أعداد الأطباء؟
الإحصائيات الرسمية تقول إن لدينا ٣٠ كلية طب بين حكومى وخاص وقوات مسلحة، تُخرج كل عام ما يقرب من ١٢٠٠٠ طبيب، وأستعين هنا بتصريحات وكتابات لمسئولين ومعنيين بالهم الطبى لكى نوضح خطورة التوجه الجديد، حسب ما كتبه الدكتور مجدى مرشد رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب سابقا وعضوها الحالى فى مقال نشره بالمصرى اليوم «أن عدد الأطباء الموجودين بمصر ١٣٠٠٠٠ طبيب، ونسبتهم للسكان هى ١.٣ طبيب لكل ١٠٠٠ مواطن، والنسبة العالمية المتفق عليها كمتوسط هى ١.٨ طبيب لكل ١٠٠٠ مواطن، وبالتالى نسبتنا ليست بعيدة»، ويضيف: «لكن القضية فى الأطباء بالحكومة (بوزارة الصحة)، فعددهم، وفق آخر إحصاء فى ٢٠١٨، هو ٥٦٩٦٥ طبيبًا، موزعين على كل القطاعات الحكومية بالوزارة، والعدد الأمثل لقطاعات وزارة الصحة هو ١٠٤٨٣٩، أى أن هناك عجزًا قدره ٥٠٤٣١ طبيبًا بالحكومة، وهذا العجز يتزايد نتيجة هجرة واستقالة عدد كبير من الأطباء فى السنوات الأخيرة وصل إلى حوالى ٨٠٠٠ طبيب استقالوا وتركوا العمل فى آخر 4 سنوات، باقى الأطباء بمصر حوالى ٢٨٠٠٠ طبيب خاص و٢٠٠٠٠ طبيبًا بالمعاش وما زالوا يقدمون خدمة صحية، وحوالى ٢٠٠٠٠ طبيب بالمستشفيات الجامعية المختلفة، وعدد لا يقل عن ٥٠٠٠ بمستشفيات القوات المسلحة والشرطة، ومن ثم يقترب عدد مقدمى الخدمة من الأطباء بمصر من ١٣٠٠٠٠ طبيب، وهو عدد يكفى لتقديم خدمة طبية معقولة».
ونقيب الأطباء الدكتور خيرى عبدالدايم من خلال تصريحات سابقة له، قال إن المعدل العالمى فى تقديم الخدمة الصحية طبيب لكل 400 نسمة، ونحن نرضى بطبيب لكل 500 نسمة، وأوضح أننا نحتاج من 3500 إلى 4 آلاف طبيب فقط سنويا لتغطية الزيادة فى عدد السكان.
أما الدكتور سعد زغلول، مساعد وزير الصحة لشئون الطب العلاجى، فقال فى تصريحات منشورة له: «إن معدل طبيب لكل 500 نسمة هدف صعب ولكن ممكن يكون طبيب لكل ألف نسمة».
وقال إن «عدد المقيدين فى الصحة بلغ 140 ألف طبيب، 60 % منهم يعمل داخل مصر والباقى معار خارجها، وأن هناك نقصًا شديدًا فى بعض المحافظات خاصة الحدودية، فضلًا عن وجود نقص فى بعض التخصصات»، ما سبق يكشف أن علاج المشكلة ليس بزيادة عدد المقبولين بكليات الطب ولكن المواجهة تبدأ بحل ما يعانيه الأطباء، واتخاذ إجراءات لجذب الأطباء للعمل فى مصر مثل تقديم حوافز مالية وتسهيل فرص استكمال الدراسات العليا، وتطوير المناهج وطرق التدريس، وحمايتهم من الاعتداءات عليهم، وتحسين بيئة العمل، وبخلاف ذلك فإن زيادة المقبولين بكلية الطب لن تجدى شيئا فى ظل استمرار ظروف العمل الصعبة، وسينتج عنها زيادة فى عدد الأطباء الذين يهربون للعمل بالخارج، وتدنٍ فى التعليم الطبى وخسارة كبيرة للمجتمع. القضية كبيرة وتحتاج إلى نقاش جاد، وأعتقد أن الأمر يتطلب عقد مؤتمر قومى عاجل يضم جميع المعنيين والمهتمين بالتعليم الطبى وأحوال الصحة فى مصر، لوضع خطة وإستراتيجية لمواجهة المشكلة، التى لن تحلها زيادة أعداد الطلاب بل ربما تفاقمها أكثر.