الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
زعماء «التحرر الوطنى» فى مصر القديمة

زعماء «التحرر الوطنى» فى مصر القديمة


عَبْرَ آلاف السنين خضعتْ مِصرُ لحُكم مجموعة كبيرة من الحُكام الأقوياء الذين استطاعوا إنهاء فترات الضعف والتقسيم وإقامة دولة قوية قادرة على توسيع مساحة الإقليم وقادوا الحملات العسكرية لتأمين الحدود، وكان لكل منهم إسهامه الحضارى والعمرانى الذى خَلَّدَهُ التاريخُ باسْمِه.. فى الحلقات الماضية عرضنا بعضًا من سِيَر هؤلاء الأجداد العظام، وفى السطور التالية نستعرض بعضًا من سِيَر مجموعة أخرى من حُكام مصر القديمة الذين صَنعوا مَجدها الخالد.

كامس

الملك كامس هو آخر مُلوك الأسرة السابعة عشرة فى طيبة، حَكم البلادَ ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، وهو البطل الثانى من الملوك الأبطال أصحاب مَلحمة تحرير مصر من الهكسوس، وجاءنا كفاح هذا المَلك من خلال ثلاث وثائق أكملت كل واحدة منها الأخرى، ما أنتج لنا فى النهاية قصة شِبه كاملة عن ثانى أبطال حرب التحرير. والوثيقة الأولى هى نَص كتبَه تلميذ مصرى قديم على لوح يُعرف بلوح كارنارفون.
الوثيقة الثانية مكتوبة على لوحة تم العثور عليها عام 1928م، وتحكى أن «كامس» ضاق بعد وفاة والده وصعوده على العَرش بالاحتلال الهكسوسى لأرض مصر الطاهرة، فطلب دعوة رجال بلاطه وقادة جيشه كى يشاورهم فى الأمر، فأخذوا فى مدح جلالته والتغنى بشجاعته والإشادة بقوته، فأثارته الدهشة من أقوالهم، ولفت نظرهم إلى موقفه بين مَلكين أحدهما آسيوى يحكم فى الشمال والآخر كوشِىّ يحكم فى الجنوب.
شَعَرَ «كامس» أن رجاله لا يميلون إلى الحرب وأنهم موافقون على الوضع الحالى. غير أنه رفض ذلك وصَمّم على قتال الأعداء. وكان على يقين من أن البلاد كلها سوف تهتف له، وبالفعل تقدََّم الشجاع «كامس» على صفحة النهر الخالد شمالًا حتى وصل إلى بلدة نفروسى (شمال القوصية فى أسيوط) وانتصر على حاكمها الذى كان مواليًا للهكسوس.
الوثيقة الثالثة عبارة عن لوحة كاملة من الحَجر الجيرى عُثر عليها فى معابد الكرنك عام 1954م، وتُكمل أحداث الوثيقتين السابقتين. وتَروى لنا قصة استمرار انتصارات «كامس» على الهكسوس وعن الرعب الذى أدخله جيش مصر العظيم إلى قلوب أعدائنا من الهكسوس المحتلين لأرضنا المباركة. وتقص أيضًا قصة الغنّائم التى حصل عليها من أسْر رسول بَعث به مَلك الهكسوس أبيبى (أو أبوفيس) لتوصيل رسالة منه إلى مَلك كوش فى بلاد النوبة العليا، وفيها يطلب منه المساعدة ومهاجمة مصر من الجنوب أثناء انشغال «كامس» فى حروبه فى الشمال، ثم يُعدد المدن التى استولى عليها.



