
محمد جمال الدين
أستاذى محمد عبدالمنعم
عندما علمنا بقرار نقل الأستاذ عادل حمودة، الذى كان يتولى إدارة تحرير مجلة روزاليوسف إلى الأهرام، ظل الجميع يضرب أخماسًا فى أسداس، عن التفكير فى مَن يخلفه، وعن اسمه وطبيعة شخصيته، لتولى إدارة تحرير المجلة، بعدها بقليل عرفنا أن الأستاذ محمد عبدالمنعم المستشار الصحفى السابق للرئيس الأسبق حسنى مبارك، هو مَن سيتولى رئاسة تحرير مجلة روزاليوسف بجانب رئاسته لمجلس إدارة المؤسّسة، وقتها كنت أجلس على أحد مقاهى شارع قصر العينى بصحبة زميل سبق أن عُيّن قبلى لأسباب لا داعى لذكرها، رغم أننا بدأنا العمل فى المجلة سويًا، إن لم أكن قبله
الزميل إياه قال لى: إنه علىّ أن أبحث عن فرصة عمل للتعيين فى مؤسّسة صحفية أخرى؛ خصوصًا أن رئيس التحرير الجديد لن يعين أحدًا إلا بعد فترة لحين التعرف على جل الصحفيين العاملين فى المجلة، كما أن قطار التعيين الذى سبق أن فاتنى أكثر من مرة، وبالتالى ليس لى من أمل فى التعيين، حينها قلت للزميل الذى كان يسدى لى النصح!!، سأستمر فى العمل بالمجلة، وحال تخطانى الدور فى التعيينات القادمة لو تمت، من الممكن وقتها أن أبحث عن فرصة عمل فى مؤسّسة أخرى.
فى أول اجتماع مع الأستاذ محمد، طلب الزميل جمال الدين حسين الكلمة؛ شارحًا من خلالها سياسة التحرير السابقة التى استبعدت زملاء وفضّلت آخرين، وأن هناك ظلمًا بيّنًا وقع على بعض الزملاء فى التعيينات التى تمت من قبل، وحدّد فى هذا الشأن اسمى واسم أربعة أو خمسة زملاء آخرين، طوال فترة الاجتماع لم يُعلق رئيس التحرير واكتفى بالاستماع لما يقوله الزملاء عن إدارة التحرير السابقة.. انفض الاجتماع ولكن بعد فترة ليست بالطويلة، استدعانى رئيس التحرير فى مكتبه، وطلب منّى معرفة سبب عدم تعيينى لطول المدة التى أمضيتها فى المجلة، والتى عملت خلالها فى أقسام الرياضة والفن والتحقيقات والأخبار، هنا بيّنت لرئيس التحرير العديد من الأسباب، التى أتحفظ أيضًا عن ذكرها؛ لأنها تمس زملاء آخرين، حاول بعضهم بقصد وسوء نية إزاحتى عن طريقهم، عقب تلك الجلسة فى مكتب الأستاذ محمد بأسبوع وبالتحديد بعد عشرة أيام، صدر قرار بتعيينى مع ثلاثة زملاء آخرين إبراهيم منصور وجمال طايع وحمدى الحسينى؛ لنصبح من أوائل التعيينات الجماعية التى لم تشهدها المؤسّسة من قبل؛ حيث كان العرف السائد آنذاك تعيين واحد أو اثنين على الأكثر.. بالمناسبة طابور التعيينات فى عهد الأستاذ لم يتوقف، ولم يكن حكرًا على الصحفيين فقط؛ بل شمل الموظفين والعمال.. وبعيدًا عن التعيينات شهدت المؤسّسة فى عهد هذا الرجل، حملات نظافة وتشييد وبناء ودهانات وتركيب أجهزة تكييف وشراء ماكينة طباعة حديثة وإنشاء نادٍ صحفى وإقامة مبنى جديد.
هذا بخلاف دوره الكبير فى تطوير المحتوى التحريرى؛ حيث أدخل تغطيات وتحليلات سياسية أعمق وجذب كتّابًا شباب ومواهب صحفية جديدة، وعلى الرغم من أنه كان معروفًا بصرامته فى العمل؛ فإنه كان حريصًا على منح الصحفيين حرية الكتابة والتعبير، وتحقيق العدالة بين جميع العاملين (موظفين وعمالاً وصحفيين)، وهو ما جعل من فترة إدارته مرحلة مهمة فى بروز صحفيين شباب صاروا فيما بعد رؤساء مجالس إدارات وتحرير لصحف ومؤسّسات كبرى.
وفى هذا الشأن تحديدًا، طلب منّى مدير التحرير وقتها الأستاذ كرم جبر، أن أتولى رئاسة قسم الديسك المركزى؛ بناءً على طلب من رئيس التحرير، حدث هذا فى يوم الخميس، ولكنى رفضت لأن قبولى هذا المنصب، يعنى إقالة زميلى إبراهيم منصور الذى كان يتولى إدارة القسم، فى صباح يوم الجمعة علم رئيس التحرير برفضى للمنصب، فطلب ذهابى إلى مكتبه، وحاول أن يفهم سبب رفضى، وأنا من جانبى أقدّم العديد من الأعذار الواهية التى لا تقنع أحدًا، والتى كان من ضمنها أنى (يادوب) مسئول عن كتابة موضوعى وليس موضوعات وأخبار وتحقيقات المجلة بأكملها، قلت هذا دون أن أفصح له عن السبب الرئيسى لرفضى وهو الخاص بزميلى وصديقى إبراهيم، وهنا قال لى الأستاذ محمد: (هل أنت خائف من أن تخطئ؟، ولا يهمك رئيس التحرير سيساندك).. هنا أصبح الرفض لا مبرر له، وأعلى سلطة فى المجلة يقول أنه سيدعمك، فوافقت على الفور ليصدر قرار تعيينى مساعدًا لرئيس التحرير لشئون الديسك المركزى فى 26 مارس 2002 متضمنًا جملة تلت الديباجة المعتادة التى يبدأ بها أى قرار، هذا نصها: (نظرًا للأداء المتميز للأستاذ محمد جمال الدين ومراعاة لسنوات العمل بالمجلة والتى سبقت قرار التعيين لأسباب خارجة عن إرادته)، تلك الجملة سعدت بها جدًا؛ لأنها أعادت لشخصى حقى الضائع، وساوت بينى وبين من سبقونى، والذين كان من ضمنهم الزميل الذى سبق أن طالبنى بالرحيل.
