
أسامة سلامة
قرارات البابا التى تأخرت كثيرا
كشفت القرارات التى أصدرها البابا تواضروس بعد مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار عن وجود أزمة تمر بها الرهبنة، واحتياج الأديرة إلى قواعد تعيد لها الانضباط وترجع بالرهبان إلى الضوابط الرهبانية بعد ظهور بعض السلبيات فى سلوك عدد منهم.
ولهذا كانت القرارات حاسمة وأهمها: وقف قبول رهبان جدد لمدة عام، وتحديد عدد الرهبان فى كل دير حسب ظروفه وإمكانياته، وإيقاف سيامة الرهبان فى الدرجات الكهنوتية لمدة ثلاث سنوات، بجانب قرارات أخرى وكلها تصب فى طريق الإصلاح الرهبانى.
البابا لم يكتف بهذا ووجه فى عظته الأسبوعية رسائل مهمة أبرزها حديثه عن الحياة التقشفية التى عاشها الرهبان الأوائل واستمرت طويلا كأساس للرهبنة الحقيقية، قرارات البابا رغم أهميتها ليست كافية من وجهة نظرى، وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من النقاش حول كيفية تجديد فكر الرهبنة، وهو أمر تأخر كثيرا.
فقبل سنوات ليست قليلة من وفاة البابا شنودة كثر الكلام عن الخروج على مبادئ الرهبنة بسبب وجود صراعات بين الأساقفة على خلافته، ووقتها كان البابا الراحل يعانى من تزايد الأمراض عليه ومن المتوقع رحيله فى أى وقت، واستخدم بعض الأساقفة فى صراعهم حينئذ وسائل غير لائقة بالرهبان من أجل إبعاد من يرونهم منافسين لهم، وكانت هناك وشايات ومؤامرات واتفاقات وتخطيط،
(كلها فشلت بعد وفاة البابا وتم انتخاب البابا تواضروس الذى كان بعيدا عن كل هذه الصراعات ولم يكن اسمه مطروحا فى ذلك الوقت)، وعندما ظهرت هذه الصراعات على السطح وتداول الأقباط بعضا من وقائعها كتبت مقالا فى روزاليوسف فى 29 أغسطس 2009 بعنوان «تنظيم الأساقفة الأشرار «بدأته بهذه الفقرة « هناك صراع بين أساقفة مقربين من البابا استخدمت فيه أساليب لا تليق برجال الدين ولا يجوز أن يفعلها من زهدوا الحياة وذهبوا إلى الأديرة تاركين مباهج الدنيا بحثا عن حلاوة الإيمان، فهل ما حدث داخل الكنيسة خلال الأيام الماضية يعبر عن روح الرهبنة وانكسار النفوس وسمو الأرواح؟ أم إن روحا شريرة تمكنت من البعض وجعلتهم يتصارعون من أجل عرض الدنيا.. وإن الشهوات التى تركوها على أبواب الأديرة حينما قرروا بإرادتهم أن يكونوا رهبانا أصبحت تحركهم وتقودهم وبدلا من أن يسحقوها انتصرت هى عليهم.
ولعل السؤال الذى يجب أن يوجه لهؤلاء الذين تمكنت الشرور والشهوات من أنفسهم: إذا كنتم تحبون المناصب وتسعون إليها وتسعدون بنعيم الدنيا وتخططون للفوز بالمغانم والإيقاع بالإخوة والزملاء لماذا تركتم كل ما تملكون وراء ظهوركم؟ ولماذا اخترتم حياة الرهبنة الشاقة وكان بعضكم يملك أموالا كثيرة تركها على أسوار الدير؟ هل كنتم تخططون لذلك عندما اخترتم الرهبنة باعتبارها الطريق إلى المنصب؟ أم أن الشرور تمكنت منكم بعد أن تركتم الأديرة واختلطتم بالناس مرة أخرى وشاهدتم أطايب الحياة وعشتم منعمين ومرفهين تركبون أحدث السيارات وتأكلون أفضل الأطعمة وتجدون تقديساً من الناس أينما ذهبت».
وأنهيت المقال بهذه العبارات « إن هذه التصرفات الشريرة من بعض الأساقفة ينبغى الوقوف أمامها حتى يعود الرهبان إلى طبيعتهم الحقيقية التى طلقت الدنيا وزهدت فى الشهوات، وهو ما يعنى أن منظومة الرهبنة تحتاج إلى دراسة لإعادة تنظيمها، فجميع المصريين يعتزون بالرهبنة ذلك الاكتشاف الرائع الذى قدمته مصر للعالم كله».
هذه الكلمات التى كتبتها وقت البابا الراحل شنودة تصلح لوصف ما يحدث الآن فى زمن البابا تواضروس، وما ينطبق على عدد من الأساقفة ينطبق أيضا على بعض الرهبان سواء كانوا قسسا وقمامصة أو بغير رتب كنسية، ولو كان البابا المتنيح اتخذ مثل هذه القرارات التى صدرت مؤخرا لكان الوضع أفضل كثيرا ،خاصة أن البطريرك الراحل كان يتمتع بكاريزما كبيرة تمكنه بسهولة من السيطرة على الأساقفة والرهبان وتجبرهم على الالتزام بطاعته وتطبيق قراراته، ولكن التقاعس عن مواجهة المشاكل والازامات قادتنا إلى هذا الوضع المؤلم، والذى نتج عنه جريمة غير مسبوقة فى أديرتنا، وأيا ما كان السبب فى المأساة التى وصلنا إليه الآن.
وسواء كان صحيحا أو خطئا، وحقيقة أو مبالغات ما يردده البعض عن أن ما حدث يرجع إلى خلافات فكرية بين البابا شنودة والأب متى المسكين، ومحاولات السيطرة على دير أبو مقار من قبل البابا الراحل بعد وفاة الرئيس الروحى للدير من خلال إلحاق مجموعة من الرهبان بالدير تابعين له ولا يؤمنون بأفكار الأب متى، فالنتيجة بعد أن غادر كلاهما الدنيا وأصبح الاثنان أمام الله خطيرة، و الوضع القائم الآن ينذر بمزيد من الشرور.
ولذلك على البابا تواضروس أن يكمل مسيرة الإصلاح، وأن يواجه بحسم كل من يحاول إيقافه أو تعطيل هذه المهمة المقدسة، كما يجب على كل محبى الكنيسة، والمهتمين بها، والمقدرين لأهمية الرهبنة فى تاريخ الكنيسة وحاضرها ومستقبلها أن يساعدوا البابا على استكمال إصلاحاته الضرورية، من أجل كنيسة قوية ورهبنة عامرة وصحيحة. >