حرب تأشيرات أمريكية على الدولة الفلسطينية
قطاع الطرق بين.. رام الله وواشنطن

آلاء شوقى
فى خطوة تعيد إلى الأذهان ممارسات الماضى، قررت الولايات المتحدة مؤخرًا منع وفد فلسطينى رسمى من دخول أراضيها للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2025. يأتى هذا القرار فى ظل حراك دولى متزايد، تقوده دول مثل فرنسا وبريطانيا وكندا، للاعتراف الرسمى بدولة فلسطين. وقد أعربت الرئاسة الفلسطينية عن استغرابها الشديد من هذا القرار، معتبرة إياه انتهاكًا صريحًا للقانون الدولى واتفاقية المقر.
شريكة الاحتلال
أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، فى تصريحات لـ«روزاليوسف»، أن الولايات المتحدة شريكة للاحتلال الإسرائيلى فيما يحدث فى غزة والضفة الغربية، مرجحًا أن يكون الجانب الإسرائيلى وراء القرار الأمريكى بمنع وفد فلسطينى من دخول أراضيها. وأضاف أن الهدف من هذا القرار هو إجهاض الزخم الكبير المتوقع فى اجتماع الأمم المتحدة لدعم الشعب الفلسطينى.
وشدد «الرقب» على أن منع التأشيرات لن يمنع الصوت الفلسطينى من الوصول إلى الأمم المتحدة فى نيويورك، وأشار إلى إمكانية بث كلمة الرئيس الفلسطينى عبر الفيديو. واعتبر أن القرار محاولة للضغط على السلطة الفلسطينية، لكنه لن يؤثر على قرار الدول التى تنوى الاعتراف بدولة فلسطين، بل على العكس، قد يكون دافعًا لمزيد من الدول للاعتراف.
وأشار الرقب إلى أن الجانب الأمريكى حاول بالفعل إجهاض هذا التحرك الدولي، خاصةً مع الجانب الفرنسى والبريطانى والكندي، لكنه فشل فى ذلك. كما لفت إلى أن العالم اعترف بالدولة الفلسطينية بالفعل عام 1947 عبر قرار التقسيم، الذى أعطى الشرعية لدولة الاحتلال.
تغطية أمريكية
أوضح الدكتور محمد إسبيته، المحلل السياسى الفلسطينى والقيادى بحركة فتح، أن توقيت القرار الأمريكى جاء بهدف التغطية على قرارات دول عديدة ألمحت إلى الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة، فى محاولة لإجهاض هذه التحركات والتأثير عليها.
وفى المقابل، اعتبر «إسبيته» أن هذا القرار لن يؤثر على تمثيل القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية على الإطلاق. ولفت إلى أن أكثر من 140 دولة تعترف بفلسطين، بالإضافة إلى كونها عضوًا غير عامل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأكد أن علم فلسطين مرفوع إلى جانب كل أعلام الدول أمام مبنى الأمم المتحدة، مما يثبت أنها أخذت مكانها بالفعل فى المحافل الدولية.
وأكد أن هذا الحضور لا يمكن إقصاؤه حتى لو لم تعترف به الولايات المتحدة. وأضاف أن هناك عشرات الدول فى الجمعية العامة ستتحدث نيابة عن فلسطين. ورأى أن «واشنطن» لا تدرك أن العالم تغير، وأن فلسطين تواجهها بشكل مباشر وليس إسرائيل، باعتبار أن الولايات المتحدة هى من تمول وتدعم الحرب وتقود القرارات.
عزلة دولية
أكد الدكتور أشرف عكة، خبير العلاقات الدولية، فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»، أن توقيت القرار الأمريكى بمنع الوفد الفلسطينى من دخول أراضيها جاء بهدف إنقاذ إسرائيل من العزلة الدولية المتزايدة، فى ظل تزايد المواقف الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وأشار «عكة» إلى أن القرار يأتى أيضًا فى سياق الضغوط الداخلية التى تواجهها الولايات المتحدة، حيث يُحمّل عشرات المشرعين والرأى العام الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» مسئولية استمرار «الإبادة» فى غزة. واعتبر أن القرار يهدف إلى تقليل حجم «الكارثة» التى تحدق بإسرائيل وواشنطن، والضغط على القيادة الفلسطينية لثنيها عن خطواتها الدبلوماسية.
وأعرب «عكة» عن اعتقاده بأن هذا القرار لن يؤثر على القضية الفلسطينية أو تمثيلها فى الأمم المتحدة. ورجح أن تضطر الأمم المتحدة والدول إلى ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة للتراجع عن قرارها، أو قد يُنظر فى عقد الاجتماع فى مكان آخر غير نيويورك. وعليه، توقع أن يكون مصير القرار الأمريكى إما التراجع أو أن يصبح بلا قيمة إذا نُقلت اجتماعات الأمم المتحدة إلى مكان آخر.
ضغط وابتزاز
اعتبر الكاتب والباحث فى العلاقات الدولية، نعمان توفيق العابد، فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»، أن الخطوة الأمريكية بوقف ومنع التأشيرات تأتى فى سياق الدعم اللا محدود الذى تقدمه الإدارة الحالية للاحتلال الإسرائيلي، وفى سياق معاداة القضية والشعب الفلسطيني، والضغط والابتزاز الذى تمارسه واشنطن رغم أن القرار يتعارض مع اتفاقية المقر.
وأكد «العابد» أن الولايات المتحدة، فى عهد الإدارة الحالية أو ما قبلها، كانت دائمًا ضد الاعترافات الأحادية الجانب بالدولة الفلسطينية، بدعوى أن الاعتراف يجب أن يتم عبر المفاوضات التى يرفضها الجانب الإسرائيلي، لمنع الشعب الفلسطينى من نيل حقوقه المشروعة.
ورأى أن الكرة الآن فى ملعب الأمم المتحدة والدول الفاعلة، مشددًا على ضرورة أن تضغط الأمم المتحدة على واشنطن للتراجع عن قرارها، أو أن يتم نقل مقر الأمم المتحدة بأكمله خارج الولايات المتحدة التى بدأت تعادى العديد من منظمات الأمم المتحدة.
وأكد أن القيادة الفلسطينية ستواصل العمل من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والقانون الدولي، لتعزيز حضورها القانونى وزيادة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والسعى نحو سلام دائم وعادل فى المنطقة.
وفى النهاية، يقف العالم على مفترق طرق جديد فى مسار القضية الفلسطينية، بين إغلاق الأبواب أمام الوفد الشرعى وفتح النوافذ لاعتراف دولى مرتقب، مما يؤكد أن صوت فلسطين لن يُسكت ونضالها من أجل الحرية سيظل حاضرًا.