الأحد 27 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الواقع والخيال والرئيس الأمريكى: هجوم يوم الصفر فى أمريكا!‏

الواقع والخيال والرئيس الأمريكى: هجوم يوم الصفر فى أمريكا!‏

حالة من الفزع ضربت وكالات فيدرالية أمريكية وجامعات وشركات طاقة وشركات ‏اتصالات ومؤسسات وبرمجيات فى الولايات المتحدة وأوروبا وأجزاء من الشرق الأوسط، ‏وأجبرتها على وضع لافتات على عشرات الآلاف من أجهزة الكومبيوتر «ممنوع الاستخدام ‏حاليا»، وبالفعل فصلوها عن الإنترنت، لمنع المهاجمين من استكمال هجوم يوم الصفر!، ‏والحكاية أن الخوادم تعرضت فى نهاية الأسبوع الأول من يوليو الحالى، لواحدة من أخطر ‏الهجمات السيبرانية، وقد تسلل المهاجمون من ثغرتين، إلى رسائل البريد الإلكترونى ‏والمستندات والبيانات الموجودة على هذه الأجهزة التى تستخدم برنامج «شيربوينت»!‏



والسؤال الذى أحرج شركة ميكروسوفت صاحبة البرنامج: كيف نجح الهجوم؟‏

كانت الإجابة مفجعة، إذ استخدم المهاجمون تقنيات بلا ملفات تستطيع أن تشق طريقها إلى ‏ذاكرة الخوادم، وتجبرها على تنفيذ أوامرهم، وحَملوا هذه التقنيات على غلاف ويب خفي، نفذ ‏إلى الخوادم، وفك تشفيرها، وصنع مفاتيح تسمح لهؤلاء المهاجمين بتزوير «رموز ‏المصادقة» لكل أمر منها!‏

المدهش أن كشف هذا الهجوم لم يكن أمريكيا، بل كان هولنديا، من شركة أى سيكيوريتي، ‏وهى شركة أمن إلكتروني، كانت تعمل على أحد عملائها حين لاحظت حملة اختراق ‏تستهدفه، فأجرت مسحا أمنيا عبر الإنترنت لتجد أن هذه الحملة استطاعت اختراق مائة ‏ضحية!‏

وقال فايشا برنارد، كبير المتخصصين فى شركة أى سيكيوريتى، إن الحملة لم تكن عملا ‏فرديا، وإنما أدارها مجموعة من المهاجمينَ!‏ ونشرت صحيفة واشنطن بوست الخبر وقالت إن جهات مجهولة الهوية شنت هجوما على ‏أجهزة شركات ومؤسسات أمريكية ودولية، ويعرف باسم «هجوم يوم الصفر»، وفيه يظهر ‏المهاجم على أنه شخص موثوق به أو منظمة معروفة أو موقع إلكترونى له مصداقية، ويمكنه ‏أن يتلاعب بالأسواق المالية وبيانات الأجهزة التى تسلل إليها، دون أن تظهر هويته الحقيقية!‏

لكن مكتب التحقيقات الفيدرالية قال إن الهجوم قادم من الصين.‏

وقال آدم مايرز نائب رئيس شركة «كراود ستريك» المتخصصة فى الأمن السيبرانى إن ‏المهاجمين تمكنوا من الوصول إلى منصة تستخدمها الشركات والهيئات الحكومية حول العالم ‏لإدارة الوثائق الداخلية وتنظيم البيانات والتعاون المؤسسى!‏

وأثبت المسح الإلكترونى أن الهجوم بدأ فى وقت مبكر من يوم 7 يوليو الحالي، ثم ارتفعت ‏وتيرته تدريجيا حتى بلغ ذروته فى 19 يوليو، وهو يوم اكتشافه!، أى أن الهجوم ظل مؤثرا ‏يحصل على ما يريد لمدة 12 يوما كاملة، قبل أن تتدخل ميكروسوفت وتعالج الثغرتين فى ‏‏21 يوليو!‏

ولم تعلن أى جهة حجم خسائر المؤسسات التى تعرضت لهجوم يوم الصفر!‏

‏ ومصطلح يوم الصفر حديث نسبيا فى العالم الافتراضي، ويعنى الهجمات التى تستغل ‏ثغرات مخفية أو نقط ضعف غير معروفة مسبقة فى برامج الكومبيوتر، ولا تستطيع فرق ‏الأمن السيبرانى أن تتنبأ بها، ولهذا تتميز هذه الهجمات بمعدلات نجاح عالية نسبيا، وتتسبب ‏فى أضرار جسيمة وواسعة النطاق، مالية ومعنوية!‏

لكن فى عالم السياسة يدل تعبير يوم الصفر على فترة زمنية معينة يغيب فيها القانون والنظام ‏فى أى دولة تقع فيها أحداث فوضوية دون محاسبة!‏

المدهش حقا أن هوليوود أنتجت مسلسلا اسمه «هجوم يوم الصفر» عرض على منصة عالمية ‏شهيرة فى 20 فبراير الماضي، من تأليف إريك نيومان ونوح أوبنهايم ومايكل شميدت، ‏وإخراج ليسلى لينكا جلاتر، وهو عن هجوم إلكترونى تتعرض له الولايات المتحدة ويتسبب ‏فى خسائر بمئات المليارات وكوارث متعددة فى أنحاء البلاد، فتُكلف الحكومة رئيسا أمريكيا ‏سابقا بإدارة تحقيقات للكشف عن أطراف الهجوم والكيفية التى اخترقوا بها أجهزة الدولة، ‏ولعب الدور النجم الكبير روبرت دى نيرو!‏

