الأحد 27 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

محللون دوليون يرسمون أبعاد الجولة الخليجية زيارات ترامب وتأثيرها على «اهتزازات» الداخل الأمريكى

فى لحظة مشحونة بالاضطرابات الداخلية، وفى ظل علاقة متوترة مع المؤسسة العسكرية والبيروقراطية العميقة، اختار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن تكون وجهته الخارجية الأولى فى ولايته الثانية نحو الشرق الأوسط، تحديدًا نحو الخليج العربى. الزيارة التى استغرقت خمسة أيام وشملت: الرياض، وأبوظبى، وقطر، لم تكن مجرد محطة دبلوماسية تقليدية، بل بدت أقرب إلى مسرح سياسى مكثف، يتقاطع فيه الشخصى بالاستراتيجى، والرمزى بالواقعى.



 

 الشعبية الضائعة

منذ لحظة صعوده إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، بدأ ترامب فى سباق مع الزمن لإعادة تشكيل صورته كرئيس حازم، غير آبه بالمعارضة، مصمم على إعادة بناء «أمريكا القوية»، وفق تعبيره. واختيار الشرق الأوسط كأول محطة خارجية ليس تفصيلًا عابرًا، بل رسالة مزدوجة: إلى الداخل الأمريكى بأن ترامب لا يزال فاعلًا وممسكًا بزمام القرار، وإلى الخارج بأن واشنطن تعود إلى ساحات النفوذ التقليدى بقوة أكبر.

يقول المحلل السياسى الجمهورى المخضرم دانيال هوفمان: «زيارة ترامب للشرق الأوسط هى عودة إلى عقيدته فى السياسة الخارجية: الصفقات، والردع، والتحالفات المشروطة. لكنها أيضًا محاولة لفرض صورة الرجل القوى على الرغم من الأعاصير السياسية التى تعصف بواشنطن».

ويأتى التحرك الخارجى فى لحظة داخلية حرجة. فقد شهدت الأسابيع الأولى من الولاية الثانية لترامب إقالات واسعة فى وزارة الدفاع ووكالات الأمن القومى، وسط تقارير عن صدامات حادة بينه وبين قادة الجيش حول ملفى أوكرانيا والصين. كما دفعت التحقيقات الجارية فى تدخلات مفترضة بمؤسسات الدولة الفيدرالية خلال انتخابات 2024 إلى توسيع الهوة بين ترامب و«الدولة العميقة».

فى هذا السياق، يرى السيناتور الديمقراطى بيرنى ساندرز أن «ترامب يستخدم السياسة الخارجية كأداة هروب من أزماته الداخلية، تمامًا كما فعل فى ولايته الأولى، لكن الفرق اليوم أن مؤسسات الدولة أكثر قلقًا من اندفاعه، وأكثر انكشافًا أمام نفوذه».

من جانبه، أكد د. أشرف سنجر، خبير السياسات الدولية بقطاع أخبار المتحدة لـ«روزاليوسف»: على هذا الطرح بقوله: «من الواضح أن ترامب يستخدم السياسة الخارجية لتعويض الانقسامات والإخفاقات الداخلية، خصوصًا فى ظل محاولات الديمقراطيين استعادة نفوذهم قبل انتخابات التجديد النصفى المقررة فى 2026، رغم محاولته إظهار القوة، إلا أن الأزمات مثل التضخم، وقرارات مثيرة للجدل كخطوة إيلون ماسك فى وزارة الكفاءة الحكومية، زادت من السخط الشعبى. لذلك فإن توجه ترامب للخليج وعقد صفقات تتجاوز 2 تريليون دولار، منها صفقة ضخمة مع بوينج لشراء 160 طائرة بقيمة تزيد على 200 مليار دولار، يمثل محاولة واضحة لصناعة إنجاز خارجى يعوض التراجع فى الداخل».

