
حمدي رزق
الإلهة «ماعت» تحاكم إخوان الشيطان!
«الإلهة ماعت» إلهة الحق والعدل والنظام فى الكون، تمثل بهيئة سيدة تعلو رأسها ريشة النعام رمز العدالة، ممسكة مفتاح الحياة (عنخ) فى إحدى يديها وتمسك فى يدها الأخرى صولجان الحكم، وأحيانا يرمز لإلهة الحق والعدل بالريشة.
وينسب للمعبودة ماعت التحكم فى فصول السنة وحركة النجوم، لهذا سميت مصر قديمًا (أرض النيل والماعت).
طوال تاريخهم الأسود جبل إخوان البنا (إخوان الشيطان) على كراهية الإلهة ماعت، كراهيتهم للدولة الوطنية على ضفاف النيل، لذا كان مخططهم ضد القضاء المصرى الشامخ خبيثا، وما ادخروه للقضاء المصرى كان مريعا، وعمدوا إلى التخلص من القامات القضائية السامقة بقانون المعاش المبكر فى مخطط إحلال المحامين الإخوان محل القضاة الأجلاء على المنصة العالية..
وفشل مخططهم، وسقط تحت أقدام الشوامخ، فانقلبوا على أعقابهم عقورين، ينهشون فى لحم القضاء، ولا يزالون فى منافيهم البعيدة ينبحون على المنصة العالية التى سجنت مرشدهم وحكمت عليه بالإعدام جزاء وفاقا على جرائمهم فى حق الوطن.
فى الثامنة والنصف صباح يوم 12 رمضان الموافق 29 يونيو من عام 2015، صحت مصر على خبر أليم، اغتيل النائب العام المستشار هشام بركات وهو صائم، إثر تفجير بنحو 50 كيلو متفجرات استهدف موكبه بشارع عمار بن ياسر بمنطقة مصر الجديدة.
لم يكن استهداف النائب العام ومحاولة اغتياله هى الأولى قبل اغتياله فعليا بأربعة أشهر فى شهر يونيو 2015 قامت الجماعة الإرهابية فى 2 مارس 2015، بمحاولة اغتيال فاشلة عندما انفجرت عبوة ناسفة أسفل مكتب النائب العام قامت الجماعة بزرعها بالتزامن مع وقت الذروة وخروج الموظفين بقصد إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية.
المنصة العالية دفعت أثمانا باهظة للذود عن استقلالها، ثمن فادح من أرواح زكية، بذلت دماءها فداء أغلى اسم فى الوجود.
اغتيال النائب العام الشهيد الصائم هشام بركات على محركات البحث الإلكترونية لا يستغرق سوى سطور، أما بقية السطور فملح أجاج أذابه إخوان الشيطان فى البحر الإلكترونى المائج.. ما يحرف الكلم عن موضعه، يحرف بوصلة الوطن بفعل فاعل أثيم مشاء بين الناس بنميم.
بعد مرور عشر سنوات على استشهاد الشهيد الصائم هشام بركات، وبالمصادفة استشهد فى شهر ثورة يونيو، ما يستوجب توثيق نفرة قضاة مصر للتصدى لإخوان الشيطان، ودمغ حكمهم بالفساد والإفساد فى الأرض، والحكم على مرشدهم ورئيسهم بالخيانة.
القضاء كان فى مقدمة الصفوف، ولايزال صوت المستشار «أحمد الزند» وزير العدل الأسبق يزأر كالأسد فى نادى القضاة فى وجه عصبة ظالمة كادت أن تورثنا هلاكا.. وبعد 30 يونيو، وما تلاه، يستوجب توثيق الإرهاب المنظم الذى تعرض له القضاة على المنصات العالية، كيف تم تهديد القضاة، وترويعهم، والضغط عليهم، وحملات الكراهية الرهيبة، والتشكيك، والتشبيك مع منظمات عقورة خارج وداخل البلاد للنيل من سمعة القضاء.
أثبت القضاة المصريون الأجلاء معنى الشموخ فى أحكامهم العادلة حتى مع ألد الأعداء، وتحملوا ما لا يتحمله بشر من ضغوطات دولية، ومخططات داخلية، شهدت قاعات المحاكم فصولا تروى من الاجتراء الإخوانى الذى بلغ حد الإرهاب، ولكن على المنصة رجال عاهدوا الله على العدل بين الناس.
لم توثق بعد معركة القضاء المصرى فى مواجهة إخوان الشيطان إبان ثورة 30 يونيو، ويستوجب توثيقها، لأنها المعركة الأهم فى تاريخ القضاء المصرى، شموخا وصمودا وتضحية، معركة مخضبة بدماء طاهرة، شهداء القضاء المصرى فى أعلى عليين.
