الأسير المحرر نائل ياسين لـ«روزاليوسف»: أدركت منذ 20 عامًا أننى لن أستسلم "الحلقة 2"

محمد الجزار
تجسد قصص وبطولات الأسرى معنى الصمود والإصرار على حرية الوطن، ومنها قصة الأسير الفلسطينى نائل محمد سليمان ياسين، المولود في قرية عصير الشمالية في نابلس عام 1976.
الأسير المحرر واحد من جيل أطفال الحجارة، وعمل ضابط صف في الأمن الوطنى الفلسطينى، ثم تم اعتقاله لسنوات طويلة وصلت إلى 20 سنة، ومؤخرًا تم تحريره في صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.
وتكشف قصة نائل عن بطولات تسجل حجم معاناة وشجاعة شعب بأكمله يضحى بكل شيء من أجل تحرير الوطن بروح مقاومة لا تنكسر.
نائل ياسين الذي جاء إلى الدنيا فى أغسطس 1976 فى وطن مسروق ومسلوب الإرادة، عرف أن دوره هو الوقوف فى صفوف مقاومة المحتل الإرهابى الغاصب فى انتفاضة أطفال الحجارة 1987، ثم انضم إلى الشرطة الفلسطينية 1995 والتي كانت تتسلم المدن الفلسطينية من سلطات الاحتلال ضمن اتفاق أوسلو، وفي 29 سبتمبر 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى بعد اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون للمسجد الأقصى.
كان هذا الحدث بمثابة الشرارة التى أشعلت غضب الشعب الفلسطينى، وكان نائل ياسين يعمل ضابط صف في جهاز الأمن الوطنى الفلسطينى، ضمن الدوريات المشتركة بين الشرطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلى، وهى دوريات كانت تهدف إلى تنسيق الأمن بين الجانبين فى ظل اتفاقيات أوسلو، واستلام السلطة المدن الفلسطينية من المحتل الإسرائيلي تنفيذا للاتفاق.
في اليوم التالى لاقتحام المسجد الأقصى، قرر نائل الرد على هذا الاستفزاز، وهو يعلم أن ما سيفعله سيغير حياته، لكنه لم يستطع الصمت أمام استفزازات الاحتلال، واقتحام المسجد الأقصى الذي يعتبره الجميع خطًا أحمر، فقام بإطلاق النيران على دورية إسرائيلية، مما أدى إلى مقتل ضابط صف إسرائيلى.
كانت هذه العملية أول عملية عسكرية في انتفاضة الأقصى، وجعلت نائل هدفًا للسلطات الإسرائيلية، لكنه لم يهتم لأنه تربى وسط بطولات أطفال الحجارة.
بعد العملية، تم اعتقاله من قبل السلطة الفلسطينية التي كانت تلتزم بموجب اتفاقيات أوسلو بعدم تسليم المطلوبين للجانب الإسرائيلى، وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وقضى عام تقريبًا في سجون السلطة الفلسطينية، وخلال هذه الفترة تم تجميد راتبه، ومن ثم إعادته إلى الخدمة مع تسليمه سلاحًا للدفاع عن النفس.
يقول نائل: «كنت أعلم أن السلطة كانت في مأزق، لكننى كنت مصممًا على مواصلة نضالى».
في عام 2002، تم نقلى من سجون السلطة الفلسطينية إلى سجن عوفر الإسرائيلي. هناك تمكنت من خداع الجنود الإسرائيليين باستخدام هوية مزورة، وتمكنت من الهروب بعد أربعة أيام فقط من الاعتقال.
«كانت تلك الأيام الأربعة كافية لأدرك أنني لن أستسلم، لأن الحرية هى هدفى الوحيد».
وبعد الهروب، أصبح نائل مطلوبًا للجيش الإسرائيلى، وقضى سنوات فى الاختباء والمقاومة.
وفي عام 2006، حاول تنفيذ عملية في حيفا، لكن العملية فشلت بعد أن تم القبض عليه أثناء محاولته خطف مستوطن.
وكانت مخاطرة كبيرة، لكنه كان دائمًا مستعدًا للتضحية من أجل قضيته.
في 18 يوليو 2006، وقع نائل في كمين للجيش الإسرائيلي في نابلس، حيث أصيب برصاصة في الرأس وتم اعتقاله مرة أخرى.
هذه المرة، قضى نائل ما يقارب 20 عامًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حتى تم الإفراج عنه في 25 يناير 2025، في صفقة تبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
السجن مدرسة الصمود
يقول نائل عن سنوات سجنه: «السجن كان مدرسة، تعلمت فيه الكثير، ليس فقط عن نفسى، ولكن أيضًا عن قضيتى ونضال شعبى».
خلال سنوات سجنه، تمكن نائل من إكمال دراسته الجامعية، حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم الاجتماعية، ثم درجة الماجستير في الشئون الإسرائيلية.
يقول نائل: «كنت أدرس بمساعدة زملائى الأسرى، خاصة الدكتور مروان البرغوثي، الذي كان معلمًا ومصدر إلهام لنا جميعًا».
ويتحدث نائل بفخر عن الدكتور مروان البرغوثى، القائد الفلسطينى الذي لا يزال يقبع في السجون الإسرائيلية، قائلًا إنه رجل أفعال، ليس مجرد رجل أقوال. كان دائمًا يشجعنا على التعلم والمقاومة، وكان مصدر قوة لنا جميعًا».
نائل يأمل أن يتم الإفراج عن البرغوثى في صفقة تبادل أسرى قادمة، لأنه يستحق الحرية، وهو رمز للنضال الفلسطينى.
