الأحد 7 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
شاهد على أزمة السد الإثيوبى

شاهد على أزمة السد الإثيوبى

 خطوط مصر الحمراء فى مياه النيل 



 

فى نهاية يناير 2015، كان الرأى العام الإثيوبى والإعلام والصحافة الإثيوبية،  يراقبون ويتابعون عن كثب فعاليات الزيارة الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسى لأديس أبابا، بقدر اهتمام الإعلام المصرى، وذلك من منطلق تقصى مواقف الإدارة المصرية الجديدة تجاههم.. وقتها استوقفنى شاب إثيوبى، فى العقد الثالث من عمره، بالقرب من مبنى الاتحاد الإفريقى بالعاصمة الإثيوبية سائلًا: هل لا تزال مصر تريد أن تحاربنا؟!.

حينها كنت ضمن وفد إعلامى مصرى، ذهب للعاصمة الإثيوبية، بكل اهتمام لرصد ما سيحدث فى أديس أبابا، ليس فقط من اجتماعات الاتحاد الإفريقى السنوية، وإنما لما ستسفر عنه أول زيارة للرئيس السيسى، إلى إثيوبيا، وبينما ضجيج أزمة «سد النهضة» يتصاعد، والتساؤلات تلاحق مؤسسات الدولة المصرية، عما هى فاعلة تجاه التصرفات الإثيوبية؟.

 

ربما كان سؤال الشاب الإثيوبى، صادمًا فى وقت كانت القيادة السياسية المصرية بالعاصمة الإثيوبية تبعث برسائل طمأنة للحكومة والشارع الإثيوبيين بشأن التعاون والشراكة، لكن بسؤاله عن سبب استفساره، كانت الإجابة أشد وطأة من السؤال نفسه، ذلك أنه تحدث عن إحدى «النقاط السوداء» التى تسببت فيها جماعة الإخوان الإرهابية، فى التعاطى مع ملف «السد الإثيوبى»، وكانت سببًا فى تأليب حكومة أديس أبابا، والشارع الإثيوبى تجاه القاهرة!.

أذكر هذا المشهد، وبينما تفاعلات أزمة السد الإثيوبى، لا تزال حاضرة، وسط تعنت أديس أبابا أفشل كل مساعى الحل التى انخرطت فيها القاهرة بحسن نوايا، على مدار أكثر من 13 عامًا، حتى مع تدخل أطراف دولية وإقليمية، والواقع أنه ليس المشهد الوحيد، فى مسار تلك الأزمة، وإنما كان هناك عديد من المشاهد التى عاصرتها بشكل مباشر خلال أكثر من عقد من التعاطى المصرى مع تلك القضية، من واقع أحداث شاركت بها أو متابعات مستمرة بحكم التخصص.

المشهد الأول: أديس أبابا يناير 2015

المشهد الأول، من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فى يناير 2015، وقتها كنا محملين كوفد إعلامى مصرى، بعشرات الأسئلة التى تتردد فى الشارع المصرى، بشأن الموقف من السد الإثيوبى، الذى كانت أديس أبابا أعلنت عن إنشائه فى إبريل 2011، وسط حالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى التى كانت تشهدها مصر، فى أعقاب ما حدث فى يناير من العام نفسه. 

وبالعودة لحديث الشاب الإثيوبى، الذى أشار إلى مدى تأثير واحدة من أخطاء تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، وقت حكم المعزول محمد مرسى، عام 2012، والتى عقدت مسارات تعاطى مؤسسات الدولة المصرية مع القضية فى بدايتها.

وقتها قال الشاب الإثيوبى، والذى كان يعمل فى أحد فنادق أديس أبابا، إنهم شاهدوا اجتماعًا عقده المعزول محمد مرسى فى قصر الرئاسة مع عدد من المسئولين بفترة حكم الإخوان والموالين لهم للحديث عن السد، والذى جرى إذاعته على الهواء مباشرة، وشاهدوا الانتقادات والتهديد ضد بلاده، وقال : إن الحكومة الإثيوبية وقتها قامت بترجمة الاجتماع وأعادت بثه على التليفزيون المحلى لفترة تجاوزت الأسبوعين حتى اعتقد الشارع الإثيوبى أن مصر تريد أن تحاربهم وتعتدى عليهم!.

