
أسامة سلامة
قصر المشردين
الأسبوع الماضى، خصص البابا فرنسيس قصرًا لإيواء الفقراء والمشردين، القصر كان مملوكًا لعائلة ميلجيورى، التى أعطته للفاتيكان عام 1930، حيث تم تخصيصه لجماعة رهبانية نسائية قبل أن يتم منحه منذ أيام لجمعية خيرية تابعة للفاتيكان هدفها مساعدة الأشخاص الأشد احتياجًا، القصر المكون من أربعة طوابق بنى أوائل القرن التاسع عشر، وتم تجديده وتهيئته لاستقبال سكانه الجدد، حيث يكفى لمبيت 50 شخصًا، وهو مجهز بمصعد يسمح بتنقل المسنين وذوى الإعاقة، وسيقوم متطوعون باستخدام مطبخه لإعداد الوجبات الساخنة وتوزيعها على المشردين الموجودين فى شوارع روما، كما أن المتطوعين سيتولون تعليمهم كيفية استخدام الكومبيوتر والإنترنت، لم يخش البابا من وجود مشردين على بعد أمتار قليلة من ساحة القديس بطرس، ولم يقلق على المبنى الأنيق والتاريخى مما قد يصيبه جراء استخدامهم له، وكان الأهم لديه هو الإنسان، وعند افتتاح المقر تكلم البابا فرنسيس عن الحاجة إلى استعادة الشعور بالمسئولية تجاه الناس الأكثر فقرًا، وهى قضية تشغل باله منذ اعتلائه كرسى الفاتيكان، حيث اهتم على مدى السنوات الماضية بالتعاطف والتواصل معهم، مثلاً احتفل بعيد ميلاده الـ77 مع أربعة مشردين دعاهم إلى تناول الفطور معه، وقام بتوزيع مئات من أكياس النوم على المشردين فى روما، حيث جالت الشوارع حافلة صغيرة محملة بأربعمائة كيس نوم عليه رمز البابا، وقدمت هذه الهدايا لهم لحمايتهم من البرد، وبإذن شخصى منه سمح بدفن مشرد يدعى ويلى هرتيلير فى الفاتيكان، وهو المشرد الأول فى تاريخ الكنيسة الذى يجد مدفنًا فى المدينة التى تضم رفات العديد من القديسين، وبطلب من البابا تم إنشاء أماكن للاستحمام والحلاقة للمشردين، كما أنه التقى 6 آلاف من فقراء أوروبا فى إطار مهرجان «الفرح والرحمة»، واستضاف الحبر الكاثوليكى الأكبر 1500 مشرد على الغداء، مندّداً بلامبالاة المجتمع حيال المعوزين، هذا جزء مما فعله البابا فرنسيس للمشردين، وهو ينادى دائمًا بضرورة تربية الأجيال الجديدة على الاهتمام بهم، ولعل المقارنة بينه وبين رجال الدين فى مصر فى هذا المجال ستكون ظالمة، ورغم ما تقدمه بعض المؤسسات الدينية المصرية من مساعدات للفقراء قل عددهم أو كثر، إلا أن المشردين ليس لهم مكان على أجندتها، وإذا كانت وزارة التضامن سعت إلى حل جزء من مشكلتهم، وقامت بعمل خط ساخن للإبلاغ عنهم، ومن ثم مساعدتهم وإيواؤهم فى بعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة لها، إلا أن التجربة لم تثبت نجاحًا كبيرًا حتى الآن، وما زال المشردون يملأون الشوارع وينامون على الأرصفة، ولا أعرف الأسباب التى لم تؤد إلى نتائج ملموسة، وربما يعود السبب إلى قلة الإمكانيات مقارنة بالعدد الكبير لساكنى الأرصفة، أو بيروقراطية الموظفين وتكاسلهم عن أداء واجبهم المهنى والإنسانى، وفى كل الأحوال فإن المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية قادرة على المشاركة فى هذه المهمة النبيلة، وإنقاذ المئات ممن يفترشون الشوارع من برد الشتاء القارس، لا أطلب من هذه المؤسسات أن تتنازل عن قصر أو مقر تمتلكه لصالح المشردين، ولكن فقط الإحساس بهم ومد يد العون لهم، وأن يتذكروا كلمة البابا فرنسيس «نحن فى حاجة إلى استعادة الشعور بالمسئولية تجاه الناس الأشد فقرًا».