الأحد 15 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

مفاوضات دبلوماسية صفرية ومواجهات عسكرية ضارية 3 سيناريوهات لإنهاء حرب الاستنزاف الروسية الأوكرانية

الأزمة الروسية الأوكرانية، التى قلبت القارة العجوز راساً على عقب، اتخذت مسارًا دمويًّا، تغذيه المصالح المختلفة، وتؤججه التدخلات الخارجية، حيث لم تكن مجرد مواجهة تقليدية بين جيشين، بل كانت صداماً حضاريًّا، وجيوسياسيًا، وصراع نفوذ من الجهتين الغربية والشرقية، لكن تبقى سيناريوهات انهاء هذه الحرب متعددة وإن كان مرجحاً استمرارها لأمد أطول فى ظل المعطيات الحالية ما لم يحدث تغيير مفاجئ فى موازين القوى.



وفى خضم تواصل الحرب المشتعلة لأكثر من 3 سنوات على المستوى العسكرى، والسياسى، والاقتصادى.. دخلت الحرب مرحلة جديدة بمشهد يتأرجح بين المفاوضات الدبلوماسية، والمواجهات العسكرية، حول الحرب ببساطة لاستنزاف قاسٍ بين الجانبين.

مفاوضات وإطلاق نيران 

فى الوقت الذى يتآكل فيه الطرفان ميدانياً، تتقد بعض الشموع الدبلوماسية حيث استضافت العاصمة التركية «إسطنبول» جولات جديدة من المفاوضات بين «موسكو»، و»كييف» فى 2 يونيو الجارى.

ورغم إعلان الجانب الروسى والأوكرانى –فور انتهاء المحادثات- عن تبادل وشيك للأسرى، تظل الفجوات كبيرة بين الطرفين بشأن شروط وقف إطلاق النار، نظراً للتباين العميق فى مطالبات الجانبين، ورؤيتهما لحل الأزمة.

تطالب أوكرانيا بوقف إطلاق نار غير مشروط؛ وتبادل الأسرى مع التركيز على الأطفال والجرحى؛ فضلاً عن فرض عقوبات أشد على «روسيا»؛ واستعادة كافة أراضيها، بما فى ذلك «شبه جزيرة القرم» التى سيطرت عليها «روسيا» فى عام 2014. 

فى المقابل، ترفض «روسيا» وقف إطلاق النار غير المشروط، مشيرة إلى مخاوفها من تمكين «كييف» من إعادة تجميع قواتها؛ كما تصر على أن تتخلى «أوكرانيا» عن طموحاتها فى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى (ناتو)؛ بالإضافة إلى تنازلات إقليمية بما فى ذلك الأراضى التى سيطرت عليها «روسيا» فى «أوكرانيا».

حرب استنزاف مهلكة

فى خضم عقد المفاوضات الروسية الأوكرانية، ظلت الجبهة بينهما فى الشمال مشتعلة، حيث شهدت الساحة معارك ضارية بين قوات الجانبين غير مسبوقة فى نطاقها، مخلفة المزيد من الخسائر البشرية والمادية الكبيرة. 

وأكدت القوات الروسية استهداف مدينة أوديسا جنوب غربى أوكرانيا بهجمات كثيفة؛ كما أحرزت القوات الروسية تقدماً فى منطقة «سومي» الأوكرانية؛ بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع أن وسائط الدفاع الجوى التابعة لها أسقطت المزيد من الطائرات المسيرة فوق عدة مناطق خلال الليل.

فى المقابل، أفاد الجيش الأوكرانى بشن هجوم واسع النطاق على القوات الروسية فى «شبه جزيرة القرم»، وأجزاء من «زابوريجيا، وخيرسون»؛ مضيفاً أنه استهدف قاعدة عسكرية روسية جنوبى منطقة زابوريجيا بسرب من المسيرات.. وذلك بعد ساعات من هجوم واسع النطاق بطائرة مسيرة دمرت أكثر من 40 طائرة روسية فى عمق الأراضى الروسية. 

ومع ذلك، فإن اشتعال الجبهة بهذا الشكل، ما هو إلا صورة مصغرة من كارثة أكبر يتعرض لها الجانب الروسى والأوكرانى فى حربهم المستعرة لسنوات، إذ أشارت تقارير لـ»معهد دراسة الحرب» (ISW)- صادر فى فبراير 2025 - إلى تكبد القوات الروسية 48,240 إصابة حتى يناير 2025؛ منوهاً لفقدان القوات الروسية أكثر من 10 آلاف دبابة، و21,100 مركبة قتال مدرعة، فضلاً عن 23,300 قطعة مدفعية منذ بداية الحرب.

فى المقابل، أفاد المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية (IISS)، بمقتل نحو 70 ألف جندى حتى أوائل العام الجارى. 

