
محمد جمال الدين
ترامب.. وحلم نوبل
بين الوقت والآخر، يخرج علينا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بتصريحات ليس لها معنى (على الأقل بالنسبة لى) بأنه استطاع بمفرده إنهاء أكثر من ست حروب بين دول العالم، وهو الدور الذي يرشحه للحصول على جائزة نوبل للسلام للأشخاص أو المنظمات التي عادة ما تمنح لمن يقوم بدور بارز فى حل النزاعات ومنع الحروب ونشر قيم السلام، الرجل لم يُخفِ رغبته الدفينة فى الحصول على الجائزة، خاصة بعد أن تم ترشيحه من قبل جهات ودول مثل إسرائيل وباكستان وأعضاء فى برلمانات النرويج والسويد، لدوره فى توقيع اتفاقات أبراهام، التي مهّدت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بينها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. وسياساته الأكثر انفتاحا تجاه كوريا الشمالية وقادتها، إلى جانب تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية فى بعض مناطق النزاع، مقارنة بإدارات سابقة، وأسهم فى حل الأزمة بين الهند وباكستان، وتقريب وجهات النظر بين الكونغو ورواندا، وهو من توسط لحل الخلاف ما بين أرمينيا وأذربيجان، جهود ووساطات تجعله يستحق (من وجهة نظره) الحصول على الجائزة، رغم ما يراه من تجاهل إعلامى لتلك الإنجازات، وهذا ما جعله يقول ساخرا فى أحد تصريحاته: (أعطوا أوباما جائزة نوبل فى بداية ولايته، أما أنا فقد أنجزت أكثر منه بكثير، ولم أحصل على شىء).
وعلى الرغم من أن شروط منح الجائزة لا تعطى للدول حق الترشيح وقصرها على أعضاء البرلمانات الوطنية والحكومات من مختلف دول العالم، وأساتذة الجامعات فى مجالات الفلسفة، والحقوق، والعلوم السياسية، والتاريخ، والدين، وعلى الحائزين السابقين الذين حصلوا على الجائزة، وعلى أعضاء المحاكم الدولية، ومدراء ومعاهد ومراكز الأبحاث فى مجال السلام والنزاعات الدولية، ورؤساء منظمات دولية معينة لها صفة مراقب فى الأمم المتحدة، لذلك لم يمر ترشيح ترامب بهدوء، وواجه انتقادات واسعة، خاصة فى ظل التطورات الميدانية التي شهدها الشرق الأوسط.
فمن يدعو للسلام وإنهاء الحروب، وافق شخصيا بملء أرادته وعن طيب خاطر، على الحرب الوحشية التي تحرق الشعب الفلسطينى وأهل غزة على وجه الخصوص منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وسقط فيها مئات الشهداء بسبب المجاعة، وعشرات الآلاف من شهداء القتل برصاص الوحش الصهيونى المقيت، غالبيتهم من النساء والأطفال، ونزوح أكثر من 2 مليون فلسطيني، فضلا عن الانهيار التام للبنيات التعليمية والصحية والبيئية والاجتماعية وغيرها، وهو نفسه من يحاول تبييض جرائم مجرم الحرب نتنياهو بتمويله وتسليحه والدفاع عنه فى كافة المؤسسات والمنظمات الدولية، رغم انتهاكه للقانون الدولى والقضاء الدولى، كما فعل تجاه المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها، الذين حرمهم من دخول جنته أمريكا وصادر أموالهم، وهو نفسه من سمح لربيبته إسرائيل بقصف منشآت إيران النووية، ثم عاد وأمر جنوده بقصفها أيضا، وهو أيضا من يبتز دول العالم بإشعاله حرب تجارية لم نشهد لها مثيلًا من قبل، حين فرض تعريفات جمركية، لتصب فى صالح بلده أولا وأخيرا، ما يدفع نحو تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية التي يعانى منها الجميع، وهو أيضا من منح لنفسه الحق عندما أدعى أن لبلده حقًا فى مرور سفنها سواء تجارية أو عسكرية فى قناتى السويس وبنما مجانا دون دفع رسوم، ويدعم السياسات الإسرائلية الهادفة لتهجير الفلسطينين من أراضيهم.
وأخيرا هو من سمح لنفسه بالتدخل فى أمور تخص سيادة بلاد العالم، حين أعلن عن مضاعفة المكافأة المالية المعروضة لمن يدلى بمعلومات تؤدى إلى القبض على الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو، لتصل إلى 50 مليون دولار، تحت حجج ومزاعم أنه متورط فى شبكات تهريب مخدرات وارتباطه بعصابات إجرامية مصنفة على لوائح الإرهاب. متناسيا عن قصد وتعمد إرهاب وبطش وجرائم ربيبته إسرائيل.
من أجل هذا وغيره كثير، هل تعتقد عزيزى القارئ أن ترامب يستحق فعلا جائزة نوبل للسلام، أم أن الجائزة باتت أداة سياسية يستخدمها أمثاله عند اللزوم.
وعموما إذا حصل هذا الرجل على الجائزة، فعلينا جميعا شعوبا ودولًا أن نقول: على جائزة نوبل السلام، ووداعا لكافة المعايير التي تُبنى عليها عادة قرارات منح الجائزة، التي انخفضت قيمتها المعنوية بفعل فاعل.