هذه الكلمات، عبرت عن رأى فى الشارع الإثيوبى، تجاه ما سببته أخطاء تعاطى «الإخوان» مع هذا الملف، لكن زادت الحكومة الإثيوبية من الاستفادة من الأمر، بفتح باب الاكتتاب العام لتمويل السد، بعد هذا الاجتماع، لسد الفجوة التمويلية فى بناء السد.

وفى المقابل تقطعت سبل التعاون بين القاهرة وأديس أبابا، وهو ما كشف عنه السفير محمد فتحى إدريس، السفير المصرى فى أديس أبابا وقتها، أن ذلك الاجتماع كانت له آثار كبيرة على العلاقات المشتركة حيث كانت فى أسوأ حالتها وانعدمت علاقات الصداقة مع المسئولين الإثيوبيين بل تأثر به المصريون هناك حيث لم يعد يهتم بهم أحد.

المشهد الثاني: البرلمان الإثيوبي

بعد ثورة 30 يونيو، وتولى الرئيس السيسى، رئاسة الجمهورية، كانت الدولة المصرية تدرك حجم التحدى فى هذا الملف، من هذا المنطلق تنوعت تحركات المؤسسات المصرية، بهدف تحريك مسار التفاوض والحوار مع الجانب الإثيوبى، بجانب استعادة الثقة والعلاقات مع الأشقاء فى حوض النيل وكسب حلفاء ووسطاء يدعمون الحقوق التاريخية والقانونية لمصر فى مياه النيل.

من هذا المنطلق، سعت الدولة المصرية للتعامل الجاد مع ملف العلاقات المصرية الإثيوبية وفق مبادئ ثابتة تغلب المصلحة المشتركة والتعاون بعيدًا عن أى صدام، إلى جانب تغيير الصورة السلبية لدى الشارع الإثيوبى، وهنا نتوقف مع ثانى المشاهد التى يجب أن تروى فى مسار هذه القضية، وتحديدًا فى مارس 2015، حيث أجرى الرئيس السيسى، وقتها زيارة ثانية لأديس أبابا، (زيارة ثنائية)، وحرص خلالها على مخاطبة الإثيوبيين من داخل البرلمان الإثيوبى.

كانت كلمة السيسى، موجهة بشكل أساسى للشعب الإثيوبى، حينها قال إنه «يحمل رسالة محبة ومودة وأياد ممدودة بالخير من الشعب المصرى»، وقال إننا «نحتاج إلى كتابة صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات الثنائية، وتحقيق التعاون والمصالح المشتركة والفوائد المتبادلة».

وبالتالى، فإن المعنى من هذا الخطاب، كان واضحًا، ذلك أنه جاء لترميم ما أفسدته الأخطاء السابقة، فى تأليب الرأى العام الإثيوبى تجاه مصر.

المشهد الثالث: اتفاق المبادئ فى الخرطوم

حققت تحركات الدبلوماسية المصرية، وعلى رأسها الدبلوماسية الرئاسية، اختراقًا لملف السد الإثيوبى، منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية، فقد تعددت لقاءاته مع المسئولين فى إثيوبيا والسودان، أسفرت جولات من المباحثات مع رئيس الوزراء الإثيوبى السابق، هايلى ديسالين، والرئيس السودانى السابق عمر البشير، عن توقيع «اتفاق مبادئ» بين الدول الثلاثة بشأن قضية السد الإثيوبى.

ففى مارس2015 وقعت مصر والسودان وإثيوبيا، فى مدينة الخرطوم، اتفاقًا حول إعلان مبادئ بشأن سد النهضة، وتضمن الاتفاق 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاثة، وهي: مبدأ التعاون المشترك، ومبدأ التنمية والتكامل الإقليمى من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة، ومبدأ عدم التسبب فى ضرر ذى شأن خلال استخدام نهر النيل الأزرق، ومبدأ الاستخدام المنصف والمناسب للموارد المائية المشتركة، ومبدأ التعاون فى الملء الأول وإدارة السد بحيث يتم الاتفاق على قواعد ملء السد والتشغيل السنوى للسد وإخطار دولتى المصب بأية ظروف طارئة.