مستوجب توثيق هذا الفصل المنير من مسيرة القضاء المصرى، ما تحمله القضاء الشامخ من ضغوطات وتهديدات واختبارات جدا قاسية، والشموخ الذى ارتقاه القضاء عاليا خليق بالتوقف والتبين.
توقفا أمام الاستهداف الممنهج للقضاء المصرى، طوال تاريخ القضاء لم يستهدف هكذا بضراوة، ولم تشن عليه حملات كراهية عاتية داخل وخارج الحدود ومن منصات معادية لكل ما هو وطنى، والتحريض على القضاء مستدام وبلغ درجة التحريض، والتربص بالقضاة على المنصة العالية بلغ مبلغه، تنظيمات إرهابية على هذا القدر من الوحشية خططت ولاتزال لاغتيال القضاة وتفجير المحاكم، وعناية الله جندى.
شهداء القضاء المصرى فى معركة الإرهاب شهود عدول على انتصار القضاء فى معركة حياة وطن، وبرز من بين صفوف القضاء أسود دافعوا عن العرين، ووقفوا وقفة شجاعة فى مواجهة جماعة إرهابية عقورة كانت تبيت النية لاختراق مناعة القضاء، وفصول المؤامرة مفضوحة على ألسنتهم، والعناوين مجللة بالعار.
منذ فجر الحركة الوطنية. والإخوان يستهدفون القضاء، وعندما اغتالوا الشهيد المستشار «أحمد الخازندار» بأمر من مرشدهم، كانوا يعبرون عن خبيئة أنفسهم المترعة بالثأر من القضاء، بينهم وبين العدالة ثأر مستدام، ولولا العدالة لنشروا فى الأرض فسادا.
فصل كئيب من الاستهداف الممنهج دفع القضاء المصرى ثمنه غاليا، دما طاهرا، دماء الشهيد المستشار «هشام بركات» تشهد على إرهابهم، ودماء شباب القضاة فى سيناء تشهد عليهم.
من المعلوم بالضرورة أن الجماعة الإرهابية وأخواتها يستهدفون القضاء ضمن استهداف قوى الوطن الحية، استهداف القضاء لا ينفصل عن استهداف مكون صورة 3 يوليو 2013 وكان القضاء حاضرا..
فى تقرير مهم نشرته «بوابة الأهرام» قبل أعوام، تحت عنوان بليغ «الإخوان والقضاء.. كيف دنست الجماعة ثوب العدالة؟»، ورد فيه، تعرضت السلطة القضائية خلال عام (الاحتلال الإخوانى البغيض)، لأبشع أشكال وممارسات الإرهاب الأسود من أجل تكميم الأفواه وإخراس صوت العدالة ولى ذراع القانون والتغاضى عن الجرائم التى ترتكبها الجماعة وتنظيمها عن أى محاسبة، ومارست الجماعة الإرهابية أساليبها فى التنكيل بكل المخالفين لها ولقراراتها.
ورغم محاولات جماعة الإخوان، بث سمومها وأفكارها التدميرية داخل السلطة القضائية وتفكيك مؤسساتها والتعرض لها بكافة الوسائل، إلا أن قضاة مصر خاضوا معارك مخلصة للوطن لوقف اعتداءات وجرائم الإخوان، وسلكوا طريق العدالة والقانون دون خشية من تهديدات الجماعة أو التنكيل بهم.
وكان أبرز تلك المواجهات أثناء محاولة المعزول مرسى ومكتب إرشاده العصف بحكم المحكمة الدستورية العليا فى عودة «مجلس الشعب» مرة أخرى، مرورا بمحاصرة المحكمة الدستورية، ودار القضاء العالى، وكذلك إصدار «المعزول» الإعلان الدستورى الذى حاول من خلاله تحصين قراراته من عدم الطعن عليها، ومحاولة عزل النائب العام.
وكذلك تعديل قانون السلطة القضائية الذى كان يهدف إلى عزل ربع القضاة، وكان نادى القضاة فى المقدمة مدافعًا عن السلطة القضائية من خلال اجتماعاته، وجمعياته العمومية التى التف حولها قضاة مصر، وتم إجهاض التعديل الذى كاد يعصف بربع قضاة مصر، من خلال تخفيض سن تقاعد القضاة لعزل عدد كبير منهم فى الوقت الذى يعانى فيه القضاء نقصًا عدديا كبيرا.
وكان القرار الأغرب ضد القضاة، يتمثل فى إصدار قرار بالمخالفة للدستور بعزل النائب العام المستشار «عبدالمجيد محمود» من منصبه، وإعطائه وظيفة سفير فى الفاتيكان، وهو ما أثار حالة غضب وثورة داخل الأوساط القضائية، بالإضافة إلى تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية لإعداد الدستور بحيث لا يحل أي منهما كما حدث فى مجلس الشعب.
