الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ماذا تفعل القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط؟!

يؤكد الخبراء العسكريون أن عمليات الانتشار العسكرى المتقدمة للولايات المتحدة الأمريكية لا تؤثر إيجابًا على التهديدات المحتملة فى الشرق الأوسط بل أثبتت فشلًا واضحًا فى منطقة البحر الأحمر أمام الحوثيين، وأيضًا أمام صمود المقاومة الفلسطينية فى حرب غزة مما يطرح سؤالًا مهمًا عن ما تفعله القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط ؟



بات واضحًا أن ترامب ومستشاريه لا يملكون استراتيجية واضحة للشرق الأوسط، وأنهم منخرطون فى جهود ارتجالية عشوائية فى محاولة يائسة من الإدارة الأمريكية بتنفيذ وعود الرئيس بوقف الحروب وإخماد الحرائق المشتعلة فى المنطقة من خلال استعراض القوة العسكرية للولايات المتحدة، وتحريك منظومات الأسلحة المتطورة يمينًا ويسارًا كوسيلة للضغط على إيران من أجل إبرام اتفاق نووى وكبح نفوذها الخبيث فى المنطقة، حتى أن الإجراءات التى تتخذها الإدارة تجاه إيران واليمن وسوريا ولبنان يمكن اعتبارها داعمة لهذا الهدف، وقد أظهر تحقيق أجرته شركة هانتربروك ميديا ​​لبيانات تتبع الرحلات الجوية وصور الأقمار الصناعية والاتصالات العسكرية زيادة قدرها خمسة أضعاف فى رحلات الشحن العسكرية الأمريكية منذ شهر مارس، ونشر القاذفات الاستراتيجية وأنظمة الدفاع الصاروخى المتقدمة التى يتم وضعها فى جميع أنحاء المنطقة، إلى جانب ارتفاع رحلات الشحن العسكرية الأمريكية التى تهبط فى القواعد الجوية فى الشرق الأوسط بنحو 400 %، رغم أنها تحتفظ بحضور عسكرى كبير فى الشرق الأوسط بقوات فى أكثر من اثنتى عشرة دولة، وعلى متن سفن فى جميع أنحاء مياه المنطقة، كما أن لديها اتفاقيات قواعد مع الدول المضيفة باستثناء سوريا، حيث عارضت الحكومة سابقًا القوات الأمريكية، لكن مؤخرًا أشار الرئيس السورى المؤقت أحمد الشرع إلى اهتمامه باستعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، وتعد أقوى القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط فى قطر المقر الأمامى للقيادة المركزية الأمريكية، والبحرين التى تستضيف معظم الأفراد الأمريكيين المعينين بشكل دائم، وهى موطن للأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، ولدى البحرية تشكيلات متعددة من السفن الحربية الكبيرة التى تجرى عمليات فى المنطقة.

 مواجهة الحوثيين 

من الناحية العسكرية تعد الحملات الأمريكية على اليمن فاشلة وباهظة التكلفة بشكل لا يصدق، فقد أطلقت البحرية الأمريكية صواريخ دفاع جوى خلال الحملة ضد الحوثيين أكثر مما أطلقته فى الثلاثين عامًا الماضية، حتى الضربات الجوية الأخيرة هى نذير نجاح كاذب، خاصةً مع الأسلحة الدقيقة الحديثة، ويعود هذا التصور إلى أن الدقة الفائقة تمنح المشغلين شعورًا بالإنجاز، لكن التحدى يكمن فى تحقيق الضرر الفعلى إذا تمكن الحوثيون من إخفاء الصواريخ الباليستية فى الكهوف والاستمرار فى صنعها، فكل ما عليهم فعله هو انتظار انتهاء الحملة وقد تعرض الحوثيون لحملات مشابهة من قبل، فقد دمرت اليمن خلال الحملة الجوية السعودية التى استمرت سبع سنوات ورغم أنها ألحقت أضرارًا جسيمة بالسكان المدنيين إلا أن سيطرة الحوثيين على الأراضى لم تتراجع، ومن غير المرجح أن تسفر حملات القوات الأمريكية الأوسع نطاقًا عن نتيجة مختلفة رغم أنه فى الواقع أن طائرات الكاميكازى المسيرة أحادية الاتجاه لا تضاهى قوة حاملة الطائرات الأمريكية، كما أن صواريخ الحوثى الباليستية لا تضاهى البحرية الأمريكية، ومع ذلك هذا لا يعنى أن الحرب فى اليمن سهلة، فقد شنت إسرائيل سلسلة غارات على الحوثيين عام 2024، ردًا على تزايد هجماتهم ولم تثبط هذه الغارات جماح الجماعة