وتضمنت المبادئ أيضًا، مبدأ بناء الثقة، ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء، ومبدأ أمان السد بحيث تستكمل إثيوبيا التوصيات الخاصة بأمان السد، ثم مبدأ السيادة ووحدة إقليم الدولة، وأخيرًا مبدأ التسوية السلمية للمنازعات بحيث تتم تسوية النزاعات بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقًا لمبدأ حسن النوايا وإذا لم تنجح الأطراف فى حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول.

المشهد الرابع: جولات من التفاوض

على خلفية الاختراق الدبلوماسى والقانونى لأزمة السد، انخرطت الدول الثلاثة، فى جولات متعددة من المفاوضات الفنية والسياسية، اسضافتها عواصم الدول الثلاثة، بهدف الوصول إلى «اتفاق قانونى ملزم» بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، بما لا يضر بمصالح دولتى المصب، مصر والسودان.

 

والواقع أن ثوابت ومحددات الموقف المصرى، تجاه تلك القضية ثابتة منذ اليوم الأول، من حيث عدم الاعتراض على حق دول حوض النيل فى التنمية، ولكن بما لا يضر بالحقوق المائية التاريخية، لكن مع كل تقدم تشهده المفاوضات، سرعان ما تعود الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى مع تعنت الجانب الإثيوبى.

والشواهد على ذلك كثيرة، منها اعتراض الجانب الإثيوبى على تقرير المكتب الاستشارى الفرنسى المكلف من الدول الثلاثة بتنفذ الدراسات الفنية الخاصة بالسد، إلى جانب أنماط التفاوض ما بين مفاوضات فنية بين خبراء الدول الثلاثة، ومفاوضات سياسية يشارك فيها وزراء الخارجية والرى ومديرو المخابرات بالدول الثلاثة، لكن دون جدوى.

 

المشهد الخامس: «قسم آبى أحمد»

أمام التعنت الإثيوبى، ظلت القاهرة تحتفظ بمنهج التعاطى الإيجابى مع الملف، بهدف إدارة الملف بصيغة تعاونية تحقق المنفعة للجميع، وهنا نتوقف مع مشهد آخر، عاصرته من داخل قصر «الاتحادية» الرئاسى، فى يونيو 2018، وخلال المؤتمر الصحفى المشترك، للرئيس السيسى، مع رئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، حيث كان الحديث عن إجراءات بناء الثقة وتعزيز التعاون المشترك.

وقتها طلب الرئيس السيسى، من آبى أحمد، أن يقسم بعدم إلحاق الضرر بمصر، وهو ما استجاب له رئيس الوزراء الإثيوبى، «أقسم بالله أن بلاده لن تضر بمصر»، معتبرًا أن «بلاده لا تفكر أبدًا فى إلحاق الضرر بالشعب المصرى».

تعهدات رئيس الوزراء الإثيوبى، لم تعكس إرادة سياسية حقيقية، فى مسار مفاوضات السد، التى كان مصيرها دائمًا التجميد.

المشهد السادس:مفاوضات واشنطن

المشهد السادس، كان فى العاصمة الأمريكية واشنطن، فمع استمرار الخط التصاعدى للقضية، بسبب تصرفات الجانب الإثيوبى الأحادية واستمرار شروعه فى بناء السد، تدخلت الإدارة الأمريكية، فى الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، فى نوفمبر 2019، حيث استضافت واشنطن اجتماعات لوزراء الخارجية والرى بالدول الثلاثة، بمشاركة ممثلى الولايات المتحدة والبنك الدولى، على أمل الوصول لاتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد.

ومع سلسلة من المفاوضات التى امتدت لنحو ثلاثة أشهر، كادت الدول الثلاثة تصل لاتفاق نهائى، بعد إعداد وثيقة اتفاق، وقعت عليها مصر، وتغيبت إثيوبيا عن إرسال وفدها فى جولة المحادثات الأخيرة، فى برهان جديد على غياب النية الإثيوبية للحل.

