لا تتفاءلوا.. ليست صحوة ضمير ولا رفضًا للمجازر! إسرائيل تتجه نحو حرب أهلية

آلاء البدرى
يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى ترسيخ قبضته على السلطة باستخدام المال العام وفزاعة الحرب مقدمًا رشاوى وامتيازات متنوعة اقتصادية واجتماعية وأمنية لداعميه المتطرفين، مما عمَّق الانقسامات بين المواطنين العلمانيين الحضريين قرب ساحل البحر الأبيض المتوسط والمستوطنين الأرثوذكس وغيرهم فى الضفة الغربية أو بالقرب منها، إذ يحمل كل منهم رؤى مختلفة لمستقبل إسرائيل، حيث يدفع الحريديم الأرثوذكس البلاد نحو اتجاه أكثر ثيوقراطية، ويسعى العلمانيون إلى التمسك بالديمقراطية المزعومة، الأمر الذى قد يدفع إسرائيل إلى الوقوع فى مستنقع الحرب الأهلية.
صرح رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق إيهود أولمرت أن البلاد أقرب إلى حرب أهلية مما يتصوره الناس، وكذلك حذر رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق أهارون باراك من بأن إسرائيل معرضة لخطر الانزلاق إلى حرب أهلية بسبب الشرخ العميق بين الإسرائيليين أنفسهم الذى يفاقم الانقسامات الداخلية والذى جعل البلاد أشبه بقطار يخرج عن مساره ويتجه نحو الهاوية، وأعرب عن أسفه لأن المجتمع الإسرائيلى لم يعد يقدر التسوية بل يلجأ دائمًا إلى القوة، وانتهج ثقافة المقاطعة السياسية، وترجع الانقسامات الداخلية إلى أسباب متعددة أهمها محاولات حكومة نتنياهو المتطرفة التمسك بالسلطة على حساب استقرار الدولة.
الأزمة الدستورية
أحيا الائتلاف الحاكم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جهوده المثيرة للجدل التى جمدت بسبب حرب غزة لتوسيع سيطرته على فروع أخرى من الحكومة، وأوضحت قرارات الحكومة الأخيرة محاولة انقلاب واضحة على السلطة القضائية مما أشعل احتجاجات هى الأسوأ فى تاريخ إسرائيل، حيث تأتى الاضطرابات الحالية بعد قرابة عامين من التوترات بين اليمين السياسى الذى يزعم أن القضاء قد راكم نفوذًا مفرطًا ومعارضى الحكومة الذين يعتبرون المحاكم جزءًا أساسيًا من نظام الضوابط والتوازنات الهش أصلًا فى إسرائيل، وتعد هذه الضوابط محدودة بشكل خاص، نظرًا لافتقار إسرائيل إلى دستور رسمى مكتوب إذ يتألف الإطار الدستورى الإسرائيلى من 13 قانونًا أساسيًا أقرها الكنيست تحدد صلاحيات مؤسسات الدولة الرئيسية, ورغم أن هذه القوانين تؤدى بعض الوظائف الدستورية إلا أنها لا توفر فصلًا واضحًا للسلطات أو ميثاقًا شاملًا للحقوق أو آلية محددةً للتعديل عمليا تكمّل القوانين الأساسية أحكام المحكمة العليا والتقاليد القانونية، والمشكلة فى هذا النظام أنه يعتبر نظامًا مركبًا يفتقر إلى الضوابط والتوازنات القوية المتعارف عليها فى العديد من الديمقراطيات الأخرى التى تحكمها دساتير قوية، وهذا الوضع تسبب فى خلط واضح عند قاعدة كبيرة من الشعب الإسرائيلى الذى يحتج فى شوارع العديد من المدن على تنامى نفوذ الحكومة اليمينية دون فهم واضح لصلاحيات الحكومة.
وقد تجنبت إسرائيل فى الأساس صياغة دستور رسمى لعدم وجود توافق سياسى وقد دفعت الانقسامات الأيديولوجية العميقة السياسية والعرقية والدينية المشرعين إلى تفضيل نهج تدريجى بسن القوانين الأساسية ورفع مكانتها القانونية تدريجيًا، وستظل هذه الصراعات قائمة طالما يسيطر الائتلاف الحاكم فى إسرائيل على المجلس التشريعى الوحيد فى البلاد الكنيست.