 الحرب المستبعدة 

فى الوقت الذى يتحدث فيه العالم عن وقوع مواجهة عسكرية محتملة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لا يوجد أى دليل على تداعيات العمل العسكرى المباشر، وأنه يعتبر أمرًا مستبعدًا لعدة أسباب أهمها: أن الولايات المتحدة إذا انغمست فى حرب مع دولة شرق أوسطية أكبر مساحة وأكثر سكانًا من العراق لكان ذلك بمثابة صب الزيت على النار التى من المرجح أن تمتد إلى جميع أنحاء المنطقة، إلى جانب أن تكلفتها ستكون أكثر بكثير من تريليونات دولارات دافعى الضرائب التى أحرقها أسلاف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى أفغانستان والعراق، ويؤكد الخبراء العسكريون والنوويون أن أى عمل عسكرى أمريكى إسرائيلى لن يؤدى على الأرجح إلا إلى تأخير مؤقت لبرنامج يخشى الغرب من أنه يهدف بالفعل إلى إنتاج قنابل ذرية يومًا ما، على الرغم من أن إيران تنفى ذلك، والأسوأ من ذلك أن الهجوم قد يدفع إيران إلى طرد المفتشين النوويين التابعين للأمم المتحدة، ودفع البرنامج الذى تم دفنه جزئيًا بالفعل تحت الأرض بالكامل، والتسابق نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويًا، مما يضمن أمنها ويعجل بهذه النتيجة المرعبة التى تخشاها الولايات المتحدة، والأهم من ذلك أن دونالد ترامب يعتبر أولوياته أهم من إيران، فهو يريد التركيز على الصين وعلى أجندته المحلية، ولا يريد اتباع سياسة تورط الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط لسنوات طويلة، بل يسعى فقط إلى حملات سريعة دون التورط فى حرب حقيقية، ويبدو أنه لا يريد تغيير النظام بل يريد اتفاقًا يمنع إيران من أن تفسد أجندته الخارجية بأكملها.

