السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل تنتهى كوارث الشهور الثلاثة الماضية مع دخول الخريف؟ صيف 2023 الأصعب على الإطلاق

أعاصير مدمرة، أمطار غزيرة وفيضانات جارفة، موجات حر متتالية، وحرائق غابات مستعرة.. طقس متطرف غير مسبوق ضرب جميع أنحاء العالم، وظهر جليًا خلال شهور الصيف المنتهى منذ أيام، مع تواصل تداعيات التغير المُناخى الناجم عن الاحترار العالمى، ما أدى لخسائر بشرية جسيمة، وأخرى مادية تقدر بمليارات الدولارات.



مع دخول أول أيام الخريف، أكد العلماء حول العالم أن طقس صيف 2023 كان الأكثر تطرفًا حتى الآن، بالمقارنة مع الظواهر الجوية القاسية التى اشتدت فى السنوات الأخيرة، إذ كان هذا الموسم استثنائيًا؛ حيث تميز بتسجيل درجات حرارة تاريخية، وحرائق غابات غير مسبوقة، وعواصف صارت أكثر عنفًا.

 حرارة غير مسبوقة

كان صيف عام 2023، هو الأكثر سخونة فى التاريخ المسجل فى نصف الكرة الشمالى؛ حيث وصل متوسط ​​درجة الحرارة العالمية إلى 16.77 درجة مئوية، وهو ما يزيد بمقدار 0.66 درجة مئوية عن متوسط ​​الفترة من 1991 إلى 2020.

وقال العلماء إن الحرارة الشديدة، ساهمت فى تفاقم حدة العواصف المحيطية، وحرائق الغابات، والفيضانات والجفاف هذا الصيف، بينما أفادت دراسة أجرتها (مجموعة المناخ المركزية) الأمريكية، أن جميع سكان العالم تقريبًا تعرضوا لآثار تغير المناخ هذا الصيف، إذ شهد أكثر من 90 % من الناس ارتفاعًا فى درجات الحرارة فى الفترة من يونيو إلى أغسطس الماضى، فيما قال نائب رئيس المناخ المركزى للعلوم «أندرو بيرشينج»، إنه: «لم يفلت أحد تقريبًا على وجه الأرض من تأثير ظاهرة الاحتباس الحرارى خلال الأشهر الثلاثة الماضية».

كما ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية فى شهر يوليو الماضى وحده إلى 1.1 درجة مئوية من متوسط القرن الماضى، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوى فى «الولايات المتحدة»، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» إلى وصف أيام الصيف؛ بأنها: «لا تقتصر على نباح الكلاب؛ بل إنها تعض»، أى أن ما حدث ليس مجرد إنذار؛ بل إن تداعيات التغير المناخى بدأت تضرب بيد من حديد، قائلًا: «لقد بدأ الانهيار المناخى».

ففى قارتى «أمريكا الشمالية»، و«أوروبا»، كان من الممكن أن تكون مثل هذه الحرارة المسجلة طوال الصيف «شبه مستحيلة»، لو لم يقم البشر بتدفئة الكوكب بانبعاثات الوقود الأحفورى، وفقًا لموقع «World Weather Attribution»، وهى مجموعة من العلماء الذين يقومون بتحليل كيفية تأثير تغير المناخ على الطقس المتطرف.

من جانبهم، حذر الخبراء من أن استمرار حرق الوقود الأحفورى، سيؤدى إلى درجات حرارة تحطم الأرقام القياسية لحرارة هذا العام، مما يفرض تكاليف صحية واقتصادية واسعة النطاق، بينما حذر الاقتصاديون من التهديد الذى يهدد النمو، إذ وجدت بعض الأبحاث أن الحرارة الشديدة تكلف الاقتصاد الأمريكى وحده 100 مليار دولار سنويًا، وهو رقم يمكن أن يرتفع إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2050.

 حرائق الغابات المستعرة

اندلعت حرائق غير مسبوقة فى ظروف الصيف القاسية، إذ أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى خلق ظروف أكثر جفافًا، مما يسمح للحرائق بالاشتعال بسهولة أكبر، والانتشار بشكل أسرع واسعة النطاق.

وقبل التطرق عن أبرز كوارث الحرائق هذا الصيف التى التهمت عشرات الملايين من الأفدنة فى كل من «أمريكا الشمالية، وأوروبا، وشمال إفريقيا»، يذكر أن تداعياتها أدت إلى تعريض مئات الملايين من الناس لجسيمات سامّة محمولة جوًا وانخفاض جودة الهواء لمئات الأميال. 

فعلى سبيل المثال، وصل الضباب الدخانى الناجم عن حرائق الغابات فى مدينتى «كيبيك، وأونتاريو» فى «كندا» إلى أكثر من مائة مليون أمريكى فى شمال شرق البلاد، والغرب الأوسط، ووسط المحيط الأطلسى، مما ساهم فى أسوأ تلوث للهواء على الإطلاق فى العشرات من المدن الأمريكية، وذلك بعد أن سجلت الأرضى الكندية أسوأ موسم لها على الإطلاق فى حرائق العابات، أدت إلى مضاعفة «كندا» لرقمها القياسى السابق لانبعاثات الكربون الناجمة عن حرائق الغابات، وفقًا لخدمة «كوبرنيكوس» لمراقبة الغلاف الجوى.

