
د. تمارا حداد
استعادة الوطن من براثن الأجندات المشبوهة
ثورة 30 يونيو
تمثل ثورة 30 يونيو، لحظة فارقة فى المشهد السياسى لجمهورية مصر العربية، حيث استطاع الشعب المصرى أن ينقذ بلده من أجندات مشبوهة سعت لتقسيم البلاد وتعزيز الفوضى الخلاقة كما حدث فى العراق وسوريا واليمن وليبيا واستطاع الشعب المصرى وجيشه العظيم وأجهزته الأمنية والعسكرية أن يتخطوا مرحلة فارقة لحماية الوجود المصرى وحماية السيادة الوطنية والأرض من خلال تصحيح مسار سياسى حيث أثبتت ثورة 30 يونيو أن الشعب المصرى هو صاحب كلمة الحق والفصل فى الحفاظ على مدنية الدولة ووطنيتها.
جاءت الثورة بسبب فشل محمد مرسى وحكومته فى إدارة مصر واكتشف المصريون أنه يحمل أجندات خارجية وتراكمت خلال حكمه أزمات اقتصادية وأمنية واجتماعية وأن وجوده يهدد الأمن القومى المصرى وكان وجوده أيضًا يهدد السلم الأهلى بين شرائح المصريين، ما أدى الأمر إلى تحرك المواطنين وتصديهم لمؤامرة ضد مصر.
تُعد ثورة 30 يونيو 2013 واحدة من أبرز المحطات فى التاريخ المصرى المعاصر، حيث خرج الملايين من المصريين إلى الشوارع والميادين فى جميع أنحاء البلاد، مطالبين بإسقاط حكم الإخوان وتصحيح المسار.
جاءت هذه الثورة كتعبير قوى عن إرادة شعبية صادقة رفضت احتكار السلطة، والتفريط فى هوية الدولة الوطنية.
حيث أن فى أعقاب 25 يناير 2011 وصل محمد مرسى إلى الحكم، غير أن عام حكمه شهد تصاعدًا للأزمات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، بالإضافة إلى استئثار جماعته بالسلطة دون مشاركة أطياف سياسية أخرى فى إدارة الحكم فى مصر وإقصاء القوى الوطنية والفصائل والأحزاب السياسية الأخرى، مما أدى إلى حالة من الانقسام الشعبى العميق، وفقدان الثقة فى مؤسسات الدولة.
تفاقمت الأزمة مع إصدار الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، الذى منح الرئيس سلطات شبه مطلقة، وأثار موجة احتجاجات واسعة كما فشل النظام فى تحقيق الأمن، وتدهورت الأوضاع المعيشية، مما دفع قطاعات واسعة من الشعب المصرى إلى المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد هذا الوعى الشعبى المصرى وفى يوم 30 يونيو 2013، خرج ملايين المصريين فى مظاهرات غير مسبوقة، استجابةً لدعوة حركة «تمرد» التى جمعت توقيعات تطالب بسحب الثقة من مرسى. امتلأت ميادين التحرير، والاتحادية، وسيدى جابر، وكافة ميادين مصر، فى مشهد جسد وحدة المصريين بمختلف أطيافهم من أجل إنقاذ الدولة.
استمرت الاحتجاجات لعدة أيام، ومع تصاعد الغضب الشعبى، تدخلت القوات المسلحة استجابةً للإرادة الشعبية، وأعلنت فى 3 يوليو 2013 عزل مرسى، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بتولى شؤون الحكم مؤقتًا.
إن أهم نتائج الثورة الثلاثين من يونيو محورية وهى إنهاء حكم مرسى وتصنيفها لاحقًا كجماعة إرهابية بعد أعمال العنف التى ارتكبتها، ثم بعد ذلك تم وضع خارطة طريق سياسية شملت تعديل الدستور، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وعودة الدولة الوطنية بمؤسساتها، ورفض أى محاولات لفرض هوية دينية على المجتمع بل بقاء الهوية الوطنى وتحقيق قدر من الاستقرار السياسى والأمنى بعد سنوات من الفوضى.
إن ثورة الثلاثين من يونيو ضرورة وطنية لحماية الدولة من الانهيار، أن الديمقراطية لا تعنى تمكين فصيل واحد وإقصاء الباقين، إن ثورة 30 يونيو كانت تعبيرا عن وعى الشعب المصرى وحرصه على الحفاظ على دولته وهويته. وقد أعادت التأكيد على أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الأمن والاستقرار لا يتحققان إلا بدولة مدنية تضمن الحرية والعدالة للجميع.
ستظل هذه الثورة علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، وتجسيدًا حقيقيًا لقوة الشعب المصرى وصلابته.
رام الله - أكاديمية وباحثة سياسية فى الشأن الدولى