أحمس الأول

المَلك أحمس الأول هو مُحرر مصر من الهكسوس ومؤسّس الأسرة الثامنة عشرة، عصر الإمبراطورية المصرية المترامية الأطراف فى الشرق الأدنى القديم.
ولم نعثر على وثيقة مَلكية من عَهده تقص علينا قصة طرده للهكسوس، غير أننا عرفنا قصة هذا النضال المجيد من خلال السيرة الذاتية لقائدين من القادة العسكريين لهذا المَلك. وفى هذا ما يؤكد على أهمية السِّيَر الذاتية فى مصر الفرعونية واستخدامها كوثيقة للتاريخ. والقائدان هما القائد البحرى أحمس ابن إبانا والقائد البرى أحمس بن نخبت (أى المنحدر من مدينة الكاب فى أسوان). وسَجَّلا على جدران مقبرتيهما فى الكاب ما قاما به من أفعال بطولية فى الحملات الحربية تحت إمرة أحمس الأول الذى تمَكن بعد سقنن رع تا عا الثانى وكامس من الاستيلاء على عاصمة الهكسوس أفاريس (أواريس) واقتفاء أثرهم شرقًا إلى جنوب فلسطين؛ حيث تحصنوا فى حصن شاروهين المنيع (فى غزة). فقام أحمس الأول بحصار هذا الحصن لثلاث سنوات حتى تمكن من الاستيلاء عليه بعد أن أوقع بهم هزيمة نكراء أظهرت عظمة وبسالة المقاتل المصرى فى مواجهة أعدائنا، وشتت هذا المَلك المقاتل شملهم فى بقاع الأرض واختفوا بعد ذلك من التاريخ ولم يَعُد لهم أى ذِكر وكأنهم لم يكونوا موجودين من قبل.
وفى مَلحمة كفاح شعبنا المصرى الأبِىّ ضد الهكسوس لا يمكن أن ننسى بأى حال من الأحوال دور المرأة المصرية العظيمة فى شحذ هِمَم الرجال وتقديم البطل تلو الآخر دفاعًا عن أرض مصر العظيمة. وفى المقام الأول تأتى الجدة تتى شرى، زوجة سقنن رع تاعا الأول وأم سقنن رع تاعا الثانى، وربما كانت أيضًا أمًّا لزوجته المَلكة إياح حتب. وأشاد بجدته المَلكة تتى شرى أحمس الأول وبأفعالها المهمة لمصر فى لوحة أقامها لها فى أبيدوس، كما شيد ضريحًا لها هناك. والمَلكة الثانية هى إياح حتب، زوجة سقنن رع تاعا الثانى وأم أحمس الأول.
لعبت هذه المَلكة دورًا مُهمًا فى حياة زوجها وولدِها. وتشير لوحة فى معابد الكرنك إلى دورها العسكرى؛ حيث كانت ترعَى الجنود وتهتم بشئون مصر، وأنها قضت على الأعداء. وعُثر فى مقبرتها على بَلطة وخنجر. والملكة الثالثة هى أحمس نفرتارى، زوجة أحمس الأول، التى شاركت مع زوجها فى تكريم الجدة تتى شرى. وكانت خير رفيق لزوجها أحمس الأول فى نضاله حتى تم تحرير مصر من احتلال الهكسوس.
المَلك أحمس الأول موحّد مصر بعد طول تمزُّق وصانع مَجد مصر العسكرى ومؤسّس عصر الأسرة الثامنة عشرة، الذى ألهم خلفاءه بإنشاء إمبراطورية مصرية واسعة فى الشرق الأدنى القديم.
   

أمنحتب الأول

أمنحتب الأول هو ابن المَلك العظيم أحمس الأول من زوجته الشهيرة الملكة أحمس نفرتارى التى ساعدته وتولت الوصاية عليه عندما كان صغيرًا. وهو أول الملوك الذين يحملون هذا الاسم فى الأسرة الثامنة عشرة. ويعنى اسمه «آمون راضٍ أو «آمون سعيد». 
ورث أمنحتب صفات جَدّه وأبيه وقام بأخذ السياسة نفسها فى الداخل والخارج؛ فنراه يخرج فى حملة عسكرية فى بلاد الشام وراء حدود مصر الشمالية الشرقية.
وبالغ المصريون فى تصوير قوة هذا المَلك البدنية؛ فنراه مُصوَّرًا مُمسكًا بأسد من ذيله، ثم يرفعه فى سرعة خاطفة، ويقضى عليه. ورُغْمَ عدم حقيقة هذا التصوير الفنى المبالغ فيه؛ فالأمر يعكس مدى فخر المصريين بقوة مَلكهم البدنية الخارقة والتغنى بشجاعته وبسالته القتالية.
يأتى تقديس العمال لأمنحتب؛ نظرًا لاهتمامه بطوائف العمال ووضْع نظام خاص بالعمل لهم، وقدّم لهم أرزاقهم. ومن ثم جاء تقديرهم لهذا المَلك، محبوب العمال. وأطلق المصريون اسمه على أحد أشهُر العام، الذى كان يقع فيه الاحتفال بذكراه، وهو شهر برمهات فى التقويم القبطى.
لم يقف تقديسه عند طوائف العمال فقط، وإنما امتد تقديسه إلى عدد كبير من النبلاء. وهناك أثر لأحد الكهنة، ويُعرف باسم «حوى»، يقدس فيه أمنحتب الأول وأمّه أحمس نفرتارى وأباه أحمس الأول.
شرع أمنحتب الأول فى توسيع الحدود المصرية؛ فقام ببعض الأعمال الحربية كما علمنا من السِّيرة الذاتية للقائدين العسكريين أحمس ابن إبانه وأحمس ابن نخبت. ووصلت جيوش مصر الباسلة إلى القرب من نهر الفرات.
ونجح فى إخضاع بلاد النوبة وتوسيع حدود مصر الجنوبية ونشر الأمن هناك.
لم يستمر أمنحتب الأول فى حروبه طويلًا وتفرَّغ للبناء والتعمير. ومات دون وَلَد يخلفه على عَرش مصر.