
احمد باشا
حازم الببلاوى .. رئيس الحكومة الانتقامية!
كتب علينا أن نقع فى حيرة بين اختيارين أحلاهما مر «الببلاوى» أو «البرادعى».. كلاهما لا يعبر عن طموحات الشعب أو يؤمن بثورة 30 يونيو، أو لديه رؤية إدارة للمرحلة الانتقالية.. فكان القرار أن نتجرع من كأس الببلاوى «المر»، فهو فى كل الأحوال أرحم من «علقم» البرادعى!
مصر لم تنضب أو تعقر فى تقديم كفاءات ورجالات دولة يتحملون المسئولية.. لكن لظروف وطبيعة الأمور السائلة، والصراعات السياسية المخربة، والتعليمات الأمريكية لأنصارها.. كان أن وقف حزب النور السلفى «شوكة فى حلق الثورة» ورفض كل الخيارات المطروحة لرئاسة الحكومة وفرض علينا «الببلاوى» الليبرالى كاختيار وشرط لاستمرارهم فى خارطة الطريق!
لم نسمع من النور السلفى المتشدد أية ملاحظات على ليبرالية الببلاوى أو توجهاته الفكرية المنفتحة أو إيمانه بالرأسمالية واقتصاد السوق ومدنية الدولة، وهو من صدع رءوسنا بتطبيق الشريعة ودولة الإسلام المزعومة.. الأمر عجيب حقا ، إلا إذا كانت هناك أوامر خارجية تحكم قراراته بما يخالف معتقداته وتدفع بنا إلى مصير مجهول!
كان «الببلاوى» مشتاقا ولديه لوعة للمنصب الرفيع من وقت الرئيس الأسبق مبارك، بل كتب مقالات مبشرة ومؤيدة لتولى الشاب النابه الطموح «جمال مبارك» - على حد وصفه - رئاسة البلاد خلفا لوالده لكنه لم ينلها، وكانت وقتها بورصة الترشيحات تدفع به إلى مناصب وزارية باعتباره كفاءة مصرية مهدرة!
حسب ما ورد فعليا فى الغرف المغلقة أن تقريرا من جهة سيادية رفض تولى الببلاوى الحكومة، إلا أن القيادة السياسية تغاضت عما ورد فى التقرير رغبة منها فى تسيير الأمور، وتفهما منها لقيمة المواءمة السياسية فى هذه المرحلة.. فهى فى كل الأحوال مرحلة انتقالية تحولت على يديه لمرحلة انتقامية بأدائه المتخاذل ويده المرتعشة وبطء أدائه وغياب رؤيته!
التقليل من قيمة المرحلة الانتقالية أمر جلل.. فهى حجر الأساس، وتؤسس لما بعدها ، فإذا اعوجت انهار البناء بعدها.. كنا نحسب الببلاوى رجل دولة لكنه ما إن تولى المنصب وتحول لناشط، لم يفهم مقدار الوظيفة أو المهمة وتبعاتها، ولم يدرك واجباتها وخطورتها وما يجب أن تفرضه عليه ومعلق فى رقبته 90 مليون مواطن بعد أن انتقلت صلاحيات عدة من الرئيس له!
يصدر المشاكل بدلا من حلها.. غل يد الأجهزة فى استئصال الإرهاب، ألقى بالتركة الثقيلة على أكتاف الجيش والشرطة حتى لم يعاونهما.. شكل وزارة لا هى تكنوقراط صرف أو سياسية تمثل أغلب الأحزاب.. اكتفى بالاعتماد على حزبى المصرى الديموقراطى والدستور وجاء بنشطاء الشارع وهتيفة الميادين على رؤوس الوزارات وحكمهم دون دراية أو خبرة فى مصائر البلاد والعباد!
وقف وعطل كثيرا فض اعتصامى رابعة والنهضة الإرهابيين فكان سببا فى تعظيم الخسائر.. لم يمارس دوره فى ضبط إيقاع مجلس الوزراء المنفلت والمشتت فى مواقف وزرائه، سواء فى دعوات المصالحة التى أطلقها نائبه زياد بهاء الدين من نفسه على غير رغبة جموع الشعب، أو خروجه منفلتا فى وسائل الإعلام يعارض مشروع قانون التظاهر الذى أقرته الحكومة الذى هو عضو فيها، ولم نسمع أن «الببلاوى» اتخذ موقفا يواجه به هذا الانفلات.. فقد السيطرة على وزرائه كل واحد فيهم اعتبرها «وسية» يعيث فيها ويديرها بعيدا عنه!
