
نبيل عمر
هؤلاء يحاولون زراعة الفتنة من واشنطن بطريقة الإخوان!
هناك مصريون أو بَشر يحملون الجنسية المصرية دون معناها الذي نعرفه «ابن بلد»، لا يستطيعون التفرقة بين الحكومة والوطن، يمكن أن نعارض الحكومة، أن ننتقدها أو نأخذ موقفًا حادًا منها، لكن الوطن أمرٌ مختلف، الوطن هو نحن جميعًا، السكن والملاذ ولون الحياة والبصيرة والوجود ومستقبل أيامنا، أيًا كانت المشكلات التي نعانى منها.
وهؤلاء العاجزون عن التمييز أنواع، نوع يخلط بين الحكومة والوطن بحُسْن نية وعدم فهْم وقلة أو بتأثير دعايات مضادة، ونوع يخلط عمدًا وبسوء نية، ويعمل بأوامر خارجية لإشعال الفتن فيه، أو ضمْن تيارات دينية سياسية أيًا كانت ديانتها، فقدت معنى الوطن ولا يعنيها إلا السُّلطة أو الامتيازات الخاصة!
وقبل أيام قرأت منشورًا على الفيس بوك لواحد من النوع العمدى يعيش صاحبه فى الولايات المتحدة، وأى شىء ضد مصر قادم من الولايات المتحدة حتمًا يثير الريبة؛ لأسباب كثيرة، يطول شرحها وكلها مرتبطة بمصلحة إسرائيل فى الهيمنة على المنطقة، وصاحب المنشور الأستاذ مجدى خليل يصف نفسَه بأنه كاتب وشخصية عامّة، ولولا التعليقات الكثيرة على المنشور بين السالب والموجب، ما اهتممت به؛ خصوصًا تلك التي تشى بأن ثمّة ارتباكا عند البعض فى مفهوم الوطن وأزماته والعلاقة بين مواطنيه، وقد أسعدتنى أيضًا ردودٌ كثيرة، انحازت إلى الوطن وترابه وتماسُكه فى مواجهة أوسع مخاطر تحيطه فى تاريخه الحديث.
يفضح فحوَى المنشور مقصد صاحبه، وهو زرع الفتنة بين مواطنى مصر؛ بأن ثمّة فجوة ضخمة جدًا بين المسلمين والأقباط فى فهْم أحداث الشرق الأوسط وموقفهم منها!، وهو فى سبيل هدفه يمضى على درب جماعة الإخوان بالضبط، ويتبع أساليبهم وطريقة تفكيرهم، مع أنه على النقيض منهم دينيًا وسياسيًا، لكن عند زرع الفتن تتوحد المشارب والدروب!
ومبدئيًا أحب أن أوضح شيئًا بسيطا وبديهيًا للغاية أن كل المصريين «أقباط»، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فكلمة قبطى فى الأصل تعنى مصري، وتشير إلى كل المصريين دون تحديد دينهم، ثم صارت تطلق على المصريين المسيحيين تمييزًا لهم عن مسيحيى الدنيا كلها؛ لأن قبطى تخص مصر فقط دون بقية خَلق الله.
وحديثى هذا باعتبارى قبطيًا مسلمًا، فالدين لله ومصر لنا جميعًا، ولسنا شركاء فيها، فالشراكة قد تنفَض؛ إنما نحن المصريين جميعًا أصحابها بنفس القدر وبنفس الحقوق والواجبات، مِلكية غير قابلة للفصم، وللعِلم كان عدد سكان مصر حين غزاها عمرو بن العاص يتراوح ما بين 6 إلى 8 ملايين نسمة، وإجمالى عدد قواته على مرحلتين لم يزد على 16 ألف جندى، يعنى واحد فى الألف من سكان مصر!، ولم تكن الهجرات من البقاع المجاورة إلى مصر لمئات السنين قادرة على تغيير التركيبة السكانية لتكون الأغلبية للمهاجرين القادمين إليها، باختصار إن أغلب المصريين المسلمين الحاليين لهم أصول مصرية قديمة، مثلهم مثل المصريين المسيحيين تمامًا، ولهذا تحتفظ آلاف القرى والأماكن بأسمائها المصرية التي عُرفت بها قديمًا.
نعود إلى المنشور، الذي يقول إن معظم الأقباط ضد العداوة لإسرائيل، طالما هى لا تعتدى على مصر، وأعادت أرضها، وبينها وبين مصر معاهدة سلام، ومعظم المسلمين مع هذه العداوة!!!