وجاء الإعلان الدستورى بمثابة الطامة الكبرى، والذى أصدره مرسى فى (22 نوفمبر 2012) ليثير الرأى العام برمته، وتقف القوى الشعبية والوطنية ضد نظام الإخوان، بعدما منح مرسى لنفسه صلاحيات مطلقة بموجب هذا الإعلان، ووصفها بـ«القرارات الثورية» أبرزها جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أى جهة أخرى، ما يعنى حظر رقابة القضاء على قرارات رئيس الجمهورية، لينصب الرئيس المعزول نفسه فرعونا جديدا لا اعتراض لأحد على قراراته.
وفى محاولة للانتقام ومعاداة السلطة القضائية ونظرا لخلافات الإخوان والرئيس مع بعض قضاة المحكمة الدستورية العليا تم استبعاد سبعة قضاة من بينهم المستشارة المرحومة «تهانى الجبالى»، وهو مشهد تاريخى غير مسبوق، بسبب مواقف شخصية، واعتبره الكثيرون بمثابة عدوان حقيقى على السلطة القضائية.
ووقف القضاة لإعلان رفضهم لمشروع قانون تعديل قانون السلطة القضائية، الذى كان من المفترض مناقشته داخل مجلس الشورى، وينص على خفض سن تقاعد القضاة من (70 سنة إلى 60) ما يؤدى إلى عزل نحو (3500 قاض) من وظيفتهم القضائية، إلا أن القضاة قاموا بالرد على ذلك بعقد جمعيات عمومية متتالية لرفض هذا المشروع.
وكان المشهد الأكثر فجاجة يتجسد فى حصار المحكمة الدستورية العليا فى (ديسمبر 2012) لمدة (18 يوما)، حيث لم يتمكن مستشارى المحكمة من الحضور، بعدما احتشد الآلاف من المنتمين للجماعة أمام مقر المحكمة الدستورية، وأغلقوا كورنيش المعادى ورددوا هتافات ضد المحكمة، كما اعتدى المتظاهرون على ممثلى الوسائل الإعلامية.
وبعد عزل مرسى من منصبه توالت أكثر الوقائع والعمليات الانتقامية التى ارتكبها الإخوان، وكان أبرزها محاولة الإخوان استهداف المستشار «أحمد أبوالفتوح» عضو اليسار للدائرة التى أدانت الرئيس المعزول فى قضية «أحداث الاتحادية»، وأيضا محاولة اغتيال المستشار «خالد محجوب» رئيس محكمة جنايات الإسماعيلية الذى ينظر قضية «هروب قيادات الإخوان من السجون» ومحاولة اغتيال المستشار «يوسف نصيف» القاضى بمحكمة الخانكة الذى أطلق النار عليه من قبل مسلحين مجهولين، فضلًا عن المستشار «طارق أبو زيد» قاضى محكمة جنايات الفيوم، الذى أطلقت النيران عليه من سيارة يستقلها ملثمون، كما تعرض المستشار «رامى منصور» رئيس نيابة البدرشين الأسبق إلى محاولة اغتيال عقب زرع عبوة ناسفة أسفل حجرته بمحكمة البدرشين، وتم التعامل مع تلك العبوة وإبطال مفعولها، وفى (أبريل 2014) تدخلت العناية الإلهية لتنقذ المستشار «محمد زيادة»، عضو مجلس إدارة نادى قضاة المحلة، بعد أن أشعل مجهولون النار بسيارته بمحافظة الغربية، مما أدى لإشتعال الجزء الخلفى للسيارة.
وجاء اغتيال المستشار «هشام بركات»، النائب العام السابق، ليكشف عن الوجه القبيح لجماعة الإخوان، حيث كان يعد واحدًا من أهم القضاة الذين كان لهم دور كبير فى فضح جرائم جماعة الإخوان، إذ أحال العديد من رجال وقيادات مكتب إرشاد جماعة الإخوان وعلى رأسهم محمد مرسى ومحمد بديع إلى محاكم الجنايات المختلفة، ليحكاموا فى العديد من القضايا التى أدينوا فيها من بينها أحداث الاتحادية وغرفة عمليات رابعة وقضيتا التخابر والهروب الكبير.
واغتالت الجماعة الإرهابية المستشار «هشام بركات»، بعدما استهدفت موكبه بسيارة مفخخة تم تفجيرها عن بعد، ما أدى إلى وفاته متأثرا بجراحه، ليكون شهيد القضاء.
وفى (مايو 2015) قامت الجماعة الإرهابية باغتيال ثلاثة قضاة فى مدينة العريش بشمال سيناء، بعد هجوم إرهابى مسلح على عربة كانت تقلهم، عقب إصدار الحكم بإحالة أوراق الرئيس المعزول محمد مرسى و103 من قيادات جماعة الإخوان الإرهابية إلى فضيلة المفتى.