لا رابط ولا حاكم لهذا الانفلات، ولا دور يقوم به لمراجعة أداء وتصريحات وزرائه، لا رؤية شاملة أو خطة كاملة لإدارة شئون البلاد فأضحى رئيسا لحكومة الجزر المنعزلة.. بدا الأمر وكأن الدولة متخبطة.. حتى العلوم الإدارية والملفات الاقتصادية المفترض فيها تخصصه وصدعونا سنوات بتميزه فيها فشل بامتياز.. آلية اتخاذ القرارات وتوقيتها والتمهيد لها فريضة غائبة عنه.
عادة ما تتأخر ساعته البيولوجية عن احتياجات الشارع ومطالب الجماهير، وحين تعود له ذاكرته يطل علينا مفاجئا الجميع بصيحته «بخ» فيعطى الفرصة للمناوئين والمزايدين كل الفرص ليقفزوا على المشهد ويعطلوا المسيرة المعطلة أصلا .
لم يخرج إلى الشارع ليشعر به المواطنون، يكتفى بطلته المحبطة علينا وتصريحاته الرخوة ومبادراته المائعة.. أصبح مثل حقنة مخدرة كل هدفها إسكاتنا وإلهاؤنا عن جرائم الإخوان ومسح ذاكرتنا وغسيل أدمغتنا لأفعالهم الإرهابية، وقتل الطموح فينا لخلق مستقبل أفضل!
«حازم الببلاوى» ليس له حظ من نصف اسمه الأول، فلم «يحزم» أمرا، وبقى لنا حظا من نصف اسمه الثانى «الببلاوى» وترك الأمور تسير بقوة الدفع مستمتعا بمشاهدة تظاهرات الإخوان لنعانى نحن من «بلاوى» تخريب الجامعات وغياب الاستثمارات وتراجع السياحة، وفشل وسوء إدارة الإعلام، وميوعة الدبلوماسية، وارتفاع الأسعار، وتوقف المصانع، والعبث فى ملف النقابات العمالية، وتدهور الخدمات الصحية، وأزمة النظافة، وفضائح الرياضة، وتجاهل تمكين الشباب، وكأن ثورة لم تقم!!
تصريحاته مخزية، وبصيرته منعدمة فيما يخص ملف النيل وسد النهضة.. باختصار يمثل وجه العملة الآخر للنظام الإخوانى الساقط فى تعامله مع الأزمة.. فالسابقون فضحونا باجتماعهم العلنى لكشف مخططاتهم الخائبة فى التعامل مع الأمر، والحالى «الببلاوى» أحبطنا وأفجعنا بكلامه الذى يشيد فيه بمواصفات السد الكارثية بل وزاد أنه يجلب «الخير لمصر وإثيوبيا والسودان»
التصريح الكارثى لرئيس الوزراء يوجب محاكمته سياسيا وتنفيذيا وشعبيا، فالسد الذى رفضت دول العالم تمويله إكراما لمصر وحرصا على شعبها بعد أن أقرت اللجنة الثلاثية الدولية لكارثيته وسيبنى على جثث المصريين.. يجافى «الببلاوى» الحقيقة ويصرح بأن دول العالم مخطئة بلا حس بالأمن القومى والمائى ويضعف موقف مصر قبل مباحثات 5 نوفمبر القادم بالخرطوم بعد أن رضخت أخيرا إثيوبيا ولبت الاجتماع لأول مرة بعد أن كانت رافضة لتعرف طلبات مصر لتغيير المواصفات بما لا يضر مصالحنا فيأتى رئيس الوزراء النابه ليدمر النتائج التى سعينا لتحقيقها!
ما سبق غيض من فيض.. نعلم أنها مهمة وتركة ثقيلة، لكن الحلول ممكنة لو توافرت الكفاءة فى الإدارة، والإرادة فى التنفيذ وكلاهما تفتقده حكومة د.«الببلاوى».. عادت لتنتقم منا بشعارات لا تسمن الغلابة ولا تؤمن خوفهم، نعلم أن عوامل الزمن تلعب دورها فى تلك الحكومة التى شبعت موتا وهى لم تكمل عامها الأول، فربما كان أداؤها أفضل لو تولاها «الببلاوى» وهو على قيد الحياة!