الثلاثاء 20 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
90 عامًا على مستشفى الدمرداش.. هكذا كان المجتمع المدنى

90 عامًا على مستشفى الدمرداش.. هكذا كان المجتمع المدنى


منذ 90 عامًا وبالتحديد فى أول أغسطس عام 1928 تبرع الشيخ عبدالرحيم مصطفى الدمرداش، بقطعة أرض مساحتها 15 ألف متر بشارع الملكة نازلى - رمسيس حاليًا- بالقرب من العباسية لإقامة مستشفى خيرى، وحسب ما نشرته الصحف وقتها أنه تبرع أيضا بمبلغ 25 ألف جنيه، وابنته قوت القلوب – الشاعرة المشهورة - بـ50 ألف جنيه، وزوجته بــ 25 ألف جنيه، وقد رصد من هذا المبلغ 40 ألف جنيه لبناء المستشفى وتأسيسه، وأما المبلغ المتبقى وقدره 60 ألف جنيه فخصص للإنفاق من ريعه على المستشفى، واشترط أنه إذا لم يكف ريع هذا المبلغ للصرف على المستشفى فإن الحكومة تتعهد بدفع الباقى من طرفها سنويًا، كما اشترط قبول كل المرضى الفقراء وعلاجهم بالمجان دون النظر إلى جنسياتهم أو ديانتهم، وافتتح مستشفى الدمرداش بالفعل عام 1931 ثم أنشئت داخله كلية طب عام 1947 وانضم إلى جامعة عين شمس بعد افتتاحها عام 1950.. مرور 90 عامًا على إنشاء مثل هذه المؤسسات الطبية والعلمية مناسبة كان يجب الاحتفاء بها.. وفى أوروبا والدول المتقدمة يستغلون هذه المناسبات لإحياء فكرة العمل الأهلى وتذكير الناس بأهميته وباعتباره إحدى الوسائل الرئيسية لإصلاح المجتمع والنهوض به، ولا ننسى أن التعليم والصحة فى مصر اعتمدا فى جزء كبير منهما على جهود المجتمع المدنى، ويكفى أن نذكر بعض المستشفيات التى قامت على التبرعات فى هذه الفترة استنادا لما كتبه د. يونان لبيب رزق فى إحدى دراساته بالأهرام خلال حديثه عن تبرع الدمرداش بأرضه‏:‏ «فى سنة 1906‏ أنشأ الشواربى باشا مستشفاه الخيرى فى قليوب بسعة ‏60‏ سريرًا وينفق عليه من وقفه‏‏,‏ ومستشفى المنشاوى باشا فى طنطا والبدراوى باشا فى سمنود‏، ‏‏ومن سنة ‏1923 وما بعدها كثر إنشاء المستشفيات‏,‏ فقد جمع أهالى مركز طهطا مبلغا من المال أنشأوا به مستشفى يسع ‏51 ‏سريرًا‏,‏ وفى سنة ‏1925‏ أنشأ صالح باشا لملوم مستشفى فى مغاغة يسع ‏21‏ سريرًا‏,‏ وهو ينفق عليه فى السنة ‏800 جنيه‏,‏ وتنفق عليه الحكومة ‏1000 ‏ جنيه,‏ وفى سنة 1926 تبرع أهالى ملوى بنفقات مستشفى يسع ‏61 ‏ سريرًا‏,‏ وتبلغ نفقاته السنوية ‏1600‏ جنيه‏,‏ وفى نفس السنة تبرع الشوربجى بك بدار لإنشاء مستشفى يسع ‏30‏ سريرًا‏,‏ وفى العام التالى جمع أهالى مركز ميت غمر مبلغا أنشأوا به مستشفى يبلغ عدد أسرته ‏42 وتبرع عبدالعزيز بك بمبلغ كبير لإنشاء مستشفى فى زاوية الناعورة يسع ‏61 ‏ سريرًا‏,‏ وجمع أهالى الفكرية بـ «أبوقرقاص» مبلغًا من المال لإنشاء مستشفى يسع ‏52‏ سريرًا‏,‏ وأنشأت حرم المرحوم منشاوى باشا مستشفى للولادة فى العباسية يسع ‏20‏ سريرًا‏، ورصدت دخلا من وقفها للإنفاق عليه‏,‏ وأوصى المرحوم أحمد طلعت بك قبل وفاته بأن تكون داره الكبيرة فى السيوفية ملجأ للعجزة والمصابين‏,‏ يسع ‏30 سريرًا‏ وينفق عليه من وقفه‏.‏ «انتهى كلام د.يونان الذى كان يتحدث عن فترة بعينها، فقد تواصل إنشاء المستشفيات الخيرية مثل القبطى والمواساة والعجوزة وغيرها، وكلها قامت على التبرعات والأوقاف، وهكذا كان لهذه المؤسسات دور كبير فى علاج المصريين قبل ثورة 23 يوليو، ثم تم تهميش دور المجتمع المدنى بعد قيامها، وتولت الدولة وحدها مسئولية علاج المواطنين، ولو سمحت الثورة باستمرار المجتمع المدنى بنفس عطائه القوى لكان الوضع أفضل كثيرًا، فى السبعينيات وما بعدها تراجع دور الدولة فى مجال الصحة ولم تستعد الجمعيات الأهلية عافيتها، وفى التسعينيات نشأت المستوصفات التابعة للجمعيات الدينية والكنائس، ورغم كثرتها لم تكن بقوة وكفاءة ونظام المستشفيات الخيرية السابقة، وهو ما جعل المواطنين يعانون للحصول على العلاج، وفى السنوات الأخيرة ظهرت بعض المحاولات من الجمعيات فى مجال العلاج والطب، ولكنها لاتزال قليلة ويشوب بعضها شكوك كثيرة حول شفافيتها وأدائها لدورها على الوجه المطلوب، ولعل ذكرى مرور 90 عامًا على تأسيس مستشفى الدمرداش فرصة لدراسة أسباب نجاح المجتمع المدنى قبل ثورة يوليو الذى لم يأت من فراغ، فقد كان الهدف تقديم الخدمة العامة بعيدًا عن «الشو» الإعلامى، والارتزاق والتكسب منه وتعيين الأقارب والأصدقاء، والبحث عن الوجاهة الاجتماعية والدور السياسى، والأهم أنها كانت لكل المرضى دون وساطة أو محسوبية، بالإضافة إلى الشفافية المالية، ولعلها أيضًا فرصة لمراجعة قانون الجمعيات الأهلية وتعديله بما يساعد المجتمع المدنى على القيام بدوره بدلا من التضييق عليه.