
هاني لبيب
خدعة مراجعات السجون.. عودة الأفاعى السامة
مصر أولا.. طعم تيارات الإسلام السياسى..توبة بلا مصداقية..
بين الحين والآخر.. تتكرر الخدعة نفسها: جماعة الإخوان الإرهابية، ومعها حركات الإسلام السياسى، تستخدم ورقة «المراجعات الفكرية» داخل السجون. كأننا لم نقرأ التاريخ، ولم نستوعب ما حدث قبل أحداث 25 يناير 2011 وبعدها، وفى النهاية لم نتعلم من التجربة رغم وضوح ما قامت به جماعات الإسلام السياسى من تضليل للحفاظ على البقاء ضمن المشهد السياسى المصرى.
فجأة، يظهر خطاب.. يبدو منطقيًا شكلًا لما يحمله من أفكار توحى بـ«التوبة» بعد مرحلة من النقد الذاتى من جهة، وتحت شعار «إعادة الدمج فى المجتمع» من جهة أخرى. وتظل الحقيقة المؤلمة أن ما جرى ويجرى.. ليس سوى مسرحية هابطة من فصل واحد، تستهدف الضغط على النظام السياسى المصرى.. لاستدعاء مشروع انتهى بقيام ثورة 30 يونيو.
نيولوك لكذبة قديمة..
ما زلت مصممًا على ما طرحته قبل ذلك فى عدة مقالات عن «مراجعات الإرهابية» باعتبارها «خدعة مراجعات السجون..» حتى لا نلدغ منها مرة أخرى. لقد اكتشفنا جوهرها ومضمونها.. هى ليست مراجعات، بل هى خدعة منظمة وموجهة. ولذا نقول.. لا للمصالحة الافتراضية، ولا للتوبة الوهمية، ولا لتكرار أخطاء الماضى.
فى تسعينيات القرن الماضى، اختبر نظام الرئيس مبارك المراجعات الفكرية لجماعات وتيارات الإسلام السياسى داخل السجون. وصدرت بيانات، وتطورت حتى تم نشر عدد من الكتب التى تعبر عن مبادرة وقف العنف. وهى المبادرة التى تبناها بعض القادة التاريخيين لجماعات الإسلام السياسى، على غرار: عصام دربالة وكرم زهدى وناجح إبراهيم وأسامة حافظ وعاصم عبدالماجد وفؤاد الدواليبى. ومع مرور السنوات.. ووصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم، اكتشفنا أن تلك «المراجعات الفقهية والفكرية».. لم تكن سوى تحركات تكتيكية لموقفهم من العنف، وليست تراجعًا عنه فى كل الأحوال. ودليل ذلك أنه بمجرد أن سنحت لهم الفرصة، عادوا بكل قوة إلى معتقدهم الأصلى وخطابهم الفكرى والفقهى الأساسى فى تكفير الدولة، ورفض الديمقراطية، وتبرير الإرهاب.
تجربة مريرة بعد فشل تلك المراجعات سواء على مستوى المصداقية أو على مستوى الممارسة العملية. وتبين أنها بمثابة خدعة فقهية لتحقيق مكاسب اقتصادية للجماعات الإرهابية سواء فى الحفاظ على مساحة الوجود الإعلامى أو فى تحقيق التواجد الإعلامى داخليًا وخارجيًا.
دماؤنا ليست رخيصة..
سنة 2018، انتشر مثل النار فى الهشيم وجود مبادرة جديدة لتجربة المراجعات داخل السجون. وذلك باختيار ستة من شباب جماعات الإسلام السياسى فى السجون لإجراء المراجعات. وهو أمر تسبب فى صدمة مجتمعية لعائلات الشهداء والضحايا. وكان السؤال الطبيعى: كيف يمكن أن نتقبل كلمة «توبة» ممن لم يتوقفوا عن التحريض والقتل والتفجير والإرهاب؟
وفى سنة 2021، تم إعادة اختبار الفكرة مرة ثانية. ولم تكن سوى نيولوك إعلامى.. بمعنى أنها تغيير فى الشكل، وليس فى المضمون على الإطلاق. لم تعتذر أى من جماعات وتيارات الإسلام السياسى عن إهدار دماء المواطنين المصريين، ولم يجرؤ أىٌّ منهم على إدانة فكر سيد قطب، والإقرار بشرعية الدولة الوطنية وسيادتها. وكل ما قامت به هو أنها أعادت صياغة معتقدها القديم لتمارس الخداع من جديد. وإعادة إنتاج للخطاب نفسه تحت شعار «مظلومية مفتعلة فى الداخل» و«ضحايا أبرياء فى الخارج».