المشهد السابع: مجلس الأمن

زادت القضية تعقيدًا، بإعلان الجانب الإثيوبى بدء ملء بحيرة السد، فى عام 2020، ما دفع مصر والسودان إلى اللجوء إلى مجلس الأمن، بمذكرة تطالب بمناقشة تلك القضية، بعدّها تؤثر على السلم والأمن الدوليين بالمنطقة.

وبالفعل عقد مجلس الأمن جلسة فى 8 يوليو 2021، حيث أحاطت مصر فى بيانها، المجتمع الدولى بحجم المخاطر المتعددة التى يمثلها السد الإثيوبى، ما بين أضرار على مستوى المياه والزراعة والبيئة، ذلك أن وزير الخارجية وقتها، سامح شكرى، أشار إلى أن السد الإثيوبى، قد يؤدى لعجز متراكم للمياه فى مصر، قد يصل لنحو 120 مليار متر مكعب.

بعد نحو 69 يومًا من جلسة مجلس الأمن، أصدر المجلس، بيانًا رئاسيًا، دعا الدول الثلاثة (مصر وإثيوبيا والسودان)، إلى استئناف المفاوضات، بناء على دعوة رئيس الاتحاد الإفريقى لوضع صيغة «نهائية وسريعة» لنص اتفاق مقبول وملزم للأطراف الثلاثة بشأن ملء وتشغيل السد، وذلك فى إطار زمنى معقول، بمشاركة مراقبين، وهى خطوة رحبت بها الدولة المصرية، ولم يتجاوب معها الجانب الإثيوبى كالعادة.

 

المشهد الثامن: إنهاء مسار التفاوض

 

لم تتعاط أديس أبابا، مع نداءات مجلس الأمن الدولى والاتحاد الإفريقى، بالانخراط فى تفاوض بشأن السد، ومع جمود مسار المفاوضات، كانت القاهرة شاهدة على دفعة جديدة فى الملف، فى يوليو 2023، وعلى هامش استضافة مصر قمة دول جوار السودان، لمناقشة تطورات الحرب الداخلية، ناقش الرئيس السيسى، مع رئيس وزراء إثيوبيا، آبى أحمد، موقف قضية السد.

وقتها صدر بيان مشترك، أكد على اتفاق الطرفين، على الشروع فى مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، كما تم الاتفاق على بذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء منه خلال أربعة أشهر، إلى جانب تعهد الجانب الإثيوبى بعدم إلحاق الضرر بمصر والسودان، أثناء عمليات الملء التى تقوم بها.

ورغم انخراط الدول الثلاثة فى جولات تفاوض فنية وسياسية، استضافتها عواصم الدول الثلاثة، تحقيقًا لاتفاق فى المدة الزمنية المحددة، إلا أن وزارة الرى المصرية، أعلنت فى ديسمبر 2023، «انتهاء مسار التفاوض فى قضية السد»، بسبب عرقلة الجانب الإثيوبى الاجتماعات دون الوصول لأى نتائج.

المشهد التاسع: الضغط على مصر بملف المياه 

وبعيدًا عن التصرفات الإثيوبية، حافظت الدبلوماسية المصرية، على أن يكون ملف الأمن المائى وحقوقها التاريخية من مياه النيل، فى صدارة المحادثات مع المسئولين الدوليين، وعلاقاتها الخارجية، وسعت فى نفس الوقت، لتعزيز مسارات الشراكة والتعاون مع دول حوض النيل الجنوبى.

وهنا أتوقف مع واحد من أحدث المشاهد التى عاصرتها من داخل قصر الاتحادية الرئاسى، يوم 12 أغسطس الماضى، حينما تحدث الرئيس السيسى، فى المؤتمر الصحفى مع نظيره الأوغندى، يويرى موسيفينى، ليكشف أبعاد ما يحدث فى قضية المياه، حينما أشار إلى أن «مصر تقابل ضغوطًا كثيرة فى ضوء ما يحدث بالمنطقة، وقد تكون المياه جزءًا من حملة هذه الضغوط لتحقيق أهداف أخرى».

