الأحد 7 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
المدير المجهول

المدير المجهول

مَن يشكل الرأى العام فى مصر؟.. مَن يُعبر عنه ويقوده؟



هل نستطيع أساسًا اعتبار أن لدينا رأيًا عامًّا بالمعنى الحقيقى يمكننا الاطمئنان إلى أنه يعكس واقعيًا وبوضوح اتجاهات الأغلبية أو الكتلة المؤثرة فى المجتمع؟

وإذا افترضنا جدلًا أن هذا قائمٌ.. فهل اتجاهات الرأى العام تكون ماثلة أمام الدولة وهى تضع سياساتها وتحدد مشروعاتها وأولوياتها وتصدر قوانينها وقراراتها؟ 

وإذا تعارض أى من ذلك مع اتجاهات الرأى العام، وكانت الدولة ترى أنه الأصلح أو أنها مضطرة له لسبب أو لآخر.. فهل تلتزم بشرح ذلك بحيث يقتنع الرأى العام فتتغير اتجاهاته أو على الأقل يدرك الأسبابَ التي تدفع الدولة لاتجاه قد لا يكون شعبويًا أو تترتب عليه مواقف أو أعباء ما؟

 فى ظنى أننا نفتقد لأغلب ما سبق.. 

السبب الأول فى ذلك ليس مرتبطًا بوضع داخلى لأن انفجار وسائل التواصل الاجتماعى فى العالم كله وما يلحق بها يوميًا من مستحدثات تكنولوجية فى الذكاء الاصطناعى وغيره أدى لمجموعة من النتائج المؤكدة:

أهمها تفتت الرأى العام وتشتته بوجود مصادر واتجاهات لا نهائية للمعلومة بصرف النظر عن صحتها، والرأى بصرف النظر عن دوافعه، مما يجعل عملية قياس الرأى العام بدقة بالغة الصعوبة.

ومع صعوبة التأكد من الحقيقة يغيب اليقين ويسود الشك وتتحول الاتجاهات المصطنعة والمواقف الزائفة وحملات التعبئة والحشد (ضد أو مع) إلى صناعة يومية مستمرة على مدار الساعة نشارك فيها جميعًا ونُستخدم فيها جميعًا عَمدًا أو جَهلًا ويصبح الوجه المظلم لوسائل التواصل الاجتماعى فى أحيان كثيرة هو « المدير المجهول» لما نتصور وهمًا أنه «رأى عام» !!

إضافة إلى ذلك؛ فقد صنعت وسائل التواصل الاجتماعى ثقافة وقيمًا مختلطة ومشوهة ساهمت بشكل غير مباشر- ولكن بقدر كبير- فى تمييع هوية المجتمعات وسحق المؤشرات الواضحة فى تمييز معانٍ عليا مثل الخير والحق والعدل والصدق، فسادت ثقافة وقيم المصالح الفردية المفرطة، وشهوة الشهرة والثراء أيًا كانت الوسيلة، واغتصاب حق إصدار الأحكام دون حدود ولا قيود ولا عِلم، وانتهاك الخصوصية والفجور فى التهجم إلى حد الاغتيال المعنوى، وشيوع الأدنى والأردأ والأسوأ إلى درجة يحتل معها قاع المجتمع قمة الاهتمام أحيانًا، ولا شك أن تلك إحدى تجليات الجيل الجديد فى حروب السيطرة على المجتمعات وأنظمة الحكم؛ حيث زاد تحكم ما اصطُلح على تسميته فى البداية بـ «الواقع الافتراضى» فى «الواقع المُعاش».. ولا يهم هنا توصيف ذلك بكونه مؤامرة أمْ لا، فالمؤكد أنه حادث والمؤكد أنه يساهم فى تشكيل اتجاهات المصالح والاهتمامات وبالتالى الرأى والموقف من الشأن الجارى.

وإذا كان من المستحيل منع ما يفرضه علينا العصر- ككل عصر– من تحديات وحروب، فمن الواجب والمصلحة ألا نتخلف عنه وأن يكون المجتمع مهيأً للتفاعل الإيجابى معه وتجنب ضرباته.

ولكن الحتمى والأهم هو ألا نضيف إلى مساحات الشك والغموض المفروضة علينا مساحات أخرى بأيدينا، ومن الخطأ أن نقابل حالة الفوضى الإلكترونية بحالة فراغ سياسى وفكرى فنترك الرأى العام فريسة بين الانسياق للأولى والانزعاج من الثانية والنتيجة فى الحالتين عدم رضا تجعل المجتمع هشًا فاقدًا لليقين والانتماء.

وبوضوح؛ فما لم تكن لدينا حياة سياسية حقيقية تتحرك فيها وتتفاعل تيارات وأحزاب تُعَبر عن مكونات ومجموعات مصالح طبيعية- وليست مُصطنعة- فى المجتمع وما لم يكن لدينا تصادُم وتحاوُر فى الأفكار والرؤى وتعددية فى الآراء تُعَبر عن نفسها بحرية وتطرح مساراتها وأهدافها على المجال العام؛ فلن يظهر أبدًا قادة طبيعيون للرأى العام، ولن يتحول هذا الرأى العام من حالة الاستلاب والارتباك والتشوش إلى حالة الوعى والاستنارة، وهى الحالة الوحيدة قَطعًا التي تضمن دون غيرها استقرار الدول وصلابتها وأيضًا تقدمها.. ومَهما تصورنا غير ذلك فهو رهانٌ خاسر ٌ عاجلًا أو آجلًا.

وما لم يكن لدينا وزراء ومسؤولون كبار سياسيون قادرون على إدارة الأزمات وشرح السياسات وتفسير القرارات ومواجهة الرأى العام بثقة دون اختفاء أو اكتفاء ببيانات رسمية متحفظة.. وما لم يكن تدفق المعلومات والشفافية فى الطرح والممارسة والمتابعة أمورًا مكفولة دائمًا وفى أى مجال؛ فسيظل «المدير  المجهول» هو صاحب السيطرة وقائد التوجيه للرأى العام، وستظل الدولة محاصَرة فى مناطق الرد والنفى والدفاع.