
محمد جمال الدين
دولة.. (لو مش عاجبك إنزل)
هل هناك دولة في العالم اسمها (لو مش عاجبك إنزل)؟! الإجابة بكل وضوح نعم، وللأسف هذه الدولة توجد عندنا في مصر، دولة يتحكم فيها فئة معينة من فتوات مصر الجدد، المعروفين باسم سائقي الميكروباص، هؤلاء تفوقوا بجدارة واستحقاق، على الفتوة الوحيد المعترف به في كل أرجاء العالم وهو القانون (الذي يطبق على الجميع) ولا شيء سواه، ولكن عندنا في مصر تواجد بيننا فتوة ليس له مثيل في العالم بأجمعه، من حيث التسيب وعدم الوعي وارتكاب كل أنواع الجرائم يوميًا، فتوة يتفنن في تحدي القانون في عز الظهر وبعد منتصف الليل وفى كل وقت، مرتكبا العديد من الجرائم التي لا حصر لها، وللأسف لا يتحمل تبعاتها إلا الراكب وحده، وإن كانت الدولة تتحمل جزءًا بعدم تحصيل رسوم (الكارتة) لأن هناك فتوات آخرون يحصلون عليها تحت بند الإتاوات، خصوصًا في المواقف غير الرسمية، التي احتكرت بدورها جميع ميادين وشوارع مصر لحسابها الخاص، لدرجة وصل معها الأمر إلى تكوين ما يمكن أن نسميه بدولة الميكروباص، التي تحكمها قوانين وأعراف خاصة بها، ليس لها أدنى علاقة بالقانون أو النظام، فمن السهل جدا أن تجد عربات تسير على تلك الخطوط بأرقام ملاكي أو أرقام جهات حكومية، ومن الوارد أيضًا أن يعمل على هذه السيارات سائقون لا يحملون رخصة قيادة، بل أن بعضهم من صغار السن، جميعهم وبدون مناسبة اخترعوا نظامًا جديدًا لسيارات الميكروباص، أطلقوا عليه اسم نظام تقسيم الخطوط لزيادة التعريفة المقررة من قبل إدارات الحكم المحلي المعنية بتشغيل مثل هذه السيارات، ضاربين عرض الحائط بخطوط السير المحددة لهم، بل ومتحدين المرور وقوانينه وكل جهة رسمية تخطر على بالك عزيزي القارئ، ليتحول خط مثل رمسيس الهرم بقدرة قادر إلى ثلاثة خطوط من رمسيس إلى الجيزة ومن الجيزة الى الطالبية ومن الطالبية إلى مشعل، وخط مثل المندرة إلى سيدي جابر يتحول إلى خطين من المندرة إلى ميدان فيكتوريا، ومن فيكتوريا إلى سيدي جابر، ويتم تطبيق هذا المنوال على كل الخطوط، ليتحمل الراكب صاغرًا هذا التقسيم ( ولو مش عاجبه ينزل)، وإلا تهديده بالضرب والإهانة، حال ركوبه ثم اعتراضه بعد ذلك، وكم من محاضر واعتداءات مثبتة في أقسام الشرطة ضد سائقين ( أقصد فتوات) من ركاب تعرضوا للاعتداء والضرب، من جراء اختراع تقسيم الخطوط.
ناهيك عما يحدث ليلًا حيث تتجسد أكبر صور الاستغلال التي تمارس في حق الراكب، خصوصا بعد انتهاء ساعات عمل أتوبيسات النقل العام ومترو الأنفاق، فليس هناك من بديل سوى الميكروباص، وهنا يقع الراكب المغلوب على أمره فريسة سهلة لأباطرة هذه الدولة، التي لا ترحم كبيرًا كان أو صغيرًا، أو طفلًا أو سيدة، حال عدم الموافقة على الأجرة التي يحددها السائق، الذي يفضل حينها عدم التحرك وغلق أبواب سيارته، إمعانا منه في إذلال الركاب وعقابهم لمخالفتهم الرضوخ للتسعيرة التي يحددها سيادته.
وبدلا من أن يكون الميكروباص وسيلة مواصلات تساعد في نقل الركاب، تحول بقدرة قادر إلى وسيلة تستخدم فيها كل مخالفات التشغيل والقانون والنظام المقرر لتشغيل تلك السيارات، ويضاف إليها استغلال الركاب وامتهان كرامتهم إذا لزم الأمر، مخالفات تبدأ بالسير عكس الاتجاه، والوقوف المفاجئ في وسط الطريق لنقل الركاب، أو الوقوف في المناطق المحظور فيها الوقوف لتحميل الركاب الزائدين عن العدد المقرر، ناهيك عن القيادة بسرعة جنونية، ينتج عنها الكثير من الحوادث المميتة.
يحدث كل هذا في الوقت الذي يقف فيه المواطن حائرًا، لا يعرف ماذا يفعل مع هؤلاء الفتوات، الذين لا يرتدعون لأحد أو يحترمون أحدًا، لدرجة أن البعض منهم وصل به الحال إلى التحرش بالراكبات أو محاولة الاعتداء عليهن جنسيًا.
السطور السابقة لا تنطبق على جل السائقين المنتمين لدولة الميكروباص، فمن المؤكد بينهم محترمين ويتميزون بأخلاق عالية، ولكن للأسف الصالح أخذ في طريقة الطالح، الذي يجب أن يتصدى القانون له ولأمثاله الذين تسول لهم أنفسهم فرض قوانينهم علينا نحن بنى البشر، لأنه بغير القانون والحزم والعدل في تطبيقه على الجميع، سوف يشهد الشارع المصري كوارث أخرى، مجتمعنا في غنى عنها.