
أسامة سلامة
الاعتذار.. الفريضة الغائبة
لم يخرج أى مسئول ليعتذر عن مأساة الحادث الذى راح ضحيته 18 فتاة فى عمر الزهور، خرجن سعيًا وراء لقمة العيش وعدن إلى أهلهن فى نعوش، لا أقصد هنا أحدًا بشخصه، ولكن كل حسب المسئولية التى يتولاها والمهمة الموكلة إليه، جهات عديدة لها تماس بالحادث وعليها مسئولية ولو بشكل غير مباشر.
النيابة العامة وجهت الاتهام والمسئولية المباشرة لسائق سيارة نقل اصطدم بالميكروباص الذى كان يُقل الفتيات إلى مكان عملهن، بعد أن أثبتت التحقيقات تعاطيه المخدرات، وهى جريمة بلا شك تستوجب العقاب الرادع، ولكن هناك أيضًا جهات أخرى شريكة فى الفعل. وزارة النقل عليها أن تجيب عن الأسئلة التى طرحها الحادث، كيف تم إنشاء طريق وتم استلامه وبعد سنوات قليلة تظهر به عيوب كبيرة تستدعى غلق نصفه ليصبح حارة واحدة تسير عليها السيارات فى اتجاهين متقابلين ما يزيد من احتمالية الحوادث؟ لقد قال وزير النقل: إن الطريق مُقام فوق أرض زراعية ومن الطبيعى أنه يحتاج إصلاحًا بصفة مستمرة، وهو كلام يجب أن يناقشه المختصون، هل يحدث ذلك فى كل العالم؟ وزارة العمل والمجلس القومى للأمومة والطفولة أيضًا لهما تماس مع الحادث، هؤلاء الفتيات الضحايا كان بينهن صغيرات يعملن فى ظروف قاسية، العمل فى حد ذاته شرف والكفاح مطلوب ولكن يجب أن يتم فى ظل قواعد حددها قانون العمل، وتزداد الاشتراطات مع عمالة الأطفال التى لها أسس واضحة فى القانون، وللعلم بين الضحايا فتاة كانت طالبة فى الإعدادية وللأسف ظهرت نتيجتها يوم وفاتها وكانت من المتفوقات حيث حصلت على %96، ومعنى هذا أنها فى عرف القانون ما زالت طفلة وتنطبق عليها قواعد عمالة الأطفال، فهل قامت وزارة العمل بدورها؟ وهل قامت الجهات المسئولة عن متابعة عمالة الأطفال بواجبها؟ وأين توصيات المجلس القومى للأمومة والطفولة بعدم تشغيل الأطفال إلا فى أعمال بعينها وعدد ساعات محدد وبيئة مناسبة؟ أليس القانون يوجب على هذه الجهات التفتيش على أماكن العمل سواء كانت صناعية أو زراعية أو تجارية؟ والتأكد من تطبيق قواعد السلامة المهنية والصحية، ومطابقة الظروف والبيئة للاشتراطات التى حددها القانون، وحصول العاملين على حقوقهم المالية والتأمينية، فهل قامت الجهات المسئولة بكل هذا أم تراخت عن أداء واجبها؟ بالطبع ما سبق ينطبق على كل العمالة وخاصة الأطفال فى أى مكان عمل، أخشى أن يصبح جميع أطفالنا العاملين نسخة من «الواد بلية» الذى يعمل فى كل المجالات الصعبة دون رقيب أو حسيب.
السائق المتهم هو المسئول الأول عن الحادث ولا شك فى ذلك ولكن من المسئول عن متابعة السائقين والتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات خلال قيادتهم للسيارات؟ قد يقول البعض إن حملات المرور مستمرة وإنه لا يمكن متابعة جميع السائقين فى كل الأوقات، ولكن عندما يكون لدينا طريق يقع فيه حوادث بصفة مستمرة تكاد تكون يومية، وللمفارقة فإن حادثًا وقع خلال تفقد وزير النقل للطريق منذ أيام، ألا يجعل هذا وحدات المرور تنتبه لخطورة الطريق وتكثف من التفتيش عليه بصفة دائمة ويوميًا، ما يجعل السائقين يعرفون أنهم عُرضة للكشف عليهم، الأمر الذى يجعلهم لا يتعاطون المخدرات خوفًا من اكتشاف أمرهم وتعرضهم للمحاسبة، هذه المتابعة للسائقين مطلوبة فى كل الطرق التى تتكرر فيها الحوادث بشكل مستمر، وغير بعيد عن هذا وطالما أن الحوادث متكررة فمن واجب وزارة الصحة الانتباه وتخصيص سيارات ووحدات إسعاف سريعة بالقرب من الطرق الخطيرة ما يساهم فى إنقاذ الضحايا.
ما سبق هو على سبيل المثال، مسئول عما حدث ولكن لا أحد يعتذر لأن ثقافة الاعتذار لا توجد فى حياة مسئولينا، رغم أنها من أساسيات العمل السياسى، فى الخارج لا يستنكف أى مسئول عن الاعتذار عند وجود أخطاء أو تقاعس صغير، ويصل أحيانًا إلى درجة الاستقالة، أما عندنا بعض المسئولين يتعاملون مع الشعب بنظرية «وأنا مالى يا لمبى»، مع الاعتذار للفيلم الشهير.