أليست هذه مغالطة متعمدة لمصلحة إسرائيل العدو الاستراتيجى لمصر؟
ألا تتطابق مع «السلام الإبراهيمى» الذي يدعو إليه ترامب وهو السلام الذي يمنح إسرائيل مفاتيح الشرق الأوسط السياسية والاقتصادية من أجل أن تكون «القوة العظمَى الوحيدة فيها، ومصر مجرد تابع»؟
هذه العبارة لا تنسى سهوًا وإنما عمدًا أن مصر لم تعتدِ أبدًا على إسرائيل، إسرائيل هى المعتدية دومًا، على الحدود المصرية فى عام 1954، ثم فى حرب السويس 1956، ثم حرب يونيو 1967، ناهيك عن تدمير مدن القناة وقصف المصانع والمدارس وكلها أهداف مدنية، الحرب الوحيدة التي بدأتها مصر كانت حرب أكتوبر العظيمة التي كسرت فيها أنف إسرائيل وأجبرتها على توقيع اتفاقية السلام التي استردت بها مصر كامل سيناء!
وكلنا نتذكر ماذا فعل سكان مستوطنة «ياميت» فى سيناء عند الخروج منها، مظاهرات رافضة، ورجال دين يعارضون، وتحصين فى البيوت، وبكاء ونواح ومَرمغة فى الرمال..الخ!
ولا أريد أن أسأل: لماذا بنَت إسرائيل مستوطنات فى سيناء المصرية المحتلة؟
ببساطة لأنها كانت تتصور أنها لن ترحل عنها أبدًا وستضمها عاجلاً أو آجلاً إلى خريطتها؟
ولا أظن أن المصريين الذين كان يقودهم اللواء فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثانى أو اللواء نبيل شكرى قائد قوات الصاعقة أو الشاويش صبحى ميخائيل الذي استشهد وهو يرفع عَلم مصر فى القنطرة أو عشرات الملايين من المصريين أيًا كانت ديانتهم ضد العداوة الإسرائيلية، ليس لأن المصريين «من مُحبى الحروب والعداء»؛ ولكنهم يفهمون ويدركون معنى أهمله كاتب المنشور عمدًا، حتى يقنعهم بالترهات التي كتبها، وهو «حدود الأمن القومى المصري»، وهى ليست الحدود السياسية؛ وإنما الدوائر التي إذا وجدت فيها أى قوة معادية لمصر؛ فهى تهديد مباشر لأمنها القومى، فما بالك لو كانت هذه القوة المعادية يمكن أن تنتهز أى لحظة للانقضاض على الأرض المصرية، وهذا حدث منذ فجر التاريخ من الشمال الشرقى، من أيام حروب قدماء المصريين ضد الحيثيين والهكسوس والعرب والصليبيين، وإسرائيل الآن!، مع أمننا القومى جنوبًا إلى منابع النيل وباب المندب.
ولا يتعلق الأمن القومى المصري مع فلسطين والشام بقضية دينية أو قومية أو خلاف مع الصهيونية واليهود، فهذا بعض المشكلة؛ لكن بأطماع إسرائيل فى أجزاء كبيرة من أرض مصر، وهى مبنية على نبوءات يظنها الإسرائيليون وعدًا من الله، وهم يعلنون ذلك صراحة كل يوم تقريبًا، حتى وصل الأمر برئيس وزراء إسرائيل وهو يتحدث عن حلمه فى إسرائيل الكبرى، أليس هذا تهديدًا مباشرًا لأمن مصر؟
أمّا بقية المنشور عن أن معظم الأقباط يريدون القضاء على حماس الإرهابية التي اقتحمت حدود مصر، وكسر جماعة الحوثيين الذين دمروا إيرادات قناة السويس، ودولة إيران الدينية المتطرفة، وحزب الله الإرهابى الذي دمّر لبنان، وعلى العكس منهم يقف أغلب المسلمين على الضفة المناوئة!
طبعًا الرد سهل؛ لأن التعميم آفة أى رأى أو فكرة أو قول، حتى لو استخدم صاحبه كلمة «معظم»، دون أن يرجع إلى استطلاع رأى موثوق فى الجهة التي أجرته.
لكن توقفت عند عبارة تقول إن معظم الأقباط يحبون اليهود ويرفضون تحويل قضية فلسطين إلى قضية إسلامية، كأن الكنائس الفلسطينية لا تقصف والرهبان الفلسطينيين لا يُقتلون، وإن معظم الأقباط يتأسفون على الضحايا المدنيين أيًا كان دينهم، بينما معظم المسلمين يفرحون لضحايا إسرائيل، ربما كنت قبلت العبارة الأخيرة لو قال إن معظم الأقباط يتعاطفون مع الضحايا المدنيين أيًا كان دينهم، وهم يدينون جرائم الحرب والتجويع والإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة.
ولأنه لا يمكن أن يقول ذلك تفتح له فضائيات إسرائيلية شاشاتها ليطمئن أهل إسرائيل على أحوالهم!
وعمومًا؛ لا أعرف من أعطاه توكيلاً ليتحدث من واشنطن باسم أهل مصر: مسلمين وأقباطا؛ خصوصًا أن منشوره ليس لوجه الله ولا الأقباط وإنما لغرض ما فى نفس يعقوب، ثم يلقى به فى وجه المصريين المسيحيين.
يبدو أن محاولات التشويه وزرع الفتنة لا تتوقف، لا فرق بين جماعة الإخوان أو مصريين مهاجرين يعملون ضد وطنهم باسم حقوق الإنسان!