يظل أن أخطر ما فى الحديث عن مراجعات تيارات الإسلام السياسى والمصالحة الافتراضية.. أنه يتجاهل دماء الشهداء. كيف يمكن أن نتصالح مع من قتل جنودنا فى سيناء؟ ومع من اعتدى على المقدسات.. تفجير الكنائس، والاعتداء على المصلين وقتلهم أثناء صلاة الجمعة بمسجد الروضة بسيناء فى نوفمبر 2017؟!
الحديث عن المصالحة هو خيانة وطنية، وسنظل متمسكين.. لا نبيع دماء أبنائنا فى مزاد «نقية» جماعة الإخوان الإرهابية وموالاتها. > مراجعات الابتزاز السياسى..
يخرج الحديث دائما عن المراجعات الفقهية والفكرية فى السجون.. كلما ضاقت الحياة على تلك الجماعات وأتباعها. وهو ما يعود إلى عدم إيمانهم الحقيقى بتلك المراجعات، وتوظيفها كوسيلة تكتيكية لتحسين صورتها أمام الغرب وأمام منظمات المجتمع المدنى الحقوقية تحديدًا. وقبل ذلك لاختبار استعداد الدولة المصرية فى فتح باب التفاوض معها. فضلًا عن توجيه إشارات إلى قواعدها فى شكل رسالة تلغرافية تؤكد لهم.. لا تقلقوا، سنعود بوجه جديد مرة أخرى قريبًا.
المفارقة أن أصحاب تلك الدعوات الفاسدة والمضللة.. تجاهلوا أن النظام السياسى المصرى بعد ثورة 30 يونيو ليس هو نظام الرئيس مبارك. كما أن الشعب المصرى ليس بالسذاجة التى تجعله ينخدع بتلك الشعارات. ولم ننسَ ولن ننسى الوجه الحقيقى لتلك الفاشية الدينية حين حكمت بالاستبداد، والترهيب، والإقصاء، والعنف، والدم.
صفحة سودا..
على غلافها المنشور فى 30 أغسطس 2025، أعلنت مجلة روزاليوسف موقفها بوضوح «لا تصالح.. الإخوان صفحة سودا طويت للأبد». وهى رسالة واضحة.. للتأكيد على أن هذه الجماعة ليست طرفاً سياسياً من الأصل.. يمكن التفاوض معه، بل هى تمثل صفحة سوداء فى تاريخ مصر يجب أن تطوى نهائياً.
تقرير «روزاليوسف» الذى كتبه عبدالعزيز النحاس تحت عنوان «لا مصالحة فى دم» يؤكد على أن أى حديث عن المصالحة هو نوع من المقامرة بالهوية الوطنية. الإخوان المسلمون وكافة موالاتهم من تيارات وجماعات الإسلام السياسى لديهم مشروع ثابت.. دولة دينية بديلًا عن الدولة الوطنية. وهو ما يعنى ببساطة أن أى مصالحة معهم هى هدم أسس الدولة الوطنية المصرية، وتنازل عن تضحيات ملايين المواطنين الذين قاموا بثورة 30 يونيو، وخرجوا من أجلها.
مصالحة أم خيانة!
أذكر أننى قرأت سؤالاً على السوشيال ميديا منقولاً عن أحد المقالات حول المكاسب التى يمكن تحقيقها جراء المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية؟ والإجابة بوضوح ودقة: لا شيء، بل هى الخسارة بكل معانيها. خسارة سياسية.. لأن النظام السياسى المصرى متمسك بموقفه، ولن يتراجع أمام مواطنيه.. الذين أسقطوا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بدمائهم.