قرارات الكنيست
كان لقرارات الكنيست دور كبير فى تأجيج الاحتجاجات الداخلية فى إسرائيل التى فى الأساس هى من أجل إنهاء الصراعات المستمرة ومعارضة استئناف الحرب والتعدى على الديمقراطية المزعومة ومحاولات الحكومة السيطرة على القضاء حيث وافقت لجنة الدستور قبل أيام على مشروع التشريع الذى قدمته الحكومة الإسرائيلية الذى يعيد تعريف الضفة الغربية باسم يهودا والسامرة فى الوثائق الحكومية الإسرائيلية وينص مشروع القانون على أن يهودا والسامرة جزء لا يتجزأ من الوطن التاريخى للشعب اليهودى، ويعتبر هذا التشريع تصعيدًا خطيرًا للإجراءات الأحادية الجانب غير القانونية التى تقوم بها إسرائيل، ويمهد الطريق لضم الضفة الغربية بالكامل وفرض القانون الإسرائيلى بالقوة وتقويض منهجى لإمكانية إقامة الدولة الفلسطينية وحل الصراع بالوسائل السياسية السلمية كما سيمنح التشريع المقترح الحق فى إزالة القيود المفروضة على الإسرائيليين فى شراء الأراضى وإلغاء قانون أردنى رسمى يحظر تأجير أو بيع العقارات للأفراد الذين ليسوا أردنيين أو فلسطينيين أو من أصل عربى، وسيسمح للمستوطنين بأن يصبحوا ملاك أراض فى الضفة الغربية المحتلة مما يفتح الباب أمام صفقات مشبوهة وصراع دامٍ بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن الممكن أن يؤدى إلى اشتباكات ممتدة لا نهاية لها، وإلى جانب التشريعات المشبوهة دفعت الحكومة بميزانية الدولة لعام 2025، إذ ناقشت لجنة المالية تخصيص الأموال ولا سيما تقديم دعم مالى كبير للمجتمعات الأرثوذكسية المتشددة مقابل الدعم السياسى، انتقد أعضاء المعارضة التى منحتها الكنيست مهلة محدودة لتقديم تحفظاتها قبل الموافقة شبه المؤكدة عليها ووصفوها بأنها منفصلة عن الواقع وسرقة واضحة.
ووصف زعيم المعارضة يائير لبيد ميزانية الدولة البالغة 756 مليار شيكل، أى ما يعادل 203.5 مليار دولار، بأنها أكبر عملية سرقة فى تاريخ البلاد، واتهم الحكومة بأنها تسرق المليارات من أموال الطبقة المتوسطة والاحتياطيين ودافعى الضرائب ووضعها فى جيوب رجال الأعمال الفاسدين والمتهربين من الضرائب، وأكد أن ميزانية عام 2025 أكبر بنسبة 20 % من الخطة المالية للعام الماضى، والتى وصفتها لجنة المالية فى الكنيست بأنها ناتجة إلى حد كبير عن زيادة الإنفاق الدفاعى فى الحرب متعددة الجبهات، وقد خصص مبلغ ضخم وغير مسبوق قدره 136 مليار شيكل للدفاع فى نسخة 2025، كما تتضمن الميزانية مليارات الدولارات للمدارس الدينية اليهودية المتشددة التى يرفض طلابها الانضمام إلى جيش الدفاع الإسرائيلى، فى حين تستغل الدولة الطبقة المتوسطة وتنفق مليارات أخرى للحفاظ على وزارات حكومية غير ضرورية على الإطلاق لأسباب سياسية، وفى المقابل تحاول الحكومة خفض حوالى 3 مليارات شيكل، 814 مليون دولار فى مختلف الوزارات مما يؤثر على رواتب العاملين فى القطاع العام مثل المعلمين والعاملين الاجتماعيين مع عدم المساس بالأموال المخصصة للمؤسسات التعليمية والوزارات الأرثوذكسية المتشددة، والتى وصفها مسئولو الخزانة فى السابق بأنها غير ضرورية.
وندد رئيس الوحدة الوطنية بينى غانتس بالميزانية قائلاً: إن إقرار قانون التهرب وميزانيات التهرب هو الطريقة التى نمزق بها الشعب ونشعل بها الدولة ونقدمها هدية لأعدائنا، ومن المتوقع أن تشعل هذه الميزانية الأزمات الداخلية أكثر بكثير حيث تعتمد بشكل أساسى على الضغط على الدخل المتاح للأسر من الطبقة العاملة، خاصة أنه فى الأول من يناير دخلت زيادات ضريبية حيز التنفيذ لتعزيز دخل الدولة وسد العجز المالى الناجم عن ارتفاع نفقات الدفاع خلال الحرب، وارتفعت ضريبة القيمة المضافة من 17 % إلى 18 %، وضريبة القيمة المضافة فى إسرائيل هى ضريبة تفرض على معظم السلع والخدمات الاستهلاكية، بالإضافة إلى ارتفاع مدفوعات التأمين الوطنى وخصم مدفوعات التعافى من الموظفين الذين يتقاضون رواتب وتجميد شرائح ضريبة الدخل ونقاط الائتمان الضريبى.
تمييز المتشددين
أجرى نتنياهو مناقشات جادة مع اثنين من أبرز حاخامات الطائفة الحريدية، موشيه هيلل هيرش زعيم الطائفة الليتوانية، وحاخام بيلز الزعيم الروحى لإحدى أكبر السلالات الحسيدية فى إسرائيل، وأفادت التقارير أن نتنياهو أوضح أنه بمجرد إقالة النائبة العامة غالى بهاراف-ميارا سيكون من الممكن سن قانون يسمح فعليًا بالتهرب الضريبى مما يضمن استمرار تدفق التمويل إلى اليهود المتشددين ودعم مراكز الرعاية الخاصة بهم وتمويل الخدمات الدينية والثقافية.
وعلى الرغم من حكم المحكمة العليا فى إسرائيل الذى قضى بتقليص الدعم للرجال المتشددين دينيًا أقنع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو كبار الحاخامات بسحب تهديدهم بإسقاط الحكومة بسبب قانون تجنيد الحريديم فى الجيش الإسرائيلى، كما أدلى وزير البناء والإسكان إسحاق جولدنوبف بتصريحات مثيرة للجدل قال فيها إنه أعاد استخدام مشاريع الإسكان فى بيت شيمش المخصصة للمواطنين غير الحريديم إلى الحريديم والأرثوذكس المتطرفين.