
احمد باشا
استقرار مصر فى حزب يعبر عن كتلة 30 يونيو!
على مشارف الاستحقاق الثانى والأهم فى خارطة الطريق تستعد مصر لاختيار رئيسها عبر انتخاب حر مباشر، وما بين لحظة الثورة فى 30 يونيو الماضى وحتى يومنا هذا جرت مياه كثيرة تحت الجسور وتغيرت الخريطة الإقليمية والدولية وطبيعة التحالفات واختلفت المواقف وتعدلت الحسابات على الأرض!
كانت ومازالت مصر الرقم الصعب فى معادلة الشرق الأوسط وهى فى طريقها لاستكمال مؤسساتها وبنيتها السياسية الداخلية، تتعاظم التحديات الخارجية والداخلية ورغم عبورنا مرحلة الخطر الأكبر على الأمن القومى المصرى إلا أن هناك ملامح للخطورة لا تزال قائمة عبر الحدود المصرية وكذا التحديات الداخلية وفى مقدمتها الإرهاب!
هنا نعيد قراءة المشهد مع د.محمد مجاهد الزيات ذ رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط - ليس فقط للوقوف عليه وتحليله ولكن أيضا لتقديم رؤى وأفكار تستفيد منها الدولة المصرية والرئيس الجديد فى مستوى تعامله مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى، وكذا صياغة تحالف مصرى خليجى وتواجد إقليمى وعبور الأزمة الاقتصادية الطاحنة!
∎ نبدأ غربا حيث تواترت أنباء عن قيام مصر بعملية عسكرية وقائية فى ليبيا للإجهاز على ما يسمى هناك بالجيش المصرى الحر؟
- أشكك فى دقة المعلومات المتداولة حول ما يسمى بالجيش المصرى الحر فى ليبيا.. الموجود هناك هى خلايا تابعة لتنظيم القاعدة التى عملت فى أفغانستان وسوريا التى وجدت بيئة حاضنة فى شرق ليبيا التى كانت ومازالت المعقل الرئيسى لما يسمى بالجماعة المقاتلة الليبية وهو تنظيم يمد روافد الإخوان المسلمين.
هذا التنظيم كان له دور فى إسقاط نظام القذافى مما أوجد له مشروعية داخل النظام واندمجت بعض كتائبه فى الجيش وأصبحت هى المسئولة عن ضبط الحدود مع مصر ولكنها كانت حاضنة لعناصر تنتمى لتنظيم القاعدة وخصوصًا تلك فى بلاد المغرب الإسلامى وكذلك القادمة من سوريا وذلك حتى تتسرب إلى مصر وهى تلقى دعمًا وتمتلك قدرات الحصول على السلاح المتوفر كما ونوعًا فى ليبيا والتى تم تهريب الكثير منه إلى دول الجوار وخصوصا إلى مصر!
∎ لكن خلال الساعات الماضية نشرت لقطات مصورة على أنها استعراض لهذه الميليشيات المسلحة فى ليبيا وتتوعد النظام فى مصر وأنها تلقى دعمًا من الحرس الثورى الإيرانى؟
- مازلت أتشكك فى صحة هذه الفيديوهات وقد يكون جرى تصويرها لجبهة النصرة فى سوريا أو داعش فى العراق ولا ودقة أتصور أن عناصر الحرس الثورى الإيرانى قادرة على العمل فى ليبيا بالشكل الذى يصوره البعض.
∎ هل يأتى هذا ردا على القبض على القيادى «ثروت شحاتة» والذى كان يقود التنظيم فى ليبيا؟
- صلاح ثروت شحاتة هو من كان يقود تنظيم القاعدة فى المنطقة بعد القبض على أبو أنس الليبى وكان مطلوبًا لدى الأمريكان أيضا والأجهزة الأمنية المصرية مكنته من دخول البلاد للإيقاع به والقبض عليه لأنه محفظة أسرار كبيرة للتنظيم الموجود فى ليبيا وكذلك للخلايا الموجودة فى مصر.
∎ نعود للداخل ونحاول رصد خارطة الإرهاب فى البلاد وحقيقة الوضع فى سيناء الآن؟
- سيناء كانت مركز الإرهاب فى مصر بفضل ما أتيح للعناصر الإرهابية من حرية تحرك فى السنوات الثلاث الأخير وبالأخص للقيادى محمد الظواهرى الذى زار سيناء عدة مرات وأعاد تشكيل التنظيم، إضافة للعناصر العائدة من سوريا حيث انتعشت تلك العناصر تنتمى للقاعدة من فلسطينيين ومصريين لكن السلطات المصرية والضربات الأمنية استطاعت أن تقضى على 80٪ من البنية التنظيمية لهذه الجماعات، وكذلك غلق الأنفاق ساهم فى محاصرة العناصر الموجودة فى سيناء وتجفيف منابع التمويل والدعم لها لتتفتت إلى مجموعات إرهابية عشوائية وهو مما يصعب من مواجهتها وهو ما عانت منه لندن وأمريكا من ضربات إرهابية عشوائية استطاع أن يقوم بعمليات إرهابية لمواقع وأماكن حيوية هناك لم تستطع إمكانيات لك الدول مواجهتها!