فأكدت «كوبرنيكوس» أنه اعتبارًا من نهاية شهر يوليو الماضى، بلغ إجمالى انبعاثات الكربون المقدرة لحرائق الغابات هذا العام ضعف إجمالى انبعاثات الحرائق الكندية السنوية المقدرة لعام 2014؛ حيث بلغ إجمالى انبعاثات الكربون الناجمة عن حرائق الغابات فى البلاد نحو 290 ميجا طن، فى حين أن الرقم القياسى السابق المسجل فى عام 2014 بلغ 138 ميجا طن.

جاء ذلك، بالتزامن مع الحريق الذى اندلع فى جزيرة «ماوى» بولاية «هاواى» الأمريكية، وهو أشد حرائق الغابات فتكًا ضربت «الولايات المتحدة» منذ أكثر من قرن؛ حيث دمرت أكثر من ألفَى مبنى والعديد من المنازل، ما دفع الرئيس الأمريكى «چو بايدن» إلى إعلان حالة «الكارثة الكبرى» فى الولاية.

أمّا حرائق الغابات فى «أوروبا».. فرغم اجتياحها عدة مناطق فى كل من دول «فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا»، وغيرها؛ فإن «اليونان» شهدت هذا الصيف أكبر حرائق غابات مسجلة على الإطلاق فى «الاتحاد الأوروبى»، مسجلة أقوى موجة من انبعاثات من تلك الحرائق. 

 فيضانات نادرة جارفة

أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى هطول أمطار قياسية فى جميع أنحاء العالم.. ففى «الهند»، تسببت الأمطار الموسمية فى مقتل أكثر من مائة شخص، فيما شهدت «الولايات المتحدة»- أيضًا- أمطارًا غزيرة وأسوأ فيضانات منذ قرن من الزمان، وتحديدًا فى ولاية «فيرمونت»، وأجزاء من ولاية «كنتاكى»، التى سجلت أعلى إجمالى لهطول الأمطار على الإطلاق لمدة 24 ساعة، وفقًا لهيئة المحيطات والغلاف الجوى الوطنية (NOAA)، ناهيك عن تعرض مناطق من «الصين» و«تايوان» لإعصارين متتاليين فى أقل من أسبوعين، وهما إعصارا «ساولا، وهايكوى» اللذان تسببا فى أضرار كبيرة فى البلدين، وبعض المناطق بالبِلدان المجاورة لهما فى جنوب شرق «آسيا».

إلا أن كارثة هذا العام تجلت فى تداعيات العاصفة «دانيال»، التى ضربت شرق الأراضى الليبية، والتى تعرضت لكارثة حقيقية وغير مسبوقة بتاريخها، بعد أن فقدت مدينة «درنة» المنكوبة ربع مساحتها تحت مياه البحر المتوسط، وشهدت بقية المناطق بالمدينة دمارًا وخسائر بشرية تقدر بالآلاف، بعد انهيار سَدّين، ما دمر مناطق وأحياء بأكملها، فيما جرفت المنازل بمن فيها إلى البحر، كما سقط عدد كبير من الضحايا، بينما لا يزال آخرون مفقودين، وتحت الحطام والركام حتى الآن.

 ارتفاع حرارة البحار والمحيطات

ارتفاع درجات الحرارة لم يؤثر على اليابسة فحسب؛ بل ألقى بظلاله على مياه البحار والمحيطات؛ حيث حطمت درجات حرارة فى البحر- أيضًا- أرقامًا قياسية هذا الصيف، إذ قدرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوى (NOAA) أن أكثر من 40 % من محيطات العالم تشهد ما يسمى بموجة الحرارة البحرية؛ حيث وصل متوسط درجة حرارة سطح المحيط العالمية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

وعليه؛ تتعرض النظم البيئية الحيوية للخطر ما أثار مخاوف من حدوث موت جماعى مزعزع للاستقرار البيئى فى البحار، بينما لا يزال تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد المجتمعات الساحلية والاقتصاد العالمى. 

فيمكن أن تكلف أضرار الفيضانات الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر ما يصل إلى 50 تريليون دولار سنويًا فى جميع أنحاء العالم، أو نحو4 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD).

وتصف الأمم المتحدة ارتفاع مستويات سطح البحر بأنه «أمر مضاعف للتهديد» الذى يمكن أن يولد عواصف، أعاصير، وفيضانات أكثر خطورة. 

 الطقس بالمستقبل القريب

تتزايد التوقعات- بناءً على ما هو قائم- الآن أن ترتفع درجات الحرارة أكثر خلال السنوات المقبلة، ما لم يلتزم العالم بتعهداته المُناخية.

فحذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن درجات الحرارة العالمية، من المرجح أن ترتفع إلى مستويات قياسية فى السنوات الخمس المقبلة، تغذيها الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحرارى وظاهرة النينيو المناخية. 

كما أفاد تقرير للمنظمة صدر فى مايو الماضى بوجود احتمال بنسبة 66 % أن يتجاوز متوسط ​​درجات الحرارة السطحية السنوية بين عامى 2023 و2027 أكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة لمدة عام واحد على الأقل، ما يفاقم من خطورة وتطرف الطقس بشكل واسع النطاق.

بشكل عام؛ أدى 3 شهور من فصل الصيف القاسى، وارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق إلى التأثير على كل دول العالم؛ حيث لم يسلم أحد من تداعيات التغير المُناخى من الأمريكتين إلى أقصى الشرق الآسيوى، مرورًا بأوروبا وإفريقيا، مخلفة وراءها الكثير من الضحايا والخسائر.. ويبقى التساؤل: هل يواصل فصل الخريف الحالى مسيرة طقس الصيف المتطرف، فى ظل تواصل التغير المُناخى؟!