الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مهندسو الأهرامات.. أعظم عباقرة التاريخ

مهندسو الأهرامات.. أعظم عباقرة التاريخ


الأهرامات المصرية هى سحر الآثار المصرية وقبلة الزوار والسائحين لمصر عبر العصور والأزمان. سحرت بعظمتها وجلالها الأخاذ الأبصار والعقول وهامت فى أسرارها القلوب، وبحث الجميع عن أسباب عظمتها وتفردها. وزادت عظمة أصحابها بسبب بنائها تقديسًا وتكريمًا وتعظيمًا لهم. غير أن الفضل الأول فى بناء هذه الأهرامات الساحرة المعجزة يرجع إلى عبقرية الهندسة المصرية الفريدة وعظمة المهندسين المصريين العظام. ولا يمكن لنا أن ننسى جهد وإبداع وعبقرية المهندسين المصريين القدماء العباقرة، أمثال إيمحتب وحم إيونو وعنخ حاف. وفى السطور التالية، نلقى الضوء على أولئك المهندسين العظام الذين شيّدوا هذه الأهرامات الخالدة على وجه الزمان.

إيمحتب


عاش المهندس العبقرى إيمحتب (الذى يعنى اسمه «الذى يأتى فى سلام») فى عهد الملك زوسر، من أوائل ملوك الأسرة الثالثة الفرعونية فى عصر الدولة القديمة. وقصة حياة ذلك المهندس مدهشة. وإنجازاته تفوق الوصف. وتوضح العلاقة القوية بين ذلك الملك وذلك المهندس أهمية وجود صلات قوية تربط بين رجل الدولة ورجال بلاطه العظام.
حَكم الملك زوسر، الذى يعنى اسمه «المقدس»، نحو 21 عامًا تقريبا منذ 2667-2648 قبل الميلاد، وكان هذا الملك من الملوك القلائل المهمين فى تاريخ مصر الفرعونية. واستقر به المقام فى العاصمة «إنب حدج»، وأراد أن يشيد أثرًا معماريّا فريدًا كى يكون علامة على عصره وبداية لفترة جديدة من تاريخ مصر المبكر، وأن يكون رمزًا مميزًا له عبر العصور، فهداه تفكيره، بمعاونة المهندس إيمحتب، إلى بناء الهرم المدرج فى منطقة سقارة الأثرية (جبانة العاصمة المصرية القديمة العريقة «منف» لاحقًا)، كى يكون أول هرم يُبنَى فى العالم وأكبر بناء من الحجر على نطاق واسع فى تاريخ البشرية.
بهمة ونشاط أشرف المهندس العبقرى إيمحتب على بناء هرم مولاه الملك زوسر وأجزاء مجموعته الهرمية المختلفة. واستخدم الحجر فى تلك المجموعة الهرمية المبكرة على نطاق واسع لم يستخدمه معمارى مصرى من قبل. اكتملت عناصر الهرمية الخاصة بملكنا زوسر، وصارت واحدة من أروع المجموعات الهرمية من عصر الدولة القديمة بفضل عبقرية المهندس المعمارى إيمحتب.
ومن أفضال إيمحتب على الديانة الشمسية فى عصر بناة الأهرام، أو عصر الدولة القديمة، أن بفضل العبقرى إيمحتب الذى حمل لقب «كبير الرائيين»، أى المتطلعين للسماء؛ لرصد حركة النجوم والكواكب والأفلاك فى مدينة أونو، ازدهرت كذلك مدينة أونو (أو «هليوبوليس» أى «مدينة الشمس» باللغة الإغريقية، وهى المطرية وعين شمس فى شرق القاهرة حاليًا)، وفى ذلك ما يدل على تبحُّره فى علم الفلك أيضًا. وتقلد إيمحتب عدة مناصب مهمة فى الدولة المصرية القديمة. وكان من بينها، مسجل الحوليات، وأمين أختام الوجه البحرى، والمسئول عن البيت العظيم، أى «القصر الملكى». وكان الأول لدى الملك والتالى للملك. وحمل عددًا من الألقاب الشرفية مثل الأمير الوراثى. وكان الكاتب الملكى. وكان المسئول عن البنائين.
ونظرًا لإعجابه الشديد به باعتباره مَثله الأعلى والمَثل الأعلى لكل المهندسين المعماريين الفراعنة، شيّد المهندس المعمارى الأشهَر سننموت، بانى معبد الدير البحرى للملكة حتشبسوت، مقصورة للمهندس إيمحتب فوق المسطح العلوى لمعبد ملكته الأشهَر، معبد الدير البحرى بالبر الغربى لمدينة الأقصر. وكان المصريون القدماء يفتخرون بمهارة إيمحتب التى ليس لها مثيل فى الطب والأدب والكتابة والعمارة على مَر العصور. وانتشرت صناعة التماثيل البرونزية المكرسة له فى عصور الحضارة المصرية المتأخرة. واُعتبر المهندس إيمحتب مساويًا لرب الطب عند الإغريق الإله «إسكيلبيوس». وكان الكَتَبة والمثقفون فى مصر القديمة يعتبرونه ربَّهم ومَثلهم الأعلى؛ لذا كانوا يتمتمون باسمه، ثم يهمون بسَكب قطرات من الحبر على أوراق البردى قبل البدء فى عملية الكتابة المقدسة تبركًا به وتخليدًا لذكراه العَطرة وسيرته المُبَجلة.
ولعل خير وأهم آثار إيمحتب الإبداعية الخالدة دومًا وأبدًا هى المجموعة الهرمية الخاصة بالملك العظيم زوسر، صاحب الهرم المدرج بسقارة وفاتح عصر بناة الأهرام، ذلك العصر وصل إلى قمة العمارة الهرمية فى عهد الملك الأسطورى خوفو وهرمه الأكبر فى الجيزة، الذى يُعد العجيبة الواحدة الباقية من عجائب العالم القديم، وكانت البداية مع الملك زوسر ومهندسه العبقرى إيمحتب صاحب هذا المتحف المهم والفريد من نوعه.