∎ وماذا عن تنظيم انصار بيت المقدس الإرهابى؟!
- مسميات التنظيمات الموجودة فى سيناء كلها لمجموعة واحدة فالتكفير والهجرة والتوحيد والجهاد وأكناف بيت المقدس وجلجلة جميعا تضم عناصر فلسطينية ومصرية تكفيرية بالأساس من بطنها خرجت مجموعة تسمى نفسها أنصار بيت المقدس ولكن بوصلتها انحرفت لتعمل فى مصر فلم تقم بعملية واحدة ضد إسرائيل بل غالبا هى مخترقة إسرائيليا لمتابعتها وتعمل لصالحها حيث تستغلها الدولة اليهودية للسعى لدى الولايات المتحدة لتدويل سيناء بحجة أنها أصبحت مرتعًا للإرهاب وإظهار عدم قدرة مصر على حمايتها والسيطرة عليها!
∎ كيف تقيم إقدام الولايات المتحدة على إدراجها ضمن التنظيمات الإرهابية؟!
- امريكا التى أدرجت تنظيم أنصار بيت المقدس كتنظيم إرهابى للهروب من اتخاذ موقف ضد عنف جماعة الإخوان لتحول الأنظار عنها ولم تتحدث عن الرابط بين هذا التنظيم والإخوان، وما فعلته أمريكا لا يحقق خدمة كبيرة لمصر لأن أنصار بيت المقدس تنظيم إرهابى معروف وأعلن انتماءه للقاعدة.. فعملية إدراجه تحصيل حاصل وذلك للهرب من مواجهة السؤال الأساسى هل يمارس الإخوان العنف وهل هناك صلة بين الجماعتين أم لا؟!
وفى نفس التوقيت الذى أدرجت فيه تنظيم بيت المقدس امتنعت عن تسليم طائرة الأباتشى التى يتم إصلاحها هناك وكأنها تقول انها تساعد مصر فى مواجهة الإرهاب الموجود فى سيناء إلى سقف معين حتى تبقى مصر منشغلة فى الداخل وغير متفرغة للبناء أو ممارسة دور إقليمى.
∎ كيف نستطيع إقناع الغرب والولايات المتحدة بأن جماعة الإخوان تنظيم إرهابى؟!
- حتى يتم إقناع الغرب بأن جماعة الإخوان تنظيم إرهابى نحتاج إلى التعامل مع الخارج بمفاهيمه حيث يحتاج تقديم أدلة وبراهين واضحة حتى تدحض المشاريع السياسية الموجودة التى تغلب موقفه عليك.. فمع حدوث أية واقعة عليك أن تمررها فالأمر مازال يبدو غير مفهوم لمراكز الضغط على صنع القرار هناك للتغيرات السياسية التى جرت فى مصر وكذلك مخاطبة الرأى العام هناك.
∎ وماذا أيضا علينا من واجبات فى هذا الإطار؟
- حتى يتغير الموقف الأمريكى والأوروبى علينا أن نسير فى إكمال خارطة المستقبل لآخرها وبشفافية.. فالسماح للاتحاد الأوروبى بمراقبة الانتخابات وتوقيع اتفاق معه يعد إنجازا كبيرًا ليس المقصود منه فقط المراقبة ولكنه أول اعتراف رسمى وعملى من الاتحاد الأوروبى بخارطة المستقبل.. إذا أجريت هذه الانتخابات بصورة شفافة وتحت مراقبة ووضوح ودون مزايدات ستكون عبرت الجزء الأساسى وإذا نجح الرئيس عدلى منصور فى إصدار القوانين التى تطلبها المرحلة مثل قانون الانتخابات البرلمانية والقانون الخاص بنسبة الـ 5٪ التى يختارها الرئيس قبل انتخاب رئيس جديد حتى لا تعطى رخصة للرئيس القادم ويتهم بأنه اتخذ قرارات تصب فى مصلحته وإذا نظرنا فى بعض القوانين المطروحة التى تثير الغرب مثل قانون الإرهاب الذى لا أرى ضرورة له فى الوقت الحالى ولدينا من القوانين ما يكفى فلا داعى لإصدار قوانين سيئة السمعة عند الغرب ولا تؤدى شيئا.. عندما نعبر ذلك ونصل لانتخابات برلمانية مفتوحة على أمريكا إعادة النظر فى مستقبل العلاقة خصوصا أنها تعانى ارتباكا كبيرًا فى سياستها بالشرق الأوسط ليس فقط فى العلاقات مع مصر وإنما أيضا فى ملفات سوريا وإيران.