 إخفاق محلى

تأتى هذه الزيارة ضمن رؤية أوسع لإعادة تموضع الولايات المتحدة فى العالم، لكن توقيتها يشى بما هو أبعد من مجرد ترتيب الأولويات. فقد رأى البعض، مثل السيناتور الجمهورى ماركو روبيو، أن ترامب «يسعى إلى ترميم صورته الدولية بعد سلسلة اهتزازات داخلية». بينما اعتبر النائب الديمقراطى آدم شيف أن الزيارة تمثل «محاولة للهروب إلى الأمام، عبر خلق واقع خارجى يعوّض عن إخفاقات داخلية متراكمة».

وتتضح هذه النقطة حين نلاحظ أن أجندة الزيارة شملت التوقيع على اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات، ومباحثات حول إنشاء تحالف إقليمى لمواجهة النفوذ الإيرانى، وهى خطوات ترسل إشارات قوية لحلفاء واشنطن ومنافسيها على السواء بأن الولايات المتحدة عادت، لكن بطريقتها الخاصة.

ومن زاوية التحليل النفسى السياسى، تبدو الزيارة محاولة متعمدة لصناعة إنجاز خارجى يعوض ضعف ترامب داخليًا. فالرئيس الذى خسر الأغلبية فى مجلس الشيوخ، ويواجه احتجاجات متكررة فى شوارع نيويورك وواشنطن، يدرك أن نجاحًا خارجيًا قد ينعكس شعبيًا.

البروفيسور جوناثان هايدت، أستاذ علم النفس السياسى بجامعة نيويورك، يعلق قائلًا: «ترامب شخصية ذات احتياج دائم للانتصار. حين تتراجع سلطته فى الداخل، يتحرك نحو الخارج لصناعة مشهد القوة. زيارته لحلفاء واشنطن فى الخليج تقرأ فى هذا السياق، كتعويض رمزى ونفسى عن فقدان السيطرة على أدوات الحكم داخليًا».

صفقات النفوذ

أحد أعمدة الزيارة تمثَّل فى توقيع سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الضخمة، أبرزها صفقة سلاح مع السعودية بقيمة 65 مليار دولار، واتفاقيات استثمارية بين شركات أمريكية وإماراتية بقيمة تجاوزت 40 مليار دولار.

هذه الصفقات، يراها وزير الخارجية الأمريكى الأسبق مايك بومبيو فى تصريحات صحفية، «تعكس عودة أمريكا إلى قيادة النظام الاقتصادى العالمى من بوابة الشرق الأوسط». لكن منتقدين يرون فيها محاولة لتغطية الفشل فى إقناع الكونجرس بخطة الإنفاق الداخلى التى وعد بها ترامب.

 ترميم التحالفات أم إعادة تشكيلها؟

اللافت أن زيارة ترامب لم تتضمن أى لقاءات مع قيادات أوروبية أو من الناتو، فى تجاهل واضح لحلفاء تقليديين. وبدلًا من ذلك، ركز على تحالفات «الصفقة» أو تبادل المصالح المشتركة.

وترى المحللة فى معهد بروكنجز تمارا كوفمان ويتس أن «ترامب يعيد تعريف التحالفات الأمريكية من منطق القيم المشتركة إلى منطق المصلحة والولاء الشخصى».

وفيما يخص تعاطيه مع ملفات الشرق الأوسط، يرى د. سنجر، أن ترامب لم يكن تصادميًا، بل أظهر نوعًا من الابتعاد التكتيكى عن طموحات نتنياهو، رغم أن هذا الابتعاد يبقى ظاهريًا. ويضيف خبير السياسات الدولية أن ترامب: «فى حديثه عن معاناة الفلسطينيين، وابتعاده عن إثارة ملف التهجير، بدا كأنه يعيد التموضع.

كما أن تفاهماته مع السعودية حول الملف السورى، بالتوافق مع تركيا وبرعاية أمريكية، وبدعم من مصر والأردن، تعكس توجهًا استراتيجيًا جديدًا يُرضى الحلفاء الإقليميين دون المساس بجوهر العلاقات مع إسرائيل».