يوم الحرية لن يُنسى
في 25 يناير 2025، تم الإفراج عن نائل ياسين، بعد ما يقارب 20 عامًا في السجن ويقول «إن يوم تحريره أعظم يوم في حياته، وكل الفضل يعود للمقاومة في غزة ولأهل غزة الذين صمدوا ودعموا قضية الأسرى».
نائل يعتبر أن تحريره كان نتيجة لجهود المقاومة الفلسطينية، التي استطاعت أن تفرض شروطها على الاحتلال الإسرائيلي.
سجان جبان وأسرى أبطال
يتحدث نائل عن المعاناة التي عاشها جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، خاصة بعد انتفاضة الأقصى. يقول: «كانوا يجوعوننا، يضربوننا، ويهينوننا. لكننا كنا نعرف أننا نقاوم من أجل قضية عادلة».
نائل يصف كيف كان الأسرى يتعرضون للتعذيب والإهانات، لكنهم كانوا يرفضون الاستسلام. يقول: «كنا نعاني، لكننا كنا نعرف أننا نحمل رسالة، وأننا سنواصل النضال حتى النصر».
عانت أسرته معاناة كبيرة، والده توفى وهو طفل وقامت أمه بتربيته هو وإخوته وكافحت من أجلهم، وتعرض في السجن لكل ألوان القمع والقهر، وأمه التي وصل عمرها لـ80 عامًا كانت تزوره كل شهر وتتعذب في زيارته، وتنتظر أكثر من ست ساعات لرؤيته 45 دقيقة فقط، وتعبت الأم في البحث عنه في السجون المختلفة، من الشمال إلى الجنوب، وعلى مدى سنوات طويلة كانت تصر على زيارته وهو يطالبها بأن تستريح لكنها كانت تصر على زيارته، وتتحمل الصعاب وتتحمل الحقد والتطرف الإسرائيلى لكي تزوره، حتى قامت عملية طوفان الأقصى فتحول السجن إلى ساحة حرب، رغم أن السجان كان دائمًا ما يقول لهم إن ما يحدث في الخارج شأن وأنتم في شأن آخر وليس لكم علاقه به، ولكن بعد طوفان الأقصى قالوا انتهى كل شيء وأصبحنا في حالة حرب معكم، واستشهد بالفعل 45 أسيرًا نتيجه الضرب والوحشية والتنكيل بهم.
ويضيف نائل: كانت عمليات التعذيب مستمرة، ومنها الرش بالغاز، وإطلاقنا في العراء لمدة ستة شهور بغطاء خفيف لا يصلح لبرد الشتاء، بالإضافة للتجويع الذى لا يطيقه أحد. وجحيم السجن زادت وحشته بعد طوفان الأقصى، كنا نأمل في الخروج لكن الأمور كانت دائمًا تسوء، والاحتلال يتعمد إذلالنا وقهرنا بكل ألوان العداون وكل أشكال التعذيب، ولا أحد يمكن أن يتوقع أننا سنتحرر، ولكن حدثت المعجزة بنضال وكفاح المقاومة الفلسطينية الباسلة، وتحررنا من الأسر، ونتمنى تحرير الباقى، ولن نتنازل عن تحرير وطننا. الشعب الجزائري الشقيق مات منه مليون ونصف المليون شهيد، ونحن مستعدون للتضحية بأرواحنا جميعا من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، لأننا ندافع عن وجودنا وليس حدودنا، وسوف نستمر في التضحية وسيتحرر الوطن عاجلًا أم آجلًا.
يقول نائل: كنا ننظم أنفسنا داخل السجون، ونشكل لجانًا لإدارة شئوننا اليومية، مثل توزيع الطعام وتنظيم الأنشطة التعليمية «كنا نعيش كمجتمع صغير داخل السجن، كنا نتعلم من بعضنا البعض، ونقاوم معًا».
نائل ياسين، الذي قضى أكثر من نصف حياته في السجون الإسرائيلية، يوجه رسالة إلى العالم: «نحن شعبٌ يؤمن بالحرية والعدالة. سنواصل نضالنا حتى نحقق حلمنا في دولة فلسطينية مستقلة. رسالتي إلى كل الأسرى: لا تفقدوا الأمل، فالحرية قادمة».
خلال سنوات سجنه، واجه نائل ظروفًا قاسية داخل السجون الإسرائيلية. كان الأسرى يُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية، مثل الغذاء الكافي والرعاية الصحية «كانوا يقدمون لنا طعامًا فاسدًا، ويحرموننا من الزيارات العائلية. لكننا كنا نعرف أننا نقاوم من أجل قضية عادلة، وهذا ما أعطانا القوة لمواصلة النضال». «المقاومة في غزة هي التي فرضت شروطها على الاحتلال الإسرائيلي. هم الذين أجبروا الاحتلال على التفاوض والإفراج عن الأسرى».
ولا بد أن يشيد الجميع بدور المقاومة فى الحفاظ على قضية الأسرى حية، «بدون المقاومة، كان الاحتلال سينسى الأسرى ويتجاهل معاناتهم».
قصة نائل ياسين هي حلقة من حلقات الصمود وإلاصرار، بأن الحرية ليست مجرد حلم، بل هي حقٌ يجب أن يُكافح من أجله وأن النضال الفلسطيني ما زال مستمرًا، وأن الأسرى الفلسطينيين ما زالوا يقاومون داخل السجون، منتظرين يوم تحريرهم. والحرية ليست مجرد كلمة، بل هي حياة. لا بد أن يحصل عليها شعب فلسطين يومًا ما، مهما طال الزمن».