الثلاثاء 2 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الفساد الأسود يلطخ الحزب الأبيض!

الفساد الأسود يلطخ الحزب الأبيض!


 
حتى وإن تعثر مشروع الشرق الأوسط الكبير على صخرة ثورة 30 يونيو، فإن الأحداث الداخلية لدول الإقليم تلقى بظلالها وتؤثر فى محيطها، بشكل ينزع عنها الصبغة المحلية ويجعل من متابعتها أمرا حتميا لتداعياته على الأمن القومى المصرى، فما يجرى فى إسطنبول يؤثر فى القاهرة وكذا ما يجرى هنا يتابعه عن كثب القابعون فى تل أبيب.. وهكذا!
 
بين 4 مشروعات تتصارع على قيادة الإقليم، وجدت تركيا ضالتها فى ثورات «النكبة» العربية التى صعدت بجماعات الإسلام السياسى والتى كانت تقبل دون غيرها بالانضواء تحت اللواء العثمانى مجددا.. استيقظت فجأة على تلاشى الحلم وسقوط المشروع، وما تبعه من أزمات داخلية تفجرت بقوة فى وجه الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» ورئيسه «رجب طيب أردوغان» بل والنموذج التركى بأكمله!
 
4 ساعات كاملة بين أوراق ونقاشات مستفيضة لتحليل المشهد التركى الآنى ومستقبله فى ندوة مهمة للمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط وفيها حضر ممثلون عن تيار الخدمة الإيمانية التى أسسها «فتح الله كولن» والذى يمثل وأتباعه ومريدوه شوكة فى حلق أردوغان بعد تصاعد حدة الخلاف والخطابات بين الرجلين!
 
بنى «أردوغان» مجده على أكتاف حزب ذى مرجعية محافظة إسلامية يعتمد على محاربة الفساد كأحد المقومات الأساسية لتميزه وتمريره أواسط الشعب التركى حتى أطلق عليه «الحزب الأبيض» والذى لطخه بفساده الأسود وفساد أولاده ورجالات حكومته وحزبه وما تلاها من تسريبات تفضح الرجل وتستنزف من شرعيته التى أصابتها شروخ لم يفلح معها أى ترميمات!
«أردوغان» بدلا من أن يلملم ما تبقى له من كرامة ونزاهة وشرعية وجه منصة هجومة للدولة العميقة بكل مكوناتها.. بداية من المؤسسة العسكرية والقوى التقليدية من معارضة ومؤسسات اتهمها بعرقلة مشروعه، ومنها انتقل لمهاجمة الدولة الموازية فى إشارة منه إلى خدمة كولن التى تغلغلت فى كل مؤسسات الدولة وتمتلك 2000 مدرسة و20 جامعة متميزة فى مختلف التخصصات منتشرة فى تركيا و160 دولة عبر العالم، كما تمتلك العديد من المؤسسات الإعلامية الكبيرة وحتى الاقتصادية.
 
لقد نشأت هذه الحركة نتيجة خطب الداعية فتح الله كولن الذى أدرك كيفية إعادة تفسير المطالب المعنوية والأخلاقية التى يوصى الإسلام بها المؤمنين، وتحديدًا ليس فقط من خلال نقل التقاليد الدينية ببساطة، ولكن كذلك أيضا من خلال معرفة الطبيعة، أى إعادة معرفة الله وإدراكه فى قوانين الطبيعة والفيزياء.
 
المحسوبون على هذه الحركة لهم حاليا سياستهم الخاصة القائمة بذاتها فى كلّ من الإدارات والشرطة وكذلك أيضا فى القضاء والجيش ووزارة الداخلية، وتهدف هذه السياسة فى المقام الأول إلى إضعاف الحكومة وزعزعة استقرارها وكذلك إلى إطلاق طلقات تحذيرية، وذلك بسبب شعور حركة كولن بالتهديد من حكومة أردوغان، أما فى السابق فقد تعاونت الحكومة وحركة كولن بعضهما مع بعض تعاونًا وثيقًا للغاية من أجل إضعاف النخبة العلمانية فى البلاد خاصة من أجل الحد من نفوذ الجيش فى الحياة السياسية.
 
هناك أسباب عديدة للخلافات الحالية القائمة بين حركة كولن وحكومة حزب العدالة والتنمية المحافظ بزعامة رجب طيب أردوغان.. إذ عملت هذه الحركة على توسيع نفوذها فى أجهزة الدولة وربما أكثر بكثير مما تسمح لها به الحكومة، وفى الوقت نفسه لا تتكوّن حركة كولن فقط من العاملين فى المدارس والكوادر الإدارية، بل كذلك أيضًا من رجال أعمال يرغبون فى جنى المزيد من الأرباح من ثمار الدولة.. أى من المناقصات والأشغال الحكومية ومن تخصيص الأراضى لغرض البناء أو كذلك من برامج دعم التجارة الخارجية، وهذا يعنى أنَّ هناك الكثير من الثروة التى يمكن توزيعها، وحول هذه الثروة اختلف الطرفان أيضًا إلى حدّ ما.
 
وهناك رغبة من الحكومة التركية فى إغلاق مراكز الدروس الخاصة التى أسسها كولن، مما فجر أزمة غير مسبوقة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وجماعة كولن، وبدأت الجماعة تشن حملة انتقادات ضد هذا القرار عبر وسائل إعلامها المقروءة والمرئية مستغلة نفوذها الواسع، بينما ترى الحكومة أن تلك المدارس نظام تعليم غير شرعى لايفيد إلا «أولاد الأثرياء»!
 
عموما مهما بلغ سقف تفاؤلنا فإنه لا يصل أن يفقد حزب أردوغان كتلته التصويتية الصلبة فى الاستحقاقات السياسية المرتقبة وإن كان سيتأثر كثيرا أمام فضائح الفساد.. اللهم إلا إذا تحالفت المعارضة التقليدية عبر حزب الشعب الجمهورى بتوجهاته العلمانية و تيار الإسلام الاجتماعى الذى تمثله خدمة «كولن» وعندها نترك الإجابة مفتوحة للأيام والشهور المقبلة وهى وحدها الكفيلة بالإجابة!!