 المليارات المهدورة 

 فى ديسمبر الماضى أعلن البنتاغون عن إطلاق عملية عرفت باسم «حارس الرخاء»، وهى عملية عسكرية أمريكية بريطانية مشتركة لوقف عرقلة الحوثيين اليمنيين لحركة الملاحة التجارية المرتبطة بإسرائيل والسفن الأوروبية والأمريكية فى البحر الأحمر، فى ذلك الوقت أعلن الحوثيون أن سياستهم كانت ردًا على استخدام إسرائيل الإبادة الجماعية فى حربها على غزة، كان من المتوقع أن تكون العملية سريعة وسهلة، فمن المفترض أن ميليشيا الحوثى المتشرذمة لم تقف أبدًا ندًا للبحريتين الأمريكية والبريطانية الجبارة، لكن الأمور لم تسر على هذا النحو إطلاقًا، وفى نهاية الأسبوع نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالًا يكشف أنه بعد إنفاق أكثر من مليار دولار على الذخائر وحدها فشلت العملية فى ردع الحوثيين، وعودة الملاحة التجارية فى البحر الأحمر لحالتها الطبيعية، وأكدت الخبيرة العسكرية فى واشنطن إميلى هربرت أن السبب يرجع إلى أن إمدادات الأسلحة من إيران رخيصة ومستدامة للغاية، لكن إمدادات أمريكا وبريطانيا باهظة الثمن، وسلاسل التوريد لديهم تعانى من ضائقة مالية، وتكاليفها اللوجيستية طويلة وغير مستدامة، وفى عملية فاشلة أخرى أنفق الجيش الأمريكى ربع مليار دولار لبناء رصيف عائم مؤقت لإيصال المساعدات إلى الفلسطينيين الجائعين رغم وجود طريق برى بالفعل، وكان استخدامه أقل تكلفة بكثير، كان المشروع محكومًا عليه بالفشل منذ البداية، إذ أدى الطقس العاصف بعد أيام من افتتاحه إلى تحطيم الرصيف وجرف جزء منه إلى الشاطئ الإسرائيلى، وتمكن الجيش الأمريكى من إعادة بناء الرصيف ولكن فى المجمل لم تتمكن سوى بضع شاحنات مساعدات من استخدامه قبل أن يتم تفكيك الرصيف مرة أخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع خوفًا من تحطيم آخر بسبب الطقس، ولكن الشيء الوحيد الذى كان الرصيف صالحًا له هو مساعدة الجيش الإسرائيلى فى الغارة التى شنتها إسرائيل على غزة فى الثامن من يونيو والتى أسفرت عن مقتل 270 مدنيًا فلسطينيًا وربما أكثر، وبغض النظر عن مزايا وعيوب سياسات الإدارة الأمريكية تجاه الحروب فى أوكرانيا وغزة والشرق الأوسط، فقد أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة تستخدم صواريخها وتتخلى عنها بوتيرة أسرع من قدرتها على إنتاجها، وأكد محلل الدفاع مايكل فريدنبرغ أنه من منظور مخزونات الصواريخ وإنتاجها فإن الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن الاستعداد للانخراط بثقة فى صراع مباشر مستدام مع منافس ذى شأن مثل الصين أو روسيا، ووفقًا لتقرير صحيفة التايمز تشمل الأسلحة بعيدة المدى المستخدمة فى الحملة على اليمن صواريخ توماهوك بالإضافة إلى سلاح المواجهة المشترك AGM-154 الذى يتراوح سعره حسب نوع السلاح بين 282 ألفًا و719 ألف دولار أمريكى للوحدة، وصاروخ المواجهة المشترك جو-أرض AGM-158 698 ألف دولار أمريكى، ويرجح أن طائرات F-18 من أسطول البحرية فى البحر الأحمر تسلم هذه الأسلحة إلى أهدافها فى المجمل ربما أنفقت الولايات المتحدة بالفعل 3 مليارات دولار حتى الآن، منها مليار دولار على الذخائر وتكاليف التشغيل فى حملة ترامب الأخيرة وحدها وفقًا للتقارير المعلنة.

مؤخرًا أبدى الخبراء العسكريون الأمريكيون قلقهم بشأن الحماقة الاستراتيجية والهدر المتمثلة فى محاربة جماعة مسلحة صغيرة بما يعادل ترسانة تبلغ قيمتها تريليون دولار وإنفاق ثروة على بناء قوة لأسوأ الاحتمالات وتكون النتيجة جيشًا ضخمًا منتفخًا بأسلحة متطورة لكنها لا تعمل بالكفاءة المتوقعة، وأكدوا أن هناك عشوائية فى التعامل مع الحرب فى الشرق الأوسط خاصة من ناحية الإنفاق، حيث ترسل الولايات المتحدة صاروخًا بقيمة مليونى دولار لهزيمة طائرة مسيرة محلية الصنع بقيمة تقل عن ألف دولار، مما يجعل الأمر كله مثيرًا للسخرية، فعلى أرض الواقع النجاح فى الشرق الأوسط يتطلب التكيف مع الأحداث المتسارعة والاستخدام الحذر للدبلوماسية والقوة الناعمة، وفيما يخص استخدام القوة العسكرية فإن الفشل فى هذه المنطقة بالتحديد وضع واجهته جميع الإدارات الأمريكية السابقة تقريبًا، ومن المرجح أن تقع إدارة ترامب فى نفس الفخ بعد أن يصعب عليها قمع الحوثيين رغم الحملة العسكرية المطولة، وقد تواجه طهران خدعة واشنطن برفضها التفاوض بشأن برنامجها النووى حتى تبدأ الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات، وقد تجبر هذه السيناريوهات بدورها البيت الأبيض على تكثيف عملياته ضد الحوثيين بشكل كبير واللجوء إلى هجوم عسكرى كبير على إيران أو التراجع والظهور بمظهر الضعيف، وقد تنهار جهود تعزيز الاستقرار فى لبنان وسوريا مما يجعل البلدين عرضة لتجدد أعمال التخريب من قبل إيران وحزب الله، وقد تصبح غزة مستنقعًا طويل الأمد لإسرائيل ومصدرًا مهمًا للتوتر يعيق جهود الولايات المتحدة لتعزيز التعاون مع شركائها فى المنطقة.