السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
البطالمة عبدوا القطط أيضًا

البطالمة عبدوا القطط أيضًا

كثير من الاكتشافات الأثرية العظمى سواء فى مصر أو خارجها قادت إليها الصدفة أو  تم التوصل إليها عن طريق أحد العامة أو بعض الحيوانات، فمقبرة توت عنخ آمون بالأقصر كشف عنها صبى صعيدى لطيف المنظر، ورسائل تل العمارنة وجدتها فلاحة فى مصر الوسطى، أو آثار طروادة كشف عنها هاينريش شليمان الذى لا تكن له علاقة بكليات وأقسام الآثار أو مؤسسات وهيئات الآثار، غير أن «بوباستيون» الإسكندرية وهو المعبد الذى لم يكشف عن معابد مماثلة أخرى له بالمدينة منذ زمن الحرب العالمية الثانية  له قصة تستحق أن تروى.



 

تبدأ القصة مع الأثارى الكبير أحمد عبد الفتاح الذى أحيل للتقاعد من منصب مدير عام لآثار الاسكندرية ومتاحفها وظل يباشر مهام عمله الاستشارى فى تتبع أعمال حفر الأساسات اليومية بالمدينة بنفسه، وعندما كان يصادف وجود موقع حفر لأساس منزل، كان يقوم بالنزول مباشرةً إلى خندق الحفر، ويفحص طبقات الأرض، بحثًا عن أية مظاهر أثرية مثل شقف الفخار أو بقايا قطع حجرية أو مسارج أثرية أو غيرها. وفى حالة الوقوف على مظاهر أثرية بالموقع، كان يوقف أعمال الحفر على الفور ومباشرة إجراءات مراقبة حفر الأساس بالتنسيق مع الجهات الرسمية فى الدولة.

فى العام 1989م شرعت وزارة الداخلية فى تنفيذ مشروع لإسكان ضباطها بمنطقة كوم الدكة بالاسكندرية وانتقل عبد الفتاح على الفور للموقع بالغ الأهمية؛ لأنه يواجه تل كوم الدكة (معبد الديماس أو البانيوم) الواقع للشمال منه، كما أنه يتخلل سور الإسكندرية العربي، كما أنه على مسافة بضع مئات قليلة من الأمتار من منطقة كوم الدكة حيث الحمامات، والمسرح، والفيلات الرومانية. كما أنه يمثل مرتفعًا على الأرض. 

المفاجأة كانت فى اكتشاف أن الموقع يرجع للعصر البطلمي. وهذا أمر بالغ الندرة فى الإسكندرية؛ حيث إن أقدم المواقع بها ترجع عادة للعصر الروماني. يضاف إلى ذلك أنه يقع فى مسار السور العربي، ويواجه موقع البانيوم، خاصةً أن الآثار المكتشفة بتل كوم الدكة توجد أسفل المسرح والحمامات أى على عمق أكثر من عشرة أمتار. وتوجد مظاهر هذا الموقع الأثرية على عمق حوالى 50 سم من مستوى سطح شارع سليمان يسرى الملاصق.  أسفر الحفر عن مجموعة صهاريج مياه بطلمية تشبه تلك الموجودة بموقع السيرابيوم (عامود السواري) ومسارج جميعها بطلمية. والأعجب هو تمثال تناجرا رخامى مشطور. ومن المعروف أن تماثيل التناجرا بالإسكندرية تُصنع من الطين المحروق الملون. وكان ذلك بمثابة كنز تم نشره علميًا. وبمرور الوقت قامت وزارة الداخلية مرة أخرى عام 2009، أى بعد مرور عشرين عامًا على الكشف الأول، بتنفيذ مشروع فى الطرف الغربى الأقصى من المستطيل، والواقع على شارع صفية زغلول من الغرب.

الموقع لم يتعرض له أثريو الإسكندرية القدامى، مثل بوتي، وبرتشيا، وأدرياني، وألان رو، وهنرى رياض. وكذلك لم يتحدث عنه سترابون فى وصفه للإسكندرية قديمًا. كما أنه يوجد بمسار سور الإسكندرية العربى (فى العصر الطولوني). واقتطف الأثرى أحمد عبد الفتاح من مؤلف الدكتورة منى حجاج «الإسكندرية القديمة: العالم فى مدينة» الرأى العملى فى الموقع، حيث تقول: «أخيرًا ومنذ أقل من عامين، تُقدم الإسكندرية آثار معبد لم نسمع به من قبل من المصادر الكتابية، وربما يكون البوباستيون هو المعبد الوحيد الذى تُكشف أطلاله دونما سابق خبر عنها، فى عام 2010 أثناء حفر يعض الأساسات داخل مقر قوات الأمن المركزي.

