
نبيل عمر
رسالة تهديد إسرائيلية إلى العرب:
العدوان هو طريق السلام الإبراهيمى!
هذه رسالة تهديد من بتسلئيل سموتريتش إلى العرب، رسالة علنية غير مشفرة، ولا قادمة عبر وسطاء، لغاتها قاطعة وعباراتها حادة تصل إلى حد الوقاحة، رسالة يطلب فيها سموتريتش إعلان الاستسلام للفكرة الصهيونية، والتوقيع على وثيقة رسمية يسلم فيها ما تبقى من العرب «كابينة» القيادة إلى إسرائيل، مقابل السلام الإسرائيلي!
وسموتريتش ليس مجرد وزير مالية فى حكومة نيتانياهو أو يهودى متطرف فى أقصى اليمين، أو صهيونى من مجرمى الحرب ضد الفلسطينيين، هو «حالة عقلية غالبة» فى المجتمع الإسرائيلى، ولهذا كان عنوان رسالته التى نشرها على منصة إكس قبل أيام: (السلام من خلال القوة)، كان يصف واقع العرب وأحوال منطقة الشرق الأوسط، وبالطبع كان وصفه خليطا من الدقة والتهويل، الصدق والأكاذيب، لكن أكثر الأوصاف كذبا وتدليسا هو عنوان الرسالة الذى ربط بين القوة والسلام، وهو ربط له فلسفة وتاريخ منذ الامبراطورية الرومانية، بينما السلام الذى يريده سموتريتش هو «السلام المفروض بالعدوان»، وليس بالقوة الرشيدة!
وطبيعى أن يبدأ سموتريتش رسالته بالتهليل لحرب الاثنى عشر يوما على إيران، ويتفاخر بالقوة التى أظهرها جيش الإبادة الإسرائيلى، فى عدوانه المفاجئ على إيران، والذى مكنه من سحق تهديد معلق فوق رأس إسرائيل..
بالطبع لم يتذكر ومستحيل أن يذكر «ما فعلته» إيران فيهم من خسائر داخلية، نفسية قبل أن تكون مادية، والخسائر المادية يسهل تعويضها أما الخسائر النفسية فهى تُحفر فى النفوس لفترة قد تطول أو تقصر حسب ظروف مجتمع تنهشه الحرب منذ 20 شهرا متصلة، ويرتكب جيشه كما هائلا من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين ستظل تطارده مهما حاولت الولايات المتحدة تهريبه من قبضة العدالة!
المهم أن سموتريتش تجاوز «الزهو والصلافة» فى مقدمة الرسالة، ليدخل مباشرة إلى الغرض منها، فكشف عن سبب الحرب على إيران بجملة لا تقبل أى تفسيرات جانبية، إذ قال: طبيعى أن يتبع ذلك أن نتحرك لتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية، ونحن ملتزمون تمامًا مع الرئيس ترامب أن نفعل ذلك!
نعم هذا هو الهدف الحقيقى للحرب، لا القضاء على تهديد نووى ولا إزالة خطر صواريخ بالستية.. إلخ، كلها حجج يدرك الأمريكان والغرب مدى كذبها، فالحديث الإسرائيلى الأمريكى عن البرنامج النووى الإيرانى عمره فوق العشرين سنة دون أن نجد «كرامة» واحدة تثبت صحة العمل على القنبلة النووية، وهو يشبه خرافات الرئيس جورج بوش الابن عن أسلحة الدمار الشامل فى العراق الذى دمروه وقسموه!
وقال بالنص: هذا هو السلام من أجل السلام، أى أن العدوان على إيران كان من أجل السلام مع العرب أو ما تبقى من العرب خارج الاتفاقات الإبراهيمية!
وحدد الطريق إليه: إن هزيمة محور الإرهاب الإيرانى وإظهار قوة إسرائيل كسرا «الخوف» الذى كانت تحمله دول عربية من إيران، وهو ما يدفعهم إلى الاقتراب من إسرائيل، فالناس فى منطقتنا يبتعدون عن الضعفاء ويتبعون الأقوياء، وإسرائيل هى أقوى لاعب فى الشرق الأوسط، ومن يختار الوقوف معنا، سيحصل على كل شىء، الأمن والفرص الاقتصادية، والابتكار، والتكنولوجيا والقيم وأكثر!
إذن كانت حرب إسرائيل على إيران، باعتراف سمويتريتش، هى استعراض قوة أمام «دول الشرق الأوسط»، حتى تنهار من الإعجاب بالبلطجى الإسرائيلى وترتمى فى أحضانه، وتبنى معه مستقبلا عائليا زاهرا..