∎ هذا يجرنا إلى ملف مستقبل العلاقات الثنائية المصرية الأمريكية التى شهدت توترًا ملحوظًا رغم استراتيجية العلاقات؟
- العلاقات الأمريكية مع مصر ترتبط بالمعونة العسكرية ومستقبلها محفوف بالمخاطر فالميزانية الحالية للعام الحالى لم تتضح معالمها بعد وأنا فى اعتقادى مراكز الأبحاث الأمريكية المعنية تتحدث عن ممارسة مزيد من الضغوط على مصر واقتطاع جزء كبير من المعونة وتوجيه جزء منه لسيناء وجزء أكبر للحكم الرشيد وعلى مصر أن هذه المساعدات تأتى فى إطار الإطار الأشمل لاتفاقية السلام والولايات المتحدة تعلن بوضوح أن هذه المعونة تندرج تحت الخط الأمريكى للمحافظة على أمن إسرائيل وبالتالى علينا أن نبنى القوى الذاتية.
التساؤل الرئيسى هل هذه المعونة أدت إلى تراكم الخبرة ورفعت من القدرات المصرية فيما يتعلق بالتصنيع العسكرى؟! لا أعتقد ذلك بل إن منع المعلومات سيدفعنى إلى إعادة تطوير القدرات العسكرية فالتحدى يخلق الاستجابة وبالتالى أرى أن أمريكا ستكون مضطرة إلى أن تخفف من ضغوطها طالما مصر ترفض مثل هذه الضغوط وأنا أبدأ فى استرجاع التصنيع العسكرى الذى قد بدأته من سنوات وتنويع السلاح بدأ يزعج أمريكا.
∎ هل الرئيس المصرى الجديد ستكون زيارته الأولى للولايات المتحدة؟
- أنا لا أعتقد أنه سيبدأ بزيارة امريكا على الإطلاق إلا إذا تغير الموقف الأمريكى بشكل كامل.. وأعتقد أن زيارته الأولى ستكون إلى دول الخليج التى وقفت وساندت مصر اثناء وعقب ثورة 30 يونيو لنؤكد أن هناك تحالفا خليجيا مصريا.. إعادة التوازن للساحة الإقليمية يتطلب عودة دور مصر بظهير خليجى قوى خاصة السعودية والإمارات ليحد من الامتدادات التركية والإيرانية فى المنطقة.. هذه الزيارة وهذا التحالف المصرى الخليجى يمكن ان يعطى لمصر أوراق للضغط والمساومة ويحقق لها حضورا فى الإقليم يعلى من قيمتها وهى تتعامل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى باعتبارها دولة ذات وزن مؤثر.
∎ نكأت أزمة أسوان الأخيرة الجرح الجنوبى وصوصا أهالينا فى النوبة وكيف تتعامل الدولة الجديدة مع احتواء الأزمة القديمة؟
- أزمة النوبة ببساطة متناهية أن لهم ثقافة خاصة والتعددية الثقافية جزء أصيل من الشخصية المصرية منذ نشأتها فهم لا يعيشون إلا على ضفاف الأنهار لماذا نمنعهم من هذا ونستجيب لهم، شعب طيب للغاية ولا يخرج على الأمن القومى ويكفى أن لغتهم كانت إحدى الشفرات التى استخدمت فى حرب 73 ولم يتم يومًا من الأيام القبض على نوبى بتهمة التجسس أو التخابر أو التعاون مع الأجانب أليست هذه شهادة إيجابية فى حقهم وأنهم جزء طيب من سكان مصر يحتاج أن نحتضنه خصوصا أن الدستور الجديد أنصفهم ونص لأول مرة على أن يعودوا لأراضيهم فى مدة لا تتجاوز 10 سنوات.
∎ قبل أشهر قليلة من الاستحقاق الأخير الخاص بالانتخابات البرلمانية لم يزل الجدل دائرًا حول النظام الانتخابى؟
- المرجح حتى الآن أنه سيكون نظاما مختلطا قد يكون بنسبة الثلثين للفردى والثلث للقوائم لكن الخلاف الآن حول إعادة تقسيم الدوائر إذا أغلقت دوائر محددة فستغلقها على النوعيات التى أقر الدستور بتمثيلها مثل المصريين فى الخارج وأهالى النوبة والمرأة والمعاقين سيكون لها استثناء معين.
∎ لكن وسط هذا الكم من الأحزاب لن تستقر الحياة السياسية خصوصا أن غالبيتها لا وزن لها؟
- الأحزاب الموجودة على الساحة ليست هى من ننتظرها فى البرلمان القادم ولكن نحن فى انتظار كتلة جديدة تظهر وأعتقد أن كتلة 30 يونيو لابد أن تعبر عن نفسها فى كيان سياسى سواء كان حزبًا أو تجمعًا وإذا لم يحدث ذلك لن يكون هناك استقرار سياسى.
∎ هل يحتاج الرئيس القادم إلى ظهير سياسى؟
- بكل تأكيد.
∎ هل يتطلب ذلك أن يرأس أحد الأحزاب؟
- ليس شرطا أن يرأس أحد الأحزاب ولكن أن يكون له ظهير وكيان سياسى يتبنى ويؤمن بنفس برنامج الرئيس.