حم إيونو

يُعتبر المهندس العبقرى حم إيونو واحدًا من أشهَر المعماريين فى مصر الفرعونية والعالم القديم والتاريخ. ويعنى اسمه «خادم إيونو»، أى «خادم مدينة إيونو»، أى مدينة هليوبوليس مدينة الشمس، وهى منطقة المطرية وعين شمس فى محافظة القاهرة، وذلك؛ نظرًا لأهمية مدينة الشمس فى تلك الفترة من عصر الدولة القديمة وعصر بناة الأهرام.
وكانت مشاركة حم إيونو فى بناء المشروع المعمارى الجبار، هرم الجيزة الأكبر، من أهم إنجازاته المعمارية فى حياته العملية الطويلة التى ساهم فيها فى نهضة مصر الفرعونية من الناحية المعمارية.
ومن الجدير بالذِّكْر، أن حم إيونو، كمُشرف على الأعمال الملكية فى عهد الملك خوفو العظيم، صاحب الهرم الأكبر، قد ساهم فى بدايات بناء الهرم الأكبر، غير أن بناء الهرم قد تم على أيدى المهندس المعمارى المعروف عنخ حاف، الذى كان أيضًا المهندس المعمارى للهرم الثانى بالجيزة الخاص بالملك خفرع، وذلك وفقًا لبرديات وادى الجرف، وهو الاكتشاف الأثرى الذى اعتبره أعظم اكتشاف أثرى فى القرن الحادى والعشرين.
وتوجد مقبرة حم إيونو فى جبانة الجيزة، وهى من أكبر وأشهَر وأهم وأضخم المقابر الموجودة فى هذه الجبانة. وحم إيونو هو واحد من أفراد العائلة المالكة، وهو ابن الأمير نفر ماعت وزوجته «أتات» التى توجد مقبرتهما فى منطقة ميدوم فى بنى سويف. 
ويُعد تمثال حم إيونو الموجود حاليًا فى متحف هلدسايهم فى ألمانيا، واحدًا من أروع الإبداعات الفنية فى مصر الفرعونية. وهو تمثال يمثل حم إيونو جالسًا فى هيئة طبيعية بجسد مترهل كأحد أهم العلامات الفنية فى المدرسة الواقعية فى فن النحت فى مصر الفرعونية قاطبة. وسوف يظل اسم المهندس العبقرى حم إيونو حاضرًا فى ذاكرة مصر والعالم كله؛ بسبب إعجازه الهندسى والمعمارى والعجيبة الوحيدة الباقية من عجائب العالم القديم، هرم الجيزة الأكبر.


