الثلاثاء 20 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
100 عام بين الهلال والصليب

100 عام بين الهلال والصليب


 فى عام 1919، وقف القمص سرجيوس خطيبا على منبر الجامع الأزهر، وخطب الشيخ محمد عبدالله دراز فى الكنيسة، وفى عام 2019 منذ أيام ألقى البابا تواضروس كلمة فى افتتاح مسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتحدث شيخ الأزهر من داخل كاتدرائية ميلاد المسيح خلال افتتاحها.
 مائة عام مرت بين المشهدين، تراوحت فيها العلاقات بين المسلمين والأقباط بين المد والجزر، بعد ثورة 1919 كانت الوحدة الوطنية متوهجة، كان وجود المسيحيين فى الحياة السياسية شيئا عاديا، وكان منهم وزراء وقيادات فى الأحزاب المختلفة،  وكان نجاح بعضهم فى الانتخابات وفى دوائر أغربها من المسلمين أمرا لا يثير الدهشة، ولكن لم يخل الأمر من بعض الاضطرابات التى بدأت  منذ ثلاثينيات القرن الماضي.. إذ يمكننا هنا ملاحظة أن أغلب هذه الحوادث  تمت بعد ظهور جماعة الإخوان عام 1928.. إلا أن هذه الأحداث لم يكن لها تأثير كبير على مجمل العلاقات بين جناحى الأمة.
 بعد ثورة يوليو كانت قبضة النظام برئاسة عبدالناصر حازمة، ولهذا لم يشهد البلد أحداثا طائفية  تذكر، ولكن تأميم العمل السياسى أدى إلى انزواء الأقباط داخل الكنائس نسبيًا.. ومع ذلك كانت العلاقة بين الكنيسة والدولة فى أحسن حالاتها بسبب الصداقة التى جمعت الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس.
 وهو عكس ما حدث فى السبعينيات وبعد تولى السادات الحكم، إذ  بدأ عهده بحادث كنيسة الخانكة وأنهاه بإبعاد البابا شنودة  عن منصبه والتحفظ عليه فى دير الأنبا بيشوي، وبين الحدثين تم إطلاق سراح الإخوان وإخراجهم من السجون والمعتقلات، والسماح لهم وللجماعات الإسلامية بالعمل والتمدد خاصة فى الجامعات، وتوترت العلاقات بين البابا شنودة والسادات بعد تعدد الاضطرابات، التى وصلت ذروتها فى حادث الزاوية الحمراء واعتداءات  الجماعات الإرهابية على الإقباط.
 وتبع ذلك تواجد أعضاء الجماعات المتأسلمة فى معظم الوزارات والهيئات والجامعات، مما كان سببا فى عدم حصول المسيحيين على مواقع  ووظائف يستحقونها، وعلى سبيل المثال كان من من النادر تعيين مسيحى معيدا أو فى هيئات التدريس بالكليات المختلفة، وبدأت فى الانتشار فتاوى تكفير الأقباط وتحريم توليهم المناصب خاصة الولاية الكبري، وكذلك  فتاوى تحريم بناء الكنائس !
 بعد اغتيال السادات وصعود  مبارك للحكم، لم يكن التصدى للتطرف إلا من منطق حماية النظام وليس الدولة.. ولهذا لم تمنع المواجهة الإخوان المتطرفين من التأثير على عقول البسطاء واختلال  الشارع من خلال الخدمات التى يقدمونها حتى أصبحت الإخوان الجماعة الأكثر تواجدا!
 وهو ما ظهر فى كل الانتخابات  التى جرت قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011  حتى جاءت ثورة 30 يونيو والتى أطاحت بحكم الإخوان. حقيقة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو خرج المسيحيون من أسوار  الكنائس وأصبحوا أكثر فاعلية فى الحياة السياسية، كما عادت  علاقات المودة بين الدولة والكنيسة بعد تولى الرئيس السيسى واعتلاء البابا تواضروس كرسى البطريركية، ولكن ظل تأثير المتطرفين موجودا لدى عدد قليل من البسطاء.
وأصبح الحال الآن أننا نجنى العلقم الذى زرعه الإخوان والجماعات الإسلامية والسلفيون على مدى سنوات طويلة. وظنى أننا نمتلك الآن العديد من المقومات، لكى نعالج الأورام الخبيثة التى انتشرت، وننقى المياه التى تسممت، وكيف نستعيد عقول البسطاء التى استولوا عليها ؟ ما حدث  فى العاصمة الإدارية هو خطوة مهمة على الطريق ويجب أن تتبعها خطوات أخرى فى هذا الملف الصعب.. فمصر.. ثم مصر.. ثم مصر.