الأحد 27 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
عودة قانون حبس الأفكار

عودة قانون حبس الأفكار


 يبدو أن ما جرى من نقاش وجدل حول الشيخ الشعراوى، الأيام الماضية، والانتقادات التى وجهها البعض له ولبعض آرائه ومواقفه دفعت الدكتور عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بمجلس النواب،  إلى  التقدم بطلب إلى رئيس مجلس النواب الدكتور على عبدالعال، لاستعجال مناقشة قانون تجريم إهانة الرموز التاريخية، والذى سبق أن تقدم به خلال دور الانعقاد الماضى، و لم يناقش وقتها، وحسب تصريحات الدكتور حمروش فى بعض المواقع الإلكترونية «أن القانون له أهمية كبرى فى الوقت الحالى وذلك لتجريم أى إهانة توجه للرموز التاريخية والدينية أيضا».
 وحتى ندرك خطورة هذا القانون الذى يتم الآن محاولة إخراجه من ثلاجة مجلس النواب فإننا نذكر  بنصه:
- المادة الأولى: يحظر التعرض بالإهانة لأى من الرموز والشخصيات التاريخية، وذلك وفقا لما يحدده مفهوم القانون واللائحة التنفيذية له.
- المادة الثانية: يقصد بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة فى الكتب والتى تكون جزءا من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة، وذلك وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية له.
- المادة الثالثة: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف كل من أساء للرموز الشخصيات التاريخية، وفى حالة العودة يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 7 وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه.
- المادة الرابعة: يعفى من العقاب كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات، وذلك فى الدراسات والأبحاث العلمية.
 محاولة إحياء هذا القانون يجب وأدها والتصدى لها من قبل كل المهتمين بحرية الفكر التى كفلها الدستور، والقانون بهذه الصيغة إذا أقره البرلمان  سيصبح سيفا مسلطا على رقاب المبدعين والمفكرين والكتاب والصحفيين والإعلاميين والفنانين، ويسكت كل صوت يحاول النقاش والاجتهاد، ويحول الشخصيات التاريخية إلى آلهة لا يجوز نقدها أو الاختلاف مع أفكارهم، القانون لم يحدد ما هى الإهانة وأحال تعريفها إلى اللائحة التنفيذية والتى يمكن أن تتوسع فى مفهومها إلى درجة تجريم كل نقد أو تقييم أو اختلاف فى الآراء، ولا تقتصر خطورة القانون على هذا فقد جعل كل من وردت أسماؤهم فى كتب التاريخ رموزا، وعبارة «الشخصيات الواردة فى الكتب والتى تكون جزءا من تاريخ الدولة» تفتح الباب أمام عدد لا حصر له  من الشخصيات المختلفة والمختلف عليها  للدخول فى دائرة المحظور نقدهم، مثلا لا يمكن أن تتحدث عن محمد على وأسرته لأنهم جزء من تاريخ الدولة، والملك فاروق لا تستطيع أن  تناقش هل كان ظالما أم مظلوما؟، كما أنه ممنوع تقييم فترة عبد الناصر، أو التعرض لسياسات السادات، أو مناقشة ما فعله مبارك ورجاله وأولاده، ومن المحتمل أن  يغضب أحد فيتقدم ببلاغات إلى النيابة إذا ناقشنا  فترة    العثمانيين أو المماليك   وغيرهم ممن  حكموا مصر فى أزمنة مختلفة، فجميعهم يحميهم القانون لأنهم كانوا جزءا من تاريخ الدولة  وتذكرهم كتب التاريخ، بل قد يمتد الأمر  إلى الفراعنة والهكسوس والرومان،  الأمر  لن يقتصر على حماية السياسيين من الانتقاد، وربما كان المقصود بالدرجة الأولى من القانون  رجال الدين، ولذا  فإن الحبس سيطال المجتهدين الذين يناقشون الأفكار الدينية، ومن يختلف مع آراء بعض المشايخ سيكون مصيره الزنزانة، ومن يطالب بتنقية كتب الحديث مثل صحيح البخارى سيضعه هذا القانون وراء القضبان، ومن يرى أن آراء الشيخ الشعراوى لا تناسب العصر فسيجاور القتلة واللصوص وباقى المجرمين،  ونفس الأمر ينطبق على من يختلف مع رجال الكنيسة وقادتها وباباواتها ومفكريها، وقد يتطور تفسير القانون إلى الفن فمن ينتقد موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب  أو يبدى عدم إعجابه بلحن له أو أغنية لكوكب الشرق أو لا تروقه بعض أغنيات عبد الحليم  أو فيلما ليوسف شاهين أو صلاح أبو سيف وغيرهم من رموز الفن فمن المحتمل أنه يقضى أيامه فى السجن، وفى نفس المنطقة  المحظور الاقتراب منها  يقف أدباء ورياضيون وأطباء وغيرهم ممن نعتبرهم رموزا فى مجالاتهم، وإذا كان مقدم مشروع القانون ومن يسانده حَسَنى النية وغرضهم كما قالوا حماية المجتمع من البلبلة تجاه الأشخاص التاريخية، فإنهم نسوا أو تناسوا أن  هذا القانون يقتل التفكير ويجرم الحوار ويسجن  العلم، ومثلما تصدى  له كثيرون  من المفكرين والمهتمين بالحريات عند طرحه فى المرة الأولى ونجحوا فى إيقافه  يجب أيضا أن ينتبهوا هذه المرة حتى لا نفاجأ بأنه  تم إقراره ونحن عنه غافلون، هذا القانون إهانة لعقول مصر، أرجوكم ارفضوه.