ومن باب الأدب لن نسأل أدون سموتريتش عن أى قيم تتمتع بها إسرائيل وهى ترتكب أكثر الجرائم بشاعة ضد الإنسانية، ونسأله: إذا كانت إسرائيل بهذه القوة، فلماذا تدخلت الولايات المتحدة فى اليوم العاشر من الحرب بأقوى الطائرات على وجه الأرض، وحلقت بها من قاعدة وايتمان فى ميزورى إلى طهران، 21 ألف كيلومتر ذهابا وإيابا، هل تعلم أن تكلفة تشغيل القاذفات الاستراتيجية ب-2 تتراوح ما بين 60 إلى 80 ألف دولار فى الساعة، وقد طارت فعليا 37 ساعة، وأن تكلفة الذخائر الملقاة لا يقل ثمنها عن نصف مليار دولار، نهيك عن تكاليف الخدمات اللوجستية والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والدعم.. إلخ، وقدرت بعض التقارير الصحفية تكلفة تلك الضربة بمليار ونصف مليار دولار من جيوب الأمريكيين دافعى الضرائب، فهل كان ترامب يستهلك هذا المبلغ وأنتم منتصرون متفوقون؟، كأنه يلقى به فى نهر بوتوماك بالعاصمة واشنطن احتفالا بنصركم الهائل، أم كان يحاول بكل طاقته وضع نهاية سريعة للحرب قبل أن تتفاقم خسائر إسرائيل «النفسية والمادية»؟ ولأن الكذب «مالوش» رجلين، اعترف سموتريتش بفضل «الشراكة القوية مع الولايات المتحدة، ثم حاول أن ينحرف بهذه الشراكة إلى الحلم أو يتجه بها إلى محطة الوصول المطلوبة، وهى المملكة العربية السعودية، فقال: من مصلحة السعودية أن تستغل هذه الشراكة، وتنضم إلى الاتفاقات الإبراهيمية، وعلى السعودية أن تدفع ثمن السلام مع إسرائيل»، فإسرائيل حسب قوله هى التى نفذت العمل الشاق بالوقوف ضد حماس وإيران اللذين يهددان السعودية كما يهددان إسرائيل!
وهذا كذب مفضوح.. نعم السعودية هى الدولة الخليجية الأهم التى لم تنضم إلى الاتفاقات الإبراهيمية، ويسيل لعاب إسرائيل عليها!، لكن إسرائيل هى أكبر خطر إرهابى فى المنطقة، وربما فى العالم أجمع، دولة قائمة على العنف والدم والقتل والإبادة والسطو على أرض الغير، باعتراف الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وأكثر من نصف دول العالم..
نعم إيران تهديد، وأى دولة يمكن أن تمثل تهديدا للآخرين، وإلا ما كان لجيوش الدول ضرورة، والتهديد درجات ومستويات، وإسرائيل أخطر مئة مرة من إيران، وإيران تجاور العرب منذ قديم الزمان، ولم يحدث أن ارتفع خطرها إلى الحد الذى ارتفع إليه الخطر الإسرائيلى، إسرائيل مصاص دماء، ناعم وخبيث، يغازل ليتسلل وفى لحظة يشرب الدم النقى لمن يأمن لها، فهذه طبيعتكم وتاريخكم حتى قبل 1948!
المدهش أن سموتريتش يحذر السعودية من ذكر كلمة فلسطين، وقال: إن فكرة إعطاء السعودية دولة فلسطينية فى مقابل السلام بعيدة جدا عن الواقع!
أى إسرائيل تريد سلاما يسهل لها الوصول إلى شرايين الدم النقى لتمتصه، وتشترط أن تدفع السعودية ثمن هذا السلام التى تسعى هى إليه، متجاهلة أن دول الخليج لم تكن أبدا فى حالة حرب معها، بحكم المسافة وطبيعة علاقات هذه الدول بالولايات المتحدة.
بالطبع لم يذكر الكويت، فالكويت لها موقف مبدئى يصعب أن تغيره، وأيضا لم يذكر لبنان ولا سوريا، بسبب أحوالهما الداخلية الصعبة!
لكن وزير الخارجية جدعون ساعر، فى مؤتمر صحفى مشترك مع نظيرته النمساوية فى منتصف الأسبوع الماضى، قال: إن إسرائيل معنية بتوسيع دائرة الاتفاقات الإبراهيمية، ويمكن أن تنضم لها سوريا ولبنان، لكنه استدرك: إسرائيل فرضت قوانينها على هضبة الجولان قبل أكثر من 40 سنة، وسيبقى الجولان جزءا من إسرائيل فى أى اتفاق سلام، وأى اتفاق مع سوريا سيكون مجرد ضمانات أمنية والتزامات بالعمل ضد أنشطة إرهابية، وتطبيق الهدوء فى المناطق المحاذية لإسرائيل، أى أن المطلوب من سلام سوريا هو تأمين حدود إسرائيل معها!، يا لها من صفقة لا يجرؤ «شيلوك» نفسه فى التفكير فيها!
أليست الدول العربية جميعها فى خطر داهم؟، أنها أمة تقف مضطربة منقسمة وربما مغمضة العينين على باب الشرق الأوسط الجديد، فهل تفيدها رسالة سموتريتش لتدرك حجم هذا الخطر؟!، فإذا فتحته هوت، وإذا أعادت حساباتها نجت!.