الإثنين 14 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حُماة المجد القديم

حُماة المجد القديم


على مدار تاريخها المُمتد لآلاف السّنين قيّد اللهُ لمصر مجموعةً كبيرةً من الحُكام الأقوياء الذين استطاعوا إنهاء فترات الضّعف والتقسيم وإقامة دولة قوية قادرة على توسيع مساحة الإقليم وقادوا الحملات العسكرية لتأمين الحدود، وكان لكل منهم إسهامه الحضارى والاقتصادى والعمرانى الذى خَلّده التاريخ باسمه، كما جاء من بعد كل واحد من هؤلاء الحُكام مَلك آخر تمكّن من الحفاظ على ما ورثه من مَجد.
فى الحلقات الماضية عرضنا بعضًا من سيرة الأجداد العظام، وفى السطور التالية نستعرض بعضًا من سِيَر مجموعة أخرى من حُكام مصر القديمة الذين صنعوا مجدها الخالد أبدًا الذى لايزال العالم ينظر إليه بإعجاب ويشير إليه بالبنان.


توت عنخ آمون

على عكس الاعتقاد السائد بأن شُهرة المَلك توت عنخ آمون لا ترجع لإنجازات حققّها أو حروب انتصر فيها كما هو الحال مع الكثير من الفراعنة، فإن الحياة العسكرية المصرية كانت مزدهرة فى عهده بفضل رجال دولته وقادته العسكريين العظام أمثال قائد الجيش «حور محب».
على المستوى السياسى اشتهرت حياة  الفرعون الذهبى الملك الأشهر توت عنخ آمون بأنها مليئة بالدراما والصراع بسبب استحواذ مشاعر الحب والغيرة والكراهية والخيانة والتآمُر على البلاط المَلكى وقتها.
وُلِدَ الفرعون الشهير كابن وحيد للمَلك أخناتون، وكان التآمر ضده على أشده فى حياة أبيه من رجال القصر الذين رأوا فى توت عنخ آمون خطرًا كبيرًا يهدد حياتهم وحياة إلهِهِم الأكبر آمون إذا استمر الابن على نفس نهج أبيه فى عبادة الرب آتون المتمثل فى قرص الشمس.
لقد مات الأب المَلك أخناتون فى ظروف غامضة. وحَلّ الاضطراب بأرض مصر وبالقصر المَلكى. وعمت الفوضى البلاد، وصار توت عنخ آتون، ابن السنوات التسع، ملكًا على عرش مصر فى ظروف صعبة. وتزوّج توت عنخ آتون من أخته الأميرة عنخ إس إن با آتون، ابنة أخناتون ونفرتيتى التى فعلت ذلك كى تضمن ألا يخرج العَرش من بين يديها.
ثار الجميع على تراث أبيه أخناتون. ووصفوه بالمَلك المُهرطق أو المارق من تل العمارنة. وأجبروا توت عنخ آتون على تغييره اسمه إلى توت عنخ آمون واسم زوجته إلى عنخ إس إن آمون. وتركَ توت عنخ آمون تل العمارنة. وأصبحت مدينة أشباح ينعق فيها البوم وتسكنها الطيور الجارحة ويملؤها الفراغ والخواء والعدم. وعاد توت عنخ آمون إلى العاصمة التقليدية طيبة. وأدار البلاد من العاصمة الإدارية العريقة «منف».
بدأ قائد الجيش حور محب بنشاط وهِمّة وحماسة لا يُحسَد عليها حملة كبيرة لتدمير آثار أخناتون وإلهه الأشهر آتون. وتحت ضغط الإجبار، بدأ توت عنخ آمون فى سياسة ترميم ما دمّره أبوه أخناتون؛ فأعاد للآلهة الأخرى وكَهَنتها مكانتها، ورجع عن سياسة أبيه تمامًا. وانقلب على أبيه والحزن يعتصر قلبه. وحملت زوجة توت عنخ آمون فى توأم، لكن الحَمل لم يكتمل. ولم يُكتب للفرعون الذهبى أن يُولِد له وريث ذَكَر يرث عرش آبائه وأجداده العظام. لقد كان توت عنخ آمون مريضًا، وكانت عنده مشاكل فى قدميه وساقيه، وكان يعانى من مرض «الفلات فوت».
وبينما كان توت عنخ آمون يتريض فى صحراء منف ويقود عربته الحربية سقط من فوقها، فأُصيبت ساقه. ومات بعدها بفترة قصيرة متأثرًا بتلوث جراحه ومرض ساقيه وقدميه.