وخسارة اجتماعية لأن أسر الشهداء وعائلاتهم يرتكز حقهم وكرامتهم فى التمسك بمبادئ ثورة 30 يونيو ضد الفاشية الدينية وتجريمها ومحاكمتها. وخسارة أمنية لأن أى عفو عن أى متهم ثبت ادانته.. يعنى إعادة دمجه فى المجتمع، وهو ما يؤكد استدعاء بناء تنظيماتهم من جديد.
وفى كل الأحوال، المصالحة هنا ليست صفقة سياسية، بل خيانة وطنية.
مظلومية الإرهابيين..
تتقن تيارات الإسلام السياسى التلاعب بالوجدان. فى السجون، تتدعى أنها «مقهورة ومظلومة».. تطلب الغفران. وفى الشارع، تتدعى أنها «جماعة دعوية» تنشر الرحمة والخير والتسامح. وعندما حكمت فى غفلة من الزمن، وجدناها «تنظيم استبدادى» لا يعترف إلا بالسمع والطاعة والولاء.
خطاب المظلومية هنا هو السلاح الأخطر، لأنه يكتسب تعاطف الشارع، ويفتح الباب أمام تبرير المراجعات الزائفة وتمريرها. ولكن، يظل الوعى الوطنى هو الضمان بعد أن شاهد المواطنون المصريون بأنفسهم واختبروا ما فعلته الجماعة المحظورة فى عام حكمها الأسود.
إدانة ذاتية..
فى اعتقادى أن المراجعات الفقهية والفكرية الحقيقية لا تكون للمتهمين المدانين داخل السجون، بل بالدرجة الأولى للفكر ذاته.. فلا يمكن قبول أى مراجعة لا تبدأ بإدانة صريحة لفكر حسن البنا وسيد قطب وتلاميذهم. كما أن أى مراجعات لا تقر وتعترف بنقد جذرى لأيديولوجية «الحاكمية» و«تكفير الدولة»، ليست مراجعة، بل كذبة ووهم.
لم نقرأ حتى الآن من جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسى وجماعاته.. أى شكل من أشكال الاعتذار الصريح عن العنف والإرهاب. ولم نقرأ نقدًا جذريًا منهم للمرجعية الفكرية التى أنتجت الإرهاب وتسببت فيه. بل نسمع لغة «التقية» نفسها.. كلمات رقيقة فى العلن، وتحريض مستمر فى الخفاء.
جرب الشعب المصرى.. وصول جماعة الإخوان للحكم سواء أمام المسئولية الوطنية أو أمام المجتمع.. واختبر كل أقنعته الدعوية، والسياسية، وحتى تنظيماته المسلحة. وفى كل مرة، كان الوجه الحقيقى هو نفسه: كراهية الدولة الوطنية وتكفيرها.
لن يلدغ الشعب المصرى مرتين.. ومثلما أسقط مشروعهم الفاشى فى 30 يونيو؛ لن يسمح بعودتهم مرة أخرى عبر خديعة المراجعات. هذا الشعب الذى قدم آلاف الشهداء لن يساوم أو يقايض على دمائهم.
نقطة ومن أول السطر..
المراجعات الفقهية والفكرية داخل السجون ليست مراجعات بل هى ألاعيب سياسية. والمصالحة الوهمية ليست خطوة نحو السلام، بل نحو الفوضى الخلاقة حسب الرؤية الأمريكية القديمة.
نحن أمام لحظة فارقة.. لا تحتمل التردد. والمطلوب ليس إعادة دمج المتطرفين والإرهابيين فى المجتمع، بل ترسيخ دولة القانون، وتعميق الإصلاح الدينى الحقيقى البعيد عن أوهام الإخوان.. بتجديد الفكر الدينى والتمسك بمبادئ ثورة 30 يونيو.
لا للمصالحة. ولا للمراجعات الكاذبة والزائفة. ولا لفرصة ثانية لجماعة.. قامرت بمقدرات هذا الوطن من أجل وهم الخلافة.
لن يلدغ الشعب المصرى من جحر جماعة الإخوان الإرهابية مرتين. وستظل الجماعة المحظورة.. تلدغنا مرة ثالثة ورابعة كلما أتيحت لهم الفرصة.