من جانبه، قال الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكي» فى فبراير 2025، إن أكثر من 390 ألف جندى أصيبوا خلال القتال؛ بينما نوه موقع «أوريكس» المتخصص فى شؤون الدفاع لفقدان أوكرانيا نحو 700 دبابة، و800 ناقلة جنود مدرعة، و900 مركبة قتال مشاة.

 تلك الأرقام- المعلنة فقط- توضح دخول الجانبين الروسى والأوكرانى إلى دائرة مفرغة فى حرب استنزاف منهكة عسكرياً واقتصادياً، فى ظل استقطاب واضح فى الرأى والرؤى لإدارة الحرب والسلام بينهما.

ضغوط دولية 

المشهد العبثى الذى تدور فى فلكه الحرب الروسية الأوكرانية، يأتى فى ظل ضغوط دولية شديدة على الجانبين لوقف الحرب.

من جانبه، أكد الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» على ضرورة التوصل إلى اتفاق؛ محذراً من تقليص الدعم الأمريكى لأوكرانيا فى حال استمرار التصعيد؛ وأشار إلى فرض عقوبات على «روسيا»، ما لم تأخذ المفاوضات على محمل الجد. 

كما هدد «ترامب» الطرفين –أيضاً- بالانسحاب الأمريكى من المفاوضات، ما لم يحرزا تقدماً ملموساً، وعرضهما لمطالب أكثر واقعية، تسفر عن انتهاء تلك الأزمة.

من جهة أخرى، أكد الأمين العام لحلف الناتو «مارك روته»، مواصلة دعم الحلف العسكرى لأوكرانيا، مشيراً إلى أهمية ضمان أمنها فى أى اتفاق مستقبلى.

يأتى ذلك بالتزامن مع مواصلة الاتحاد الأوروبى، وبريطانيا فرض المزيد من العقوبات على روسيا، وتقديم كافة سبل الدعم الممكنة لأوكرانيا على المستوى السياسى والاقتصادى والعسكرى، من أجل ممارسة أقصى أنواع الضغوط على موسكو لإيقاف الحرب.

أين تتجه الأزمة؟

فى ظل ضبابية المشهد الحالى، يشير المحللون السياسيون إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية أمام 3 سيناريوهات مرجحة.

السيناريو الأول، وهو الأكثر احتمالية، هو استمرار حرب الاستنزاف، حيث سيبقى الصراع فى حالة جمود عسكرى، مع ضربات متبادلة عبر المدفعية والمسيّرات، وتباطؤ فى خطوط الإمداد لدى الطرفين. 

ومن المفترض فى هذا السيناريو ألا يحدث تغييرات ميدانية كبيرة، بل سيرتفع كلفة الحرب البشرية والاقتصادية، دون أن يحقق أى طرف نصراً حاسماً. 

ويعزز هذا السيناريو، حدوث توازن نسبى فى القوى الميدانية، فى ظل الدعم الغربى المتواصل لكييف لصد هجمات «موسكو»، واعتقاد (الغرب) أن حرب الاستنزاف هى السبيل لإنهاك «روسيا».

السيناريو الثانى، المرجح حدوثه بنسبة تتراوح بين %25 إلى %30، فهو اتفاق وقف إطلاق نار محدود، يعتمد على ما تؤديه مفاوضات «إسطنبول»، أو أى جهود دولية أخرى إلى وقف إطلاق نار مؤقت يشبه اتفاق «مينسك»، مع خطوط تماس مؤقتة وشروط أمنية انتقالية، دون حل نهائى للنزاع.

ومن المرجح أن يتم ذلك بضغط غربى متزايد على «كييف» للتهدئة، وإنهاك الشارع الأوكرانى من استمرار الحرب دون حسم؛ إلى جانب حاجة «روسيا» لتركيز مواردها داخلياً بعد تآكل اقتصادى محتمل. 

السيناريو الثالث، وهو ذو احتمالية ضعيفة جداً فى الوقت الحالى، هو انهيار أحد الطرفين، وتغيّر فى ميزان القوى، إما عبر تفوق عسكرى مفاجئ، أو انهيار داخلى (سياسي-اقتصادي) فى أحد البلدين. ومع ذلك يبقى هذا السيناريو يتطلب أحداثاً غير متوقعة.

فى النهاية.. تستمر المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا فى مرحلة حساسة، مع وجود تحديات كبيرة أمام التوصل إلى اتفاق شامل؛ بينما يواصل المجتمع الدولى مراقبة هذه التطورات عن كثب، مع التأكيد على أهمية التوصل إلى حل سلمى يضمن استقرار المنطقة.

ومع ذلك، لا تزال العقبات بين الجانبين عميقة، فى ظل إصرار موسكو على المطالبة باعتراف دولى بسيطرتها على المناطق التى ضمتها؛ ورفض «كييف» لأى تسوية لا تشمل استعادة أراضيها بما فيها «القرم».. وهو ما يعزز الإجراءات العسكرية للطرفين فى محاولة لإخضاع الطرف الأخر لمطالبه بالقوة العسكرية، ويغرق الأزمة فى حرب استنزاف.