ثم تحدثت منى حجاج عن المعبد المكتشف قائلة: «من خلال البقايا المعمارية القليلة تبين أن المعبد كان يحتوى على الطرازين الدوري، والأيوني، وفيما يختص بالوثائق المكتوبة التى عُثر عليها بالمعبد، تذكر أنه: «ومن أهم المكتشفات قاعدة لتمثال من الجرانيت لأحد كبار القادة، تحمل نقشًا باللغة اليونانية، يخلد موقعة رفح الشهيرة (217 ق.م). كما كشف أحد ألواح ودائع الأساس التى كانت تُوضع عند الأركان الأربعة للمعابد وتحمل نقوشًا تخص بناء المعبد، يفيد النقش المكتشف أن برنيكى الثانية أهدت المعبد والمذبح الخاص بالإلهة بوباستت، لزوجها بطلميوس يورجتيس، وهو الأمر الذى يؤكد انتماء المعبد لعهد بطلميوس الثالث وزوجته برنيكى الثانية (246 – 221 ق.م).»

وتعلق الدكتورة منى حجاج على لفظ بوباستيون الوارد فى النقش اليونانى قائلة: «إن كلمة بوباستيون الواردة فى النقش اليونانى تعنى فى المصرية القديمة المكان وليس اسم الإلهة المسماة باستت، وقد سمى المعبد كذلك فيما يبدو نتيجة لخطأ لغوي، ربما كان من ورائه الحديث الوارد على لسان هيرودوت حين تحدث عن مدينة بوبسطة (تل بسطة الحالية)».

وفى يوم 23/11/2009، ظهرت أول مفاجأة أثرية بالإسكندرية منذ أجيال مضت؛ فقد تم العثور على أول خبيئة بالمدينة منذ التاريخ القديم. والخبيئة هنا طبقًا لعلم الآثار اليونانية الرومانية تسمى Favina، وهى مكان فى المعبد يتم تخزين القطط النذرية به داخل فجوات أسفل أرضيات المعبد تجنبًا لحدوث تكدس بالمعبد فى حالة كثرة النذور. وهى تختلف عن الخبيئة فى الآثار المصرية، والتى كانت خبيئة أيضًا، ولكن كان المقصود بها هو حماية كنوز المعبد فى ظروف غير طبيعية.

وفى ذلك اليوم التاريخى تم اكتشاف شلال دافق من تماثيل القطط وتماثيل أطفال وأوانٍ، ولكن المفاجأة هى أن أغلب تماثيل القطط كانت على الطراز اليوناني، والقليل منها يقلد القطة المصرية الربة باستت. وهى من الحجر الجيري. وذات أشكال شتى. والمفاجأة الكبرى هى فى التماثيل التى كانت مخبأة فى جوف الصخر وأسفل الرمال والرديم. وجانب منها لقطط فى هيئة يونانية تختلف عن هيئة الربة باستت المصرية، بل بعضها يقلدها. وتحمل نقوشًا نذرية يونانية تعبدية. وهى مفاجأة هزت الأوساط العلمية فى العالم كله؛ فقد ثبت وللمرة الأولى، أمام العالم كله، أن إغريق مصر كانت لهم باستت خاصة بهم، وموضع عبادتهم، بل إنهم حرصوا على نحتها بالهيئة اليونانية الموجودة فى كل بلاد اليونان، وإيطاليا الإغريقية (الجنوب). ومن الطريف أنهم قد قلدوا الربة باستت المصرية فى أمثلة بسيطة. وتوالى الكشف عن الخبيئات فى الموقع. وبلغ عددها ثلاث خبيئات. كما عثر على مجموعة تماثيل لأطفال مصنوعة من الرخام الملون. وتتبع مدرسة الإسكندرية فى الأسلوب الفني. وعثر على أدوات عبارة عن أدوات ومسارج.

ومن الغريب أن يتم العثور على مجموعة من التماثيل صغيرة الحجم لأرباب مصر فى العصر البطلمي، بالجانب الغربى من الموقع. ونقتطف مرة أخرى من كتاب الدكتورة منى حجاج بخصوص علاقة الإغريق بالإلهة باستت، قائلة: «أما عند الإغريق فقد كانت باستت شقيقة لحورس الذى اقترن عندهم بأبولون، ومن ثم اقترنت باستت بأرتميس، توأم أبولون، ربة الصيد والفخر، وهكذا تحولت باستت فى العصرين البطلمى والرومانى إلى إلهة فخرية، وأصبحت رمزًا للأنوثة، حامية للنسوة الحوامل، وربة الخصوبة، وهى أيضًا ربة المرح والرقص، كما كان كهنتها يشتهرون بعلاج اللدغات السامة».