وعموما، الفن فى العصر الحديث تجاوز محاكاة الطبيعة والواقع كما فسره الفيلسوف اليونانى ‏أرسطو، وبات يسبق الواقع، أحيانا بخطوات وأحيانا بمئات الأميال، بدليل أن السينما حذرت ‏من عمليات القرصنة والهجمات الإلكترونية قبل وقوعها بسنوات طويلة، عشرات الأفلام ‏الروائية والتسجيلية.‏

مثلا تتشابه إلى حد بعيد أحداث فيلم «عش حرا أو مت بصعوبة»، وهو الجزء الرابع من ‏سلسلة الأفلام الشهيرة «الموت بصعوبة» للنجم العالمى بروس ويلز، مع «هجوم يوم الصفر»، ‏أى كان الفيلم الذى عرض فى يونيو 2007، بمثابة نبوءة لما حدث فعلا فى يوليو 2025، ولم ‏يكن أول فيلم عن القرصنة والهجمات السيبرانية، لكنه كان أكثرها دقة فى تحديد المخاطر ‏التى يحتمل أن تعصف بالعالم على يد هؤلاء القراصنة.‏

فى هذا الفيلم يجد الشرطى جون ماكلين نفسه فى مواجهة إرهابيين إلكترونيين، نفذوا عملية ‏قرصنة بارعة على أجهزة الكومبيوتر الحكومية والتجارية فى كل أنحاء الولايات المتحدة، ‏بقصد حرق أسعار كل الأصول المالية، وقد تحكموا فعليا فى شبكات الكهرباء والغاز ‏والمرور والمصارف والطائرات العسكرية، وقد استوحى كاتب السيناريو «مارك بومباك» ‏فكرته من مقال كتبه جون كارلين، بعنوان «وداعا للأسلحة» فى مجلة «وايرد» عام 1997، ‏وطورها بعد الهجمات الإرهابية على برجى التجارة العالمى فى نيوريوك ومبنى البنتاجون ‏فى واشنطن (سبتمبر 2001).‏

من يصدق أن أول فيلم عن قرصنة الكومبيوتر صنعته هوليوود كان فى عام 1992؟!، ‏وتدور أحداثه فى عام 1969، حين كان الكومبيوتر فى حجم ديناصور، والفيلم اسمه «الأحذية الرياضة»، عن شباب يتحركون بخفة فى أحذيتهم الرياضية وعباقرة فى البرمجة، ‏وهو عن طالبين جامعيين اقتحما شبكة كومبيوتر وأعادا توزيع موارد مالية من مؤسسات ‏محافظة لمصلحة قضايا تحررية، وانقض عليهما البوليس فى مكان إقامتهما وقبض على ‏أحدهما، حين كان الآخر يشترى بيتزا، وصار بعدها مطاردا متخفيا، لكن بسبب مهاراته أدار ‏فريقا من المتخصصين فى الأمن السيبرانى بمدينة سان فرانسيسكو، وكشفه اثنان من عملاء ‏وكالة الأمن القومي، وبدلا من القبض عليه، جنداه للسطو على «صندوق أسود»، يحتوى على ‏ابتكار لعالم رياضيات شهير، صنعه للحكومة الروسية، فتمكن من الاستيلاء على الصندوق، ‏ووجدوا بداخله ما يشبه آلة الرد على التليفون، وكانت آلة لفك أكواد ورموز أى كمبيوتر ‏مهما كان تأمينه.‏

فى هذه الأثناء تعرف الشاب السجين على عصابات الجريمة المنظمة، التى هربته من ‏السجن، وأصبح من رجالها الأثرياء، وكان ينوى الاستيلاء على الصندوق الأسود لإثارة ‏الفوضى فى الاقتصاد العالمي، وتقاطعت الطرق مع صديقه مرة ثانية، وحاول أن يستميله ‏للعمل معه فى صناعة هذه الفوضى، لكن الصديق رفض، فيدور صراع بين كل الأطراف ‏على الصندوق وعمليات قرصنة على أجهزة كومبيوتر تابعة للمباحث الفيدرالية، وينتهى ‏الفيلم بإعلان إفلاس الأطراف المتصارعة، فى الوقت الذى تصل فيه ملايين من الدولارات ‏تبرعات لجمعية أهلية من مصدر مجهول.‏

أما فيلم الشبكة‎ ‎‏ الذى أنتج عام 1995، فهو يشرح كيف لقرصان كومبيوتر الولوج إلى الباب ‏الخلفى لبرنامج حماية «الخوادم» على شبكة الإنترنت، وسرقة المعلومات منها أو تزييف ‏تفاصيلها بالكيفية التى يريدها لتبدو معلومات صحيحة تماما!‏

‏ باختصار، إن هجوم يوم الصفر ليس مفاجئا أو لم يتنبأ به الفن منذ أمد بعيد، وبأشكال مختلفة، ‏وبالرغم من ذلك لم تستطع شركات صناعة برامج التشغيل أو شركات الأمن السيبرانى أن ‏تحمى عملاءها.

وقد تنبأ فيلم تسجيلى أنتج فى عام 2006 باسم «قرصنة الديمقراطية» للمخرجين راسل ‏مايكلز وسيمون أرديزون، أن القراصنة بالتسلل إلى التصويت الإلكترونى يمكن أن يختاروا ‏الرئيس الأمريكى الذى يريدونه!!‏‏