بتولى رئاسة قسم الديسك اقتربت أكثر من الأستاذ، ووثق فىّ وفى جهد القسم الذى أديره مع الزملاء خالد البلشى نقيب الصحفيين الحالى وحمادة حسين والمرحوم محمود كوتة، ثقة وصل معها الأمر إلى أنه عند حدوث خطأ من الديسك، كنت أذهب إليه وأخبره بنفسى أن هناك خطأ تسبب فيه الديسك، عندها كان يقول: ولا يهمك، وعندما كان يدخل عليه بعض مساعدى رئيس التحرير ليخبروه عن الخطأ، كان يقول لهم أنا عارف، فيخرجوا من عنده ووجوههم يكسوها الحزن والانكسار؛ لإدراكه الغرض الحقيقى مما يريدون توصيله إليه.
تلك الثقة كانت سببًا أيضًا فى رفض ما سبق أن دس عليه من قِبَل البعض، عندما أوعزوا له بأن ما يكتبه زميلى وصديقى أسامة سلامة فى الملف القبطى ضد الصالح العام، وهو ما تسبّب فى سؤالى عن مدى معرفتى بأسامة؟، خصوصًا بعد أن وصفه لى بأنه (بلطجى) ولا يعمل ولهذا سيضطر إلى فصله، إجابتى كانت مختلفة تمامًا عمّا وصل إليه من معلومات مغلوطة، بعد قولى بأن أسامة من أنقى وأنظف وأصدق وأمهر مَن كتب فى هذا الملف بالتحديد، حال لو تمّت مقارنته مع أى صحفى فى جميع المؤسّسات الصحفية (قومية كانت أو مستقلة)، بَعدها بأيام قليلة تم تعيين أسامة مساعدًا لرئيس التحرير، ويكفى أن الأستاذ محمد بعد مغادرته لمنصبه اعترف لأسامة بأنه ظلمه نتيجة لما وصل إليه من معلومات غير صحيحة.
واقعة أسامة تثبت أن أستاذى الراحل، كان يسعى لتحقيق العدالة والشفافية بين جميع مَن يعمل معه، على الرغم من أنه يبدو صارمًا، وهذا ما ثبت طوال فترة إدارته للمؤسّسة، فلم يسبق له أن تسبّب فى أى ضرر سواء لصحفى أو عامل أو موظف.
ولنفس الأسباب التى بسببها وثق فىّ الأستاذ، أصدر قرارًا بألاّ ترسل أى مادة صحفية إلى الجمع، إلا بعد أن تمر على الديسك ليقرر مدى ملازمتها للنشر من عدمها، هذا القرار أغضب البعض لأنهم اعتبروه تغولاً على حقوقهم ويعطى سلطات مطلقة للديسك. وهنا حاول هؤلاء الدس لى وللقِسْم من وقت لآخر، ولكن مساعيهم لم يُكتب لها النجاح لأن الأستاذ كان يقف لهم بالمرصاد، داعمًا ومؤيدًا على طول الخط؛ بل طلب منّى إبداء الرأى فى أكثر من واقعة، ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالديسك وشئونه، أذكر منها الأخذ بترشيحى للزميل الراحل علوانى مغيب عندما قرر اختيار سكرتير تحرير للإشراف على الكتاب الذهبى، رافضًا جل الترشيحات الأخرى التى قدمت إليه من قيادات المجلة التى لم يكن من بينها اختيار علوانى.
السطور السابقة ليست سوى جزء بسيط من سيرة هذا الرجل العطرة، الذى قدّم الكثير لهذه المؤسّسة العريقة، رغم أنه ليس من أبنائها، ومع هذا لم يبخل عليها بجهد أو عمل فى سبيل رفع شأنها، ولهذا بادله أبناء المؤسّسة الحب والتقدير والاحترام، ودليلى على ذلك واقعة حدثت أمام عينى، بدأت بتعنيف الأستاذ محمد المسئول عن الشئون الإدارية فى المؤسّسة لإصداره قرار تعيين لزميل للعمل فى قسم الخدمات، رغم أنه حاصل على دبلوم صناعى، وأمره بإعادة كتابة قرار التعيين طبقًا لمؤهل الزميل الدراسى، الذى ظل عاشقًا لأستاذى الراحل، ويذكره بالخير حتى الآن.
من أجل هذا وغيره كثير سيظل أبناء مؤسّستنا العظيمة يدينون بالفضل للأستاذ والصحفى الكبير محمد عبدالمنعم الذى عشق روزاليوسف، وتسبّب فى فتح بيوت الكثير منهم، وتأمينها من غدر الأيام والعمالة المؤقتة التى عاشوا فيها كثيرًا.