 خطوات صعود 

تشير استطلاعات مركز بيو إلى أن شعبية ترامب ارتفعت بنسبة 6 % بعد زيارته الخارجية لدول الخليج، خاصة بين القاعدة الجمهورية والناخبين البيض من الطبقة العاملة، لكن فى المقابل، عبرت شخصيات نافذة فى البنتاجون عن مخاوف من تجاهل ترامب للمشورة العسكرية.

الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس صرح قائلًا: «السياسة الخارجية لا تُدار من منصة حملة انتخابية».

من جهة أخرى، يشير د. سنجر إلى أن وسائل الإعلام فى الداخل تعاملت مع الزيارة وفق انقسام سياسى واضح. إذ احتفى بها الإعلام الجمهورى المحافظ مثل فوكس نيوز، فيما قللت الصحف الديمقراطية من أهميتها بل واعتبرت أن الرئيس عمل على تجاوز الدستور الأمريكى فى بعض قراراته إبان الزيارة.

 الوجود الروسى

يرى د. سنجر أن الزيارة تؤشر إلى تغير فى استراتيجية واشنطن تجاه الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بتقبلها الوجود الروسى فى سوريا، بشرط أن يكون ذلك تحت توافقات عربية. أما تجاه إيران، فقد بدت لهجة ترامب شديدة وحاسمة، مع تهديدات مبطنة حول حدود الدور الإيرانى.

ويؤكد سنجر أن التغير الحقيقى فى السياسات الأمريكية لن يكتمل إلا بتحقق شرط أساسى: قيام الدولة الفلسطينية ورفض الإملاءات الإسرائيلية، وهو ما يبدو أن واشنطن بدأت تفهم استحالته، وتسعى لتعويضه بعلاقات أعمق مع قوى المنطقة مثل مصر والسعودية وتركيا.

روسيا والصين

فى ختام رؤيته، يوضح د. سنجر أن روسيا لا تسعى للدخول فى مواجهة مباشرة مع ترامب فى الشرق الأوسط، بل تركز على أكثر على ملف أوكرانيا. وقد يكون هناك تنسيق أمريكي- روسى محتمل حول تواجد القواعد العسكرية الروسية فى سوريا، وهو الأمر المتوقع أن تعمل موسكو على إعادة تمركزها وربما ليبيا ستكون هى الجهه الأكثر واقعية حتى الآن، وربما يكون هناك ثمن روسي وتنسيق أمريكى حول سوريا وحول أوكرانيا.

أما الصين، فيبدو تواجدها السياسى فى المنطقة خافتًا، حيث تصبّ تركيزها فى الوقت الراهن على الاستعداد لحرب تجارية طويلة الأمد مع واشنطن، قد تمتد حتى 2035، حسب تقديرات سنجر.

 مواجهة العاصفة

ترامب، القادم من عاصفة سياسية داخلية لا تهدأ، يحاول أن يرسم لنفسه دور القائد العالمى الحاسم، لا الضحية. زيارته للشرق الأوسط قد تقرأ كسعى لتصفية الحساب مع خصوم الداخل من خلال تحالفات الخارج. لكنها فى الوقت ذاته تكشف عن نموذج سياسى لا يرى فى الدبلوماسية سوى امتداد للمعركة الشخصية.

وهنا يبرز سؤال: هل تنجح هذه المعادلة فى ترميم صورته وإعادة الإمساك بالخيوط؟ أم أنها مجرد هدنة مؤقتة فى عاصفة لم تقل كلمتها الأخيرة بعد؟

هكذا يظل ترامب رئيسًا من نوع خاص، لا يهادن العاصفة، بل يسير فى قلبها، يحركها أحيانًا، ويتحدى أن تغرقه فى أحيان أخرى.