
احمد باشا
النكتة التى أسقطت مرسى!
النكتة خاطرة تولّد مفاجأة يستملحها المرء فيضحك لها، أما النكتة السياسية تحديداً فى وقتنا الحالى فمقصدها الشحن بطاقة الاستنكار، وشرطها بالتالى هو إحساس المتلقى بأنه واعٍ فطن وقادر على الحراك السياسى.
كانت سلاحا مصريا أصيلا عبر التاريخ.. يصعد عليها الشعب وصولا إلى كرسى الحكم ليأتى بالحاكم الفاشل والفاشى من سابع سما والخسف به إلى سابع أرض تلاحقه الضحكات واللعنات!
المصريون شعب فرعونى بامتياز.. لا يصلح معهم إلا رئيس يملأ عيونهم ويقنع عقولهم وله هيبة فى نفوسهم.. ما دون ذلك ذنبه على جنبه وعليه أن يستعد لأن يكون بطل أكبر حملة «قلش» فى التاريخ!
الإخوان كان قلبهم حاسس.. كشف عن ذلك التسريبات المسجلة لقياداتهم وتابعيهم فى قضايا التخابر وغيرها.. «الشاطر» بدا منزعجا من وصف «الاستبن» الذى طارد مرسى منذ إعلان ترشحه، و«عصام سلطان» اشترك فى وصلة ساخرة عن مرسى مع «خالد مشعل» فما بالك الشعب الذى يتغذى على النكتة ويشرب من خفة دمه!
الفشل يجرى فى دمه، والخيبة مرسومة على ملامحه، وبدلة الحكم على اتساعها يسقط فيها مرسى تائها لا يعرف رأسه من رجليه، يبلل إصبعه بلسانه ليقلب صفحة الآيباد، ويوجه خطابه لأصحاب «التكاتك» حتى إن المصريين قارنوا بين رئيس أسبق ورئيس سابق، وأن مبارك وهو فى القفص شكله أنضف من مرسى وهو رئيس!
«طرطور» بدرجة رئيس، يقود قطيعا من الخرفان لذلك لم يكن مستغربا جماعة الإخوان المسلمين تعلن تأييدها لقرارات مرسى القادمة التى لم يصدرها بعد وتؤكد أنها قرارات حكيمة وتصب فى صالح الوطن حتى إن «مرسى» محاولا أن يكون حياديا لأقصى درجة كرئيس للدرجة التى جعلته لا يتدخل فى شئون الرئاسة أصلا.
عام أسود حكم فيه المخلوع مصر يمكن تلخيص أهم إنجازاته فيما يلى :
∎ أعاد الثقة فى الجيش المصرى والمجلس العسكرى.
∎ أعاد شعبية مبارك بين كثير من الناس، وجعل عشرات الآلاف يشتركون فى صفحة (أنا آسف يا ريس).
∎ ساهم بقوة فى انخفاض سعر الجنيه، وأعان الدولار على الصعود.
∎ ساعد العديد من المستثمرين على سحب استثماراتهم من مصر.
∎ تساوى فى عهده الرجل والمرأة فى السحل والتعذيب والتعرية.
∎ أول من أعطى للربا لقب رسوم إدارية.
∎ أول رئيس مرءوس فى تاريخ مصر.
∎ يطبق صلة الرحم التى أوصانا بها الله عز وجل.. فى تعييناته (ابن أخته نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية).
∎ اختفى فى عهده الملثم الذى يفجر خطوط الغاز.
∎ يُنسب له الفضل فى تحويل الفلول إلى ثوار.
∎ أول رئيس مصرى يرسل لرئيس إسرائيلى خطابات.. ناعمة وقوية وكلها حنية.
∎ أول رئيس مصرى لا يغنى له أحد من المطربين ولا حتى المنافقين، لأنه شخصياً كان يغنى علينا.
∎ يُشعرك دائماً بالأمل فى لغتك الإنجليزية التى مهما كانت رديئة فستكون أفضل من تلك التى يتحدث بها.
∎ أول من دعا قاتلاً للاحتفال بذكرى نصر صنعه ضحيته (راجع احتفالات أكتوبر الأخيرة).
∎ الرئيس الوحيد فى العالم الذى خرج يحدّث شعبه فى حوار (بعد نص الليل).
∎ أول من خلع بالقانون نائباً عاماً مشكوكاً فى نزاهته، ليأتى بنائب عام مشكوك فى نزاهته برضه.
∎ شعر بالحنين لشعب بورسعيد حين قابل «ناس» من شعب بورسعيد فخرج يكلم عبر التليفزيون أهل بورسعيد، فى واقعة لم يفعلها قبله سوى سئيل الندمان فى مسرحية تخاريف (أنا شعبى وحشنى وعايز اكلّمه.. ادّينى الشعب).
المصريون يحصلون على حقوقهم وزيادة بالضحك.. النكتة أقوى من القمع والقهر والفاشية .. المصرى بدلا من أن «يشيل فى نفسه» قادر على أن يحرق دم الرئيس الذى لا يعجبهم كما فعلها مع مرسى!
السخرية السياسية واحدة من أقوى أسلحة الحرب ضد الاستبداد.. الاحتجاجات فى القرن الـ21 بدأت تأخذ شكلاً آخر أكثر فكاهة، وتخلت عن الوجوه العابسة للثورات فى الماضى، لتحل محلها احتجاجات سلمية تتسم بالفكاهة والسخرية، وتدعو إلى تحول عالمى فى أسلوب الاحتجاج بعيداً عن الغضب والعنف.
«النكتة» تكسر الخوف وتبنى الثقة، كما أنها تساعد على جذب جماهير غفيرة.
السخرية تقدم مدخلاً منخفض التكلفة للمواطنين العاديين الذين لا يعتبرون أنفسهم سياسيين، إلا أنهم ضاقت بهم أنفسهم من الديكتاتورية.
الشعوب باستخدامهم للسخرية، يضعون الطغاة فى مأزق، فإما أن ترد الحكومة على الاستفزازات، فتضع نفسها فى موقف مثير للسخرية أكثر من الفعل نفسه، وإما أن تتجاهل السخرية ضدها، وتفتح على نفسها فيضاناً من المعارضة، مؤكدة أنه فى جميع الأحوال ستخسر الحكومة وهذا باختصار عبقرية الشخصية المصرية.
بون شاسع بين السادات كنموذج لداهية سياسية ورجل دولة خبر كيف يتعامل مع النكتة والسخرية الشعبية ويطوعها للصالح الوطنى بعد سيل من النكات التى خرجت على «عام الحسم» الذى أعلن فيه الرئيس الراحل خوض مصر حرب التحرير، وانطلت الخدعة على الإسرائيليين .. وبين «مسخة» قبل أن تكون سيرته «مزحة» على لسان المصريين !
«مرسى» سقط من على عرش مصر بالنكتة قبل أن يجلس عليه .. لم تكن ثورة 30 يونيو سوى الضحكة الأخيرة لفاصل كوميدى طويل مدته 365 يومًا.