
أسامة سلامة
تجفيف منابع الفساد
لم يعد مدهشًا أن نقرأ خبرًا عن قضية فساد جديدة، بعد أن تكررت الوقائع بشكل يكاد يكون يوميًا، وامتدت قائمة الفاسدين من مسئولين فى أعلى المناصب مثل وزير الزراعة السابق صلاح هلال، إلى موظفين صغار مرورًا بنواب محافظين وسكرتيرى عموم لمحافظات مختلفة، ومديرى إدارات ورؤساء أحياء، وحتى مبالغ الرشاوى والسرقات من المال العام مهما ارتفعت إلى الملايين أو انخفضت إلى عدة آلاف من الجنيهات فإنها صارت أمرا عاديا، نتعامل معها ببساطة وكأنها شيء مألوف.
حقيقة أن جهدًا كبيرًا تقوم به أجهزة الرقابة فى كشف الفاسدين والقبض عليهم فى كل الجهات، وهو أمر تستحق عليه الشكر والإشادة، ولكن هل هذا كافٍ للقضاء على الفساد؟ وهل مواجهته فقط بالقبض على بعض الفاسدين مهما كثر عدد الذين يقعون فى أيدى رجال الرقابة؟ إذا كنا جادين حقًا فى مواجهة الفساد فعلى أجهزة الدولة أن تبحث عن إجابة لهذه التساؤلات: ما الذى أوصلنا إلى هذا الحال؟ وما الذى جعل الفساد يعشش فى المجتمع ويستفحل فيه حتى إنه يكاد لا توجد وزارة ولا مؤسسة أو جهة إلا عانت من وجود فاسدين بها؟ لماذا بتنا لا نستنكر الفساد ولا نحتقر الموظف الفاسد كما كان يحدث قديمًا؟ والأخطر أن المواطن صاحب الحاجة أصبح يبحث أولا عن موظف فاسد قبل الأمين والشريف يقضى له حاجته، مستسهلاً ذلك عن السير فى الإجراءات الطبيعية والقانونية، لقد أصبح الفساد شيئًا عاديًا فى حياتنا، والمجتمع الذى كان يهزه خبر القبض على موظف مرتشٍ صار لا ينفعل ولا يجد هذا الفعل غريبًا، ولهذا فإن مواجهة الفساد تحتاج إلى خطط ودراسات، بالتزامن مع جهود الجهات الرقابية.
على الحكومة أن تدرس كيفية تجفيف منابع الفساد حتى لا يستمر الداء ونكون مثل الذى يعالج العرض ويترك المرض، ولن يتم ذلك إلا إذا عرفنا الأسباب التى تدفع كل هؤلاء الموظفين والمسئولين كبارًا وصغارًا إلى المال الحرام. أعتقد أنه خلال فترة حكم مبارك تراخت أجهزة الرقابة عن القيام بدورها رغم أنه بدأ عهده بالكشف عن قضايا فساد عديدة، ولكن بعد سنوات ارتفعت وتيرة الفساد وتطورت أساليبه، خاصة مع شعور المواطنين أن هناك مسئولين كبارًا فى دائرة الحكم يستغلون نفوذهم فى تنمية ثرواتهم ويستحلون المال العام، وزاد ذلك بعد تزاوج المال والسلطة، وقد اضطر بعض هؤلاء بعد تنحى مبارك إلى رد ملايين الجنيهات التى حصلوا عليها للدولة مقابل إنهاء قضاياهم طبقًا للقانون الذى صدر ومنحهم هذا الحق، ما فعله هؤلاء الكبار دفع الصف الثانى من كبار الموظفين للاقتداء بهم، ومن ثم تواصلت السلسلة نزولاً إلى باقى درجات الموظفين، أيضًا تراخت الأجهزة الرقابية فى الكشف عن الفاسدين ومتابعتهم بسبب وجود الكبار فى الدائرة السوداء، مما أدى إلى استشراء الظاهرة وشعور الفاسدين بأنهم فى مأمن من العقاب، وتزامن ذلك مع حصول بعض الذين تم اتهامهم بالفساد على البراءة بسبب قصور القوانين، أو ثغرات الإجراءات، أو قدرتهم على ترتيب الأوراق و«تستيفها» بشكل يجعلها قانونية، ويضاف إلى ذلك ضعف المرتبات وارتفاع الأسعار وزيادة احتياجات الأسر، مما دفع عددًا من صغار الموظفين إلى الرشوة والاستيلاء على المال العام لتلبية مطالب أسرهم.
ما سبق مجرد اجتهاد قد يخطئ أو يصيب، ولكننا نحتاج إلى دراسات حقيقية لهذه الظاهرة الخطيرة التى تقضى على أى أمل فى الإصلاح أو التقدم الاجتماعى والاقتصادى، جهود الرقابة الإدارية نرفع لها تعظيم سلام، ولكن بدون تجفيف المنابع سيستمر مرض الفساد يهدد المجتمع.