الإثنين 8 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أحدث عروض المخرج خالد جلال على مركز الإبداع

(حواديت).. حكايتنا المنسية

هل ننسى أنفسنا أو نتناسى فى زحمة الحياة؟!.. هل تزعجنا حواديت تسكن عقلنا اللاوعى نكتمها ولا نتحدث بها حتى يأتى من يستفز شعورنا ويحرضنا على الحكي؟!..؛ هكذا اهتدى عالم النفس الشهير «سيجموند فرويد» كيف يعالج مرضاه.. بداية من استخدام أسلوب التداعى الحر بحكى ورواية كل ما يخطر ببالك هذه اللحظة.. نهاية بالحديث عن أدق العلاقات الإنسانية قربًا وحميمية.



 

 حكى يفجر ما تكنه الصدور من مشاعر وحدة؛ عداوة؛ حب منشود أو مفقود؛ يأس؛ إحباط واشتياق؛ لمة العائلة وتجمعات الأوقات السعيدة.. ولأن مشاعرنا وحواديتنا الخاصة أصبحت منسية فى حياة تحرضنا على الاستهلاك بدلًا من البحث عن سعادتنا الفردية والتوقف لحظة والتفكر فيما حدث لنا!

(حواديت) أحدث عروض المخرج «خالد جلال» على خشبة مسرح مركز الإبداع الفنى سوف يذكرك بما حدث لك؛ ويحرضك على تذكر نفسك وعلى البوح بالحكى عنك وعما ينقصك من حالات شعورية فقدتها وافتقدت نفسك معها فى ظل حياة آلية لا تمنح أصحابها فسحة من الوقت للتأمل.. تأمل ذاتك وتأمل من حولك؛ أصبح كل فرد مغتربًا عن ذاته يحتاج من يذكره بها؛ ومغتربًا عن سعادته كيف يحققها ويعيشها كاملة؛ أحيطت جدران قاعة المسرح بمجموعة من الصور الكرتونية لحالات وأوضاع اجتماعية متنوعة تحكى هذه الصور قبل بدء العرض المسرحى حكايات أبطالها؛ فهى أشبه بكتب حواديت الأطفال التى تنعش خيالهم بما وراء الحكاية قبل روايتها لفظًا؛ عندما تدخل قاعة «مركز الإبداع» تفاجئك هذه الرسومات الكاريكاتيورية الملونة الساخرة الموحية واللافتة للانتباه ومحفزة على التصور؛ ثم تجد أبطال العرض جالسين فى وضع دائرى تتوسطهم «شهرزاد» التى تحمل بين يديها نسخة من كتاب (ألف ليلة وليلة) أشهر كتب الحكايات والخيال عبر التاريخ؛ ثم تشتعل هذه الجلسة بالحكى واللعب بالأداء التمثيلي؛ والتى تشبه جلسات السمر بين الأصدقاء يسترجعون خلالها ذكرياتهم وذكريات أصدقائهم يحكون ويروون حكايات يتخللها الضحك والبكاء فى آن واحد.

اعتمد العرض فى بنائه على فكرة حكى الحواديت.. المرتبطة فى أذهاننا بحواديت (ألف ليلة وليلة) التى يبعث فيها الشوق اللذة ويثير الاهتمام؛ حكايتها عادة مرهونة بشحن الخيال واللهفة على معرفة المزيد من تتابع أحداثها المثيرة؛ تبنى حكايات الأساطير والحواديت بأسلوب يبعث على التشويق والمفاجأة وبالتالى الرغبة فى معرفة المزيد عن هذه الأحداث المشحونة بالتفاصيل.. ثم توحد المستمع مع الحكاية يعيش رحلة البطل وكأنها رحلته الخاصة؛ استغل المخرج فى بنائه لهذا العمل الفنى الاستثنائى شكلًا وتمثيلًا هذه العناصر الأساسية التى تميز الحواديت الخيالية ليرسم بها حواديتنا الشخصية التى نلعب نحن بطولتها فى الأساس؛ مزج ذكى بين واقعنا المعاصر وخيال الحكايات بداية من إعادة تشكيل أحداث حياتنا وعلاقتنا فى صور رسومات كرتونية ونهاية من لحظة البدء بين يدى «شهرزاد» التى تبدأ وتنتهى عندها كل الحكايات.. صياغة ذكية فى مد حلقة الوصل بين شكل إلقاء الحكايات الخيالية وظهور عفريت من الجن فى نهاية العرض الذى عجز عن أن يعيد لحظة حقيقية لكل فرد طلب منه أمنية لاستعادة ما فقد؛ فهو لا يمتلك القدرة على ترميم ما خلفته السنين من آثار نفسية لا تمحى بعد فقدان الأحبة.

بين اتقان مهارة الحكى والتمثيل فى شكل ووضع الجلوس على خشبة المسرح واجتماع الأبطال فى صحبة ممتعة يسترجعون فيها المشاعر.. الحكايات والذكريات.. العلاقات الإنسانية.. انفرد كل ممثل باستعراض موهبته فى مهارة واقتدار تحت إدارة «المايسترو خالد جلال»؛ وكأنهم مجموعة من الأوركسترا يقف مراقبًا ومحفزًا لهم من وراء الستار يشير بعصاه السحرية للحظة البدء بعزف حكاية جديدة؛ ليدفع بقوة بمجموعة من الطاقات والمواهب الشابة التى تمكنت بالتمثيل والحكى من وضع الجمهور فى حالات شعورية متناقضة ضحك وبكاء وإحساس بالنشوة والفخر لما تمكن صناع هذا العمل من إبداعه على مدار الساعتين والنصف دون أن تتخللها لحظة شعور بالرتابة أو الملل.