عنخ حاف

المهندس عنخ حاف هو المهندس الذى أكمل بناء هرم الجيزة الأكبر بعد المهندس حم إيونو وفقًا لبرديات وادى الجرف. ومن أبرز البرديات المكتشفة فى وادى الجرف مجموعة قطع يزيد بعضها فى عرضه على 50 سنتيمترًا، تكتسب نصوصها أهمية كبيرة؛ حيث إنها تقرير يومى بأنشطة أحد كبار الموظفين المسئولين من العاصمة منف، وهو مسئول عن أحد عن فرق العمل الفنية فى الموقع، وهو المفتش «مرر»، الذى كان يقود فريق عمل مكونًا من عدد كبير من الرجال. وأمدت البرديات بمعلومات عن ثلاثة أشهُر من حياة «مرر» الوظيفية، ما جعلنا نعرف الكثير من الأمور عن حياة الموظفين فى عصر الأسرة الرابعة، ومنها قيام فريق العمل بنقل كتل الحجر الجيرى من محاجر طرة على الضفة الشرقية للنيل إلى هرم خوفو عبر نهر النيل وقنواته.
ونَصُّ البردية يظهر فيه الشهر فى شكل سطر كبير باعتباره عنوانًا، وتحته فى أسطر رأسية خطوط تمثل خانات تفصل بينها، تبدأ برقم اليوم، وتحته فى سطرين رأسيين، تقرير بالنشاط الذى أداه فريق «مرر» فى هذا اليوم. ويشير كثير من الأنشطة إلى أعمال مرتبطة بالأعمال الإنشائية فى الهرم الأكبر وعمليات قطع الحجر الجيرى الجيد من محاجر طرة والمعصرة، التى كانت تستخدم فى كسوة الهرم. وتشير اليوميات أيضًا لتفصيلات ووصف لعملية نقل الكتل الحجرية من موقع المحاجر، «راستاو الجنوبية» و«راستاو الشمالية» لمكان إقامة الهرم عبر نهر النيل والقنوات والترع المرتبطة به. وتشير نصوص البردية إلى أن هذه الكتل كانت تستغرق عملية تسليمها عدة أيام لمنطقة «آخت خوفو»، وهو اسم هرم الملك خوفو.
وتشير تقارير «مرر» لمرور معظم الإجراءات التنفيذية بمركز إدارى هو «را-شى- خوفو»، الذى يبدو أنه كان مركزًا لوجستيًا تتوقف عنده فرق العمل قبل تسليم ما يحملونه فى منطقة هضبة الجيزة. وتشير النصوص إلى أن هذا المركز اللوجستى كان تحت إشراف أحد كبار موظفى الدولة، وهو المهندس العبقرى «عنخ- حاف»، وهو أخ غير شقيق للملك «خوفو»، وكان المشرف على كل الأعمال الملكية. وتؤكد هذه اليوميات أنه ربما كان يقوم بأعمال الوزير والمهندس المسئول عن المشروع القومى لإقامة الهرم فى مراحله الأخيرة. وبالتأكيد كان الهرم فى مراحل إنشاءاته الأخيرة مع اقتراب نهاية حكم الملك «خوفو».
يبدو أن ما يفسر وجود مثل هذه التقارير المهمة فى وادى الجرف أن فرق العمل نفسها التى كانت تعمل فى البرامج الإنشائية للمقابر الملكية كانوا مسئولين عن مشروعات الدولة الأخرى، ومنها أعمال وادى الجرف. وربما كانت هذه الفرق الموجودة فى الموقع معنية بإحضار النحاس من مناجم النحاس بجنوب سيناء، وهو النحاس المستخدم فى تصنيع أدوات كانت تُستخدَم فى الأعمال الإنشائية بالهرم. ويُعد ميناء وادى الجرف من أهم الموانئ فى مصر القديمة؛ حيث انطلقت منه الرحلات البحرية لنقل النحاس والمعادن من سيناء إلى الوادى. وبعد ذلك قام «مرر» وفريقه بعملية غلق موقع الميناء ومغاراته بكتل حجرية ضخمة. وكان هذا فى العام الـ 27 من حُكم خوفو، وهو تاريخ يرتبط بتوقف أعمال استخراج النحاس والفيروز من مناجم جنوب سيناء، وربما يرتبط بتاريخ انتهاء الأعمال فى إنشاء الهرم.
لقد أكمل المهندس عنخ حاف بناء الهرم الأكبر ثم انتقل إلى بناء هرم الجيزة الثانى الخاص بابن أخيه الملك خفرع، فأبدع فى تصميمه وتنفيذه مثلما أبدع فى بناء الهرم الأكبر. ويحتفظ متحف الفنون الجميلة بتمثال نصفى للمهندس عنخ حاف يمثله فى هيئة طبيعية من أروع ما يكون ويكاد ينطق من روعة الإبداع الفنى.