وقتها شدد الرئيس السيسى على ثوابت الموقف المصرى، فيما يتعلق بقضية المياه، وأن مصر، مع التعاون والتنمية فى دول حوض النيل، بما لا يضر بحقوقها المائية، لكنه أكد فى نفس الوقت، على أن «مصر لن تتخلى عن أى جزء من مياه النيل، ولن يتم السماح بالتلاعب بحصتها المائية».

جاء حديث الرئيس السيسى، فى هذا المؤتمر، واضحًا ومعبرًا عن الشواغل المصرية، وهى أبعاد أبدى الرئيس الأوغندى تفهمًا لها، حينما أشار إلى إمكانية معالجة القضية من منطلق الشراكة والتعاون بما يعود بالنفع على جميع الأطراف.

 

المشهد العاشر: خطوط مصر الحمراء

 

الشاهد فى مسارات التحرك المصرى فى قضية الأمن المائى، على مدار العشر سنوات الماضية، أن الدولة المصرية تدرك أبعاد قضية السد الإثيوبى ومخاطره، فهى قضية تتجاوز حدود الجوانب الفنية المتعلقة بملف المياه، وتمتد لأبعاد سياسية باتت واضحة، لذلك يأتى التقدير المصرى الذى يؤكد دومًا على أن «المياه خط أحمر، لا يمكن المساس بها».

بالتأكيد حصة مصر المائية من مياه النيل، (55.5 مليار متر مكعب)، باعتبارها مصدر المياه الوحيد للشعب المصرى، لذلك تنتهج القاهرة، خطوطًا ومحددات ثابتة للحفاظ على نصيبها من مياه النيل، استنادًا إلى اتفاقيات تاريخية تمتد لأكثر من قرن.

هذه المحددات جرى التأكيد عليها، فى أحدث جولات التعاون بين مصر والسودان، التى شهدتها القاهرة الأسبوع الماضى، بانعقاد اجتماعات آلية (2+2)، لوزراء الخارجية والرى فى البلدين، وأهمها، «ضرورة تأمين الأمن المائى لدولتى المصب، طبقًا للقانون الدولى واتفاقية عام 1959 المُبرمة بين البلدين، وتنسيق وتطابق المواقف التام فى مختلف المحافل الإقليمية والدولية لا سيما المرتبطة بالحقوق المائية للبلدين».

المحدد الآخر، يتعلق بوضعية السد الإثيوبى حاليًا، ذلك أن المشاورات المصرية والسودانية، أشارت إلى أن السد، «يمثل تهديدًا مستمرًا لاستقرار الوضع فى حوض النيل الشرقى»، كما يشكل «مخاطر جدية على البلدين، بسبب ملء وتشغيل السد، وأيضًا أمان السد، والتصرفات المائية غير المنضبطة ومواجهة حالات الجفاف».

المحدد الثالث، التأكيد على أن قضية السد، تظل مشكلة بين دول حوض النيل الشرقى الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا)، وضرورة عدم إقحام باقى دول حوض النيل فى هذه القضية الخلافية.

المحدد الرابع، تتمسك مصر بمبدأ التعاون والشراكة مع دول حوض النيل، وتستند فى ذلك، إلى واحدة من أكثر المبادرات شمولية لدول الحوض، وهى مبادرة حوض النيل، لذلك تطالب القاهرة والخرطوم، بإعادة العمل بقواعد المبادرة، والحفاظ عليها باعتبارها آلية التعاون الشاملة التى تضم جميع دول الحوض، وتمثل ركيزة التعاون المائى الذى يُحقق المنفعة لجميع دول حوض نهر النيل.

الخلاصة، إن مصر تدرك أبعاد قضية السد الإثيوبى، التى تتجاوز مسألة التنمية والتعاون المائى، وإنما تمتد إلى جوانب أخرى يتم الضغط بها على القاهرة، لكنها تضع فى اعتبارها أهمية روابط الصلة مع دول حوض النيل، دون غض الطرف عن أى مساس بحقوقها المائية.