الأحد 27 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مصر والسعودية: المرجعية الروحية للعالم العربى

مصر والسعودية: المرجعية الروحية للعالم العربى

لا أتفق مع اختزال أغلب الباحثين والمهتمين بالشأن العربي، العلاقة بين مصر والسعودية فى أنها «ركيزة للأمن القومى العربى» فحسب، أو أنها محورية لضمان استقرار المنطقة. وظنى أن الغرب فطن إلى ما هو أوسع من هذا السياق الإقليمى فى التأثير الذى نردده عربيًا، وأدرك عمق الهيمنة الروحية للقطبين الكبيرين على ربع سكان العالم من المسلمين. والعودة إلى الوثائق السرية التى يُفرج عنها كل حين فى بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، قد تفتح لنا آفاق الرؤية، وتجعلنا نفكر مليًا فى قيمة هذه العلاقة بين البلدين ومدى تفاعل العالم معها، لأن هذا الارتباط محورى لفهم مؤشرات الصعود والهبوط فى مسار العلاقة.



فضلًا عن أن هذه الهيمنة الروحية تجعل الدورين المصرى والسعودى وتأثيرهما على العالم العربى أكبر من أى خلاف وأقوى من أى صخب مفتعل على السوشيال ميديا تحركه أصابع مأجورة فى محاولة لتعكير صفو ما بين البلدين.

ولعله من المهم الإلمام الجيد بتاريخ العلاقة بين البلدين عند التصدى للحديث عن «مصر والسعودية»، لأن ماضى العلاقة ينعكس على حاضرها ويؤثر فى مستقبلها، فهى العلاقة الأخطر بمنطقة الشرق الأوسط، بل حجر زاوية فى أمن واستقرار العالم.

إن استمرار متانة العلاقات بين مصر والسعودية أمر عصى على فهم المتربصين الذين يقتاتون على التوترات، ويزيد من حضورهم الشقاق والخلاف. هؤلاء الذين لا تجدهم عند الوفاق، ولا تسمع لهم صوتًا عندما تتجلى الشراكة الاقتصادية وتثمر المشروعات والاتفاقات، ويسود التناغم السياسى الذى يجعل جهود البلدين المشتركة تصب فى صالح الشعبين وشعوب المنطقة بأسرها.

وما بين «السعودية ومصر علاقة ممتدة لم تخلُ من محطات مد وجزر»، كما يصفها موقع «إندبندنت عربية»، الذى كان قد استبق زيارة قام بها ولى العهد السعودى إلى مصر قبل أعوام، وأضاف موضحًا: «مثلت الأزمات الكبرى بين البلدين اختبارًا قويًا لمتانة العلاقات المشتركة، ويميل الجانبان إلى زيادة وتيرة التعاون والتنسيق، الأمر الذى ثبتت فاعليته فى مناسبات متعددة، أبرزها حرب أكتوبر 1973».

إن ما بين الشعبين المصرى والسعودى رباط أخوى تاريخى مقدس.. وما بين البلدين أكبر.. ومصالحهما المشتركة أعقد. وقد وصفت عمق العلاقة فى مقال سابق نشرته فى صحيفة «المصرى اليوم» فى فبراير سنة 2017، وكانت المرة الأولى التى يشاع فيها عن خلاف مصرى سعودى منذ أن استعادت مصر علاقتها مع السعودية وأغلب الدول الشقيقة فى القمة العربية الطارئة بالمغرب فى مايو سنة 1989، وذكرت فى المقال، كأنى أصك مصطلحًا دقيقًا يشخص هذه العلاقة فى الظرف التاريخى الذى تعيشه المنطقة، قائلًا إن «المتأمل الجيد للعلاقات المصرية- السعودية سيشعر بأنها تتشابه إلى حد كبير مع قصة (التوأم السيامى). وعلاقة التوأم الملتصق مربكة لطرفيها، فهى علاقة قدرية أكثر منها اختيارية، وهى علاقة أبدية تستدعى التنسيق المستمر كى يتمكن الطرفان من العيش المشترك دون أن تطغى رغبة أحدهما على الآخر، وتتطلب دومًا أن يحرص كل طرف فى حركته حتى لا يؤذى توأمه بحركة فُجائية، وهى أيضًا تستلزم تفهمًا لاحتياجات ورغبات كل طرف واحترامًا لحقه فى الخصوصية».

 وعلى كل من يريد أن يتعامل مع ملف العلاقة بين البلدين تفهُّم الفكرة السابقة وتخيل تفاصيلها؛ فعندما تخيم على العلاقة بين مصر والسعودية سحابة صيف عابرة، أو سحابة شتاء ثقيلة، فى كل الأحوال تُستأنف الحياة بين الشقيقين. فلا عيش لأى منهما دون الآخر.

وقد ارتقت العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودى- المصري، وإبرام نحو 70 اتفاقية وبروتوكولًا ومذكرة تفاهم بين مؤسساتهما الحكومية.

إن أهمية العلاقة بين الأشقاء العرب تستدعى الحرص الدائم على تفاصيلها، بتنشيط مفاصلها، وتجديد أواصرها، وتحديد أولوياتها بين الحين والآخر، وانتقاء الإيجابى من تاريخها ليصبح عنوانًا لمستقبلها. 

 

كاتب صحفى، مدير المنتدى الاستراتيجى للفكر والحوار «بيت فكر»