حور محب

كان الفرعون والقائد العسكرى حور محب آخر فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشرة  فى مصر الفرعونية. واسمه الكامل حور محب ميرى آمون، ومعناه «حور فى عيد، محبوب آمون»، ولا نعرف الكثير عن خلفية الفرعون حور محب،غير أننا نعرف أنه كان القائد العام لجيش الملك أخناتون. وبدأت أهمية حور محب تظهر في عهد الفرعون الصغير الملك توت عنخ آمون؛ حيث إنه ظهر مصورًا إلى جانب الملك فى مقبرته كقائد عسكرى، التى بناها حور محب لنفسه فى منطقة سقارة قبل أن يصبح حاكمًا لمصر. ولعب دورالمتحدث المَلكى الخارجى باسم مصر. وقاد شخصيّا إحدى البعثات الدبلوماسية لزيارة حاكم النوبة.وبناءً على ذلك، تمت الزيارة التى قام بها حاكم النوبة للملك توت عنخ آمون. وارتفع حور محب فى الأهمية فى عهد توت عنخ آمون، وأصبح القائد العام للجيش ومستشار فرعون للشئون الخارجية.
وكان هناك وزيران لتوت عنخ آمون، وهما الأب الإلهي آى والآخر كان هو القائد العسكرى الجنرال العظيم حور محب. وبعد وفاة توت عنخ آمون، استلم المَلك آى مقاليد الحكم لفترة قصيرة. ثم جاء من بعده عدوّه اللدود ومنافسه الوزير الثانى القائد العسكرى الجنرال العظيم حور محب الذى تم فى عهده التدمير المنهجى لمعظم آثار فترة حُكم توت عنخ آمون والملك آى.
وأعاد حور محب الاستقرار إلى مصر بعد فترة من الفوضى. وضرب بيد من حديد على أيدى العابثين والمفسدين فى الدولة المصرية آنذاك. وكان الملك حور محب أول من وضع تشريعات وقوانين لتنظيم حياة العامة فى التاريخ، واهتم بإصدار العديد من القوانين التى تنظم العلاقة بين الفرد والسُّلطة الحاكمة، وبدأ حور محب سلسلة شاملة من الإصلاحات الداخلية لمنع سوء إساءة استخدام السُّلطة. وقلّل من الامتيازات التى كانت فى أيدى المسئولين وكانت قد بدأت فى عهد أخناتون، وأعاد المركزية والهيبة للدولة. وقضى على الامتيازات التى كانت فى أيدى عدد قليل من المسؤولين.
وكانت سياسة أخناتون قد أفقدت مصر إمبراطوريتها التى أسسّها الملوك العظام تحتمس الأول وتحتمس الثالث، فأعاد حور محب لمصر هيبتها فى الخارج. واختار حورمحب، رفيقه فى الجيش الوزير رمسيس (الملك رمسيس الأول بعد ذلك)، خليفة له على العرش.
حور محب فرعون عسكرى من طراز رفيع جاء لحُكم مصر لضرورة اقتضتها الظروف فى مصر بعد فترة عصر العمارنة المضطربة والخاصة بحُكم أخناتون وخلفائه، وأعاد حور محب الاستقرار للبلاد، وفتح لمصر صفحة من المجد باختياره قائده العسكرى الفذ رمسيس كى يخلفه على عرش مصر باسم رمسيس الأول، فاتحًا بذلك صفحة عظيمة من مجد مصر التليد، وأعنى فترة حُكم الرعامسة، وأولها الملك رمسيس الأول وابنه الملك سيتى الأول وحفيده الملك رمسيس الثانى بطل الحرب والسلام الأول فى التاريخ.


سيتى الأول

يُعتبر الفرعون الشهير سيتى الأول من أعظم وأشهر الفراعنة المحاربين فى عصر الدولة الحديثة والأسرة التاسعة عشرة. وعُرف بـ«من ماعت رع».وهو ابن الملك رمسيس الأول والملكة سات رع. وكان قد حَكم أبوه رمسيس الأول، الذى أسسّ الأسرة التاسعة عشرة،عامين فقط؛ بسبب تقدمه فى العمر وقت اعتلائه العرش، فخلفه سيتى الأول على عرش مصر.
غير أن شهرة ابنه الأشهر نجم الأرض الملك رمسيس الثانى سحبت البساط من تحت قدمى والده الملك سيتى الأول وجعلت كل الشهرة والمجد من نصيب ولده الملك رمسيس الثانى. واسمه سيتى يعنى: المنتسب للرب «ست»، الرب الشهير فى مصر القديمة؛ خصوصًا فى قصة إيزيس وأوزيريس الأسطورية.
وقام الفرعون المحارب العظيم الملك سيتى الأول بتوطيد السُّلطة المصرية في بلاد الشام  فى سوريا وفلسطين. وقاوم الحيثيين الذين كانوا يحكمون منطقة آسيا الصغرى (فى بلاد الأناضول أو تركيا حاليًا) بنجاح وعقد معهم معاهدة سلام وعدم الاعتداء عليهم.
وأقام سيتى الأول العديد من الآثار، ولعل من بين أهمها صالة الأعمدة الكبرى بمعابد الكرنك. وكان قد تم البدء فى تشييدها قبل ذلك، ثم زخرفتها فى عهد سيتى الأول بمناظر طقسية.
ويُعتقد أن الفرعون المحارب سيتى الأول مات دون الأربعين من عمره على عكس أبيه الملك رمسيس الأول وولده الملك رمسيس الثانى اللذين عاشا طويلاً وماتا فى سِن متقدمة.
المَلك سيتى الأول فرعون محارب عظيم حارب وأعاد لمصر هيبتها وعظمتها فى الشرق الأدنى القديم بعد أن كانت قد أوشكت على الضياع فى نهايات الأسرة الثامنة عشرة؛ خصوصًا بعد ملوك العمارنة، وأعنِى الملك أخناتون وخلفاءه. وحقق الملك سيتى الأول مجدًا عظيمًا وشهرة كبيرة، غير أن شهرة ابنه الملك رمسيس الثانى العظيم طغت على شهرة الفرعون المحارب أبيه الملك سيتى الأول.