
أسامة سلامة
ممتلكات الدولة المهدرة
«للاستفادة من موارد وممتلكات الدولة» و«حيث إن قطع الأراضى تتميز بأعلى سعر ويمكن استثمارها».
العبارات السابقة جاءت فى الأوراق التى نشرتها نشوى الديب نائبة البرلمان، والتى تضمنت مراسلات بينها وبين وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية، وجاء النشر ردا على اعتراض المثقفين والفنانين على محاولة نقل مسرح البالون والسيرك القومى من مكانهما الحالى بالعجوزة إلى أرض المطار بإمبابة، وهذه العبارات تعنى أن الغرض الأساسى من نقل المسرح والسيرك هو الاستيلاء على الأرض المقامين عليها بحجة استثمارها، رغم أن ملكيتها ثابتة حتى الآن لوزارة الثقافة والتى أعلنت رفضها نقل الكيانين الثقافيين من مكانهما.
لا أحد يرفض الاستفادة من ممتلكات الدولة وتعظيم مواردها، ولكن ليس على حساب الثقافة والفنون، ومن هنا فإنه يمكن الاستفادة فعلا من مبانى وأراضى شاغرة وتحتل مواقع مميزة وسعرها مرتفع للغاية ويمكن أن يتجاوز سعر المتر فيها مثيله فى العجوزة، ومن السهل استثمارها دون أن يكون ذلك على حساب هيئة أو كيان يقدم خدمة للمواطنين، ولعل أبرز مثال على ذلك مبنى وزارة الداخلية والذى يحتل موقعا مميزا للغاية فى وسط البلد، وهو حاليا خال بعد أن تم نقل الوزارة إلى مبناها الجديد فى التجمع الخامس منذ ما يقرب من عامين، وهذه المبانى ملك لوزارة الداخلية، أما الأرض فتملكها محافظة القاهرة، وهى مساحة كبيرة ويمكن استغلالها فى كثير من الأغراض المهمة، وكنت قد كتبت مقالا بعنوان «إهدار مال عام» بعد إخلاء الوزارة وبعض إداراتها لهذا المبنى الضخم مطالبا بالاستفادة منه حتى لا نهدر ممتلكاتنا ومواردنا، وتساءلت: «كيف تستغل المحافظة هذه المبانى الواقعة فى شارعى منصور والشيخ ريحان ويستفيد منها المواطنون؟» وأستأذن فى أن أعيد جزءا من المقال والذى قلت فيه: «عدد غير قليل من أهالى المنطقة يتمنون هدم المبانى وإنشاء حديقة كبيرة على أرضها، لتكون متنفسا لهم، ولتقليل الازدحام فى المنطقة وتخفيض حدة التلوث بها، وهو اقتراح يبدو وجيها وحضاريا، ولكننى أقترح أن يتم الاستفادة من المبانى الموجودة بوضعها الحالى وعدم هدمها، على أن يتم تعديلها وتحويلها إلى مدارس أو مستشفى كبير يخدم المواطنين، قد يقول البعض إن المنطقة مزدحمة، ووجود مدارس جديدة أو مستشفى كبير بها يزيد من مشكلة الزحام ويعقدها، ولكننى فى الحقيقة أفكر فى أبنائنا الطلاب الذين يتكدسون فى الفصول وبعضها يضم 80 تلميذا، وهؤلاء يجب أن نرحمهم فى طفولتهم ونمنحهم فرصة للتعليم والتربية الحقيقية والتى تعيقها وتعرقلها علب السردين التى نطلق عليها مجازا اسم الفصول المدرسية، لقد قال وزير التعليم إن مشكلة التكدس فى الفصول لن تحل قبل عشرة أعوام وهو ما يجعلنا نفكر فى حلول مؤقتة تقلل من حدة الأزمة حتى تمر هذه السنوات العشر العجاف، وقد يقول البعض: وهل تحل هذه المبانى مشكلة التكدس فى الفصول؟ والإجابة لا، ولكن أن نبدأ بحل جزء صغير للغاية منها أفضل من البقاء والانتظار، كما أن إنقاذ عدد ولو قليل من أطفالنا أحسن من تركهم جميعا لمصيرهم المؤلم، وإذا كان من الصعب فنيا تحويل هذه المبانى إلى عدة مدارس فيمكن تحويلها إلى مستشفى عام، تخدم المرضى الغلابة وتحد من مشكلة قوائم الانتظار، وعلى سبيل المثال أمامنا عدة سنوات لكى يتم الانتهاء من بناء مستشفى الأورام الجديد فى مدينة 6 أكتوبر، وحتى يتم افتتاحه فإن أعداد المرضى الذين يحتاجون للعلاج ولا يجدون أسرة فى ازدياد، ولو تم تجهيز هذه المبانى الشاغرة وأمكن استغلالها لأنقذنا حياة عدد غير قليل من المرضى، كما يمكن تحويل جزء من هذه المبانى إلى مستشفى متخصص فى جراحات القلب، وفى كل الأحوال إذا كان من الممكن فنيا تحويل هذه المبانى إلى مستشفى فإننا نكون قد أنقذنا آلاف الأرواح والتى ستعالج فى الغرف التى تحتلها الأشباح حاليا، هذه مجرد اقتراحات ومن المؤكد أنها تحتاج إلى دراسات من شركات متخصصة لكى نعرف كيف يمكن الاستفادة منها وفى أى المجالات؟
ولكن ترك المبانى على وضعها الحالى إهدار للمال العام وهو أمر لا يرضى وزارة الداخلية ولا محافظة القاهرة ولا أى جهة من جهات الدولة» انتهى المقال ويبقى أن أقول: أليس التفكير فى استثمار مبان وأراض شاغرة أو بيعها استغلالا لسعرها المرتفع أولى من هدم ونقل المسرح والسيرك؟