الإثنين 3 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
وصف مصر.. الآن

وصف مصر.. الآن

أعتقد أننا نحتاج الآن إلى دراسات موسعة وجادة.. علمية وعميقة، حول كل التغيرات التى حدثت فى بنية واتجاهات وشخصية المجتمع المصرى -وهى كثيرة - فما نعيش فيه الآن ليس أبدًا هو نفس المجتمع الذى كان موجودًا قبل خمسة عشرة عامًا فضلًا عن تغيرات مهمة سابقة حدثت منذ بداية الألفية ولا أظن أنها أخذت حقها من الرصد والدراسة، وهو ما يعنى أننا تقريبًا أمام مجتمع آخر لا نعرفه يفاجئنا دائمًا بظواهر وأحداث وسلوكيات نتعامل معها بردود الفعل بينما تظل الأسئلة المتراكمة حول الدوافع والأسباب وطرق التعامل والعلاج بلا إجابات، أو على أفضل تقدير تُطرح لها تشخيصات وإجابات فردية أو اجتهادية حسب كل موقف يفاجئنا، ثم  تتكرر المواقف أو تستجد فتتكرر الاجتهادات.. وهكذا نظل فى دوامة مستمرة دون تأصيل أو رؤية شاملة وممتدة تحدد من نحن؟ وماذا حدث لنا ؟ ليظل السؤال الأصعب والدائم الذى لا يغيب عنا جميعًا على اختلاف أحوالنا ومواقعنا هو : إلى أين نحن ذاهبون؟



أعلم وأثق أن لدينا أساتذة كبار فى علم الاجتماع بكل فروعه، وأتصور أن بعضهم أنجز دراسات مهمة عن جوانب فى المجتمع المصرى وأن مراكز بحثية قد يكون منها ما هو تابع للدولة قامت بذلك أيضًا.. ولكن :

أولًا - أين هذه الدراسات ؟ بمعنى هل هى متاحة ومنشورة على نطاق واسع وبكل الوسائل؟ أم أنها فى الأدراج وعلى أرفف المكتبات المتخصصة أو داخل مراكز صناعتها ولا يصل إليها إلا من يبحث عنها فقط ؟

ثانيًا - هل هى شاملة وكاملة وضمن مشروع بحثى كبير تحدد نتائجه ما هى مواصفات المجتمع المصرى الآن ؟ وماذا يعنى ذلك ؟ وكيف نعالج أمراضه وتشوهاته ؟ وما هى وسائل التعامل مع ما طرأ عليه بحيث يمكن البناء على ما استجد فيه من مميزات وتطور ومواجهة ما أصابه من انتكاسات وشذوذ ؟

فى تقديرى فإن شمول هذه الدراسات -الآن وبالذات- ضرورة وإتاحتها مجتمعيًا احتياج لا بديل عنه، فلا معنى للحديث عن «الوعى» والإدراك العام  ناقص أو غائب أو مغيب.. ولا قيمة لدراسات -إن كانت موجودة- لا يعلم بها إلا من طلبوها أو من قاموا بها أو من بحثوا عنها، فالمجتمع بكامله هو الطرف الأصيل والمعنى وصاحب المصلحة وهو مثل مريض تنهكه أعراض مزمنة ومستحدثة ولا يعرف لها سببًا أو هوية فأصبح -كما هو الحال الآن- حاملًا للمرض وناقلًا له فى عمق مفاصل الدولة وبنيانها.

الخلاصة هنا أننا أمام ثلاث محددات أساسية للنجاة :

- مشروع بحثى شامل لدراسة المجتمع علميًا.

- تبسيط وتصنيف ما يتم الوصول إليه من توصيف وأسباب ونتائج وإتاحته على أوسع نطاق عبر شروح ونقاشات بداية من المدارس والجامعات والمؤتمرات ووصولًا إلى وسائل الإعلام بكل أنواعها.

- شجاعة فى المواجهة ووضوح فى العرض ومشاركة كاملة لجميع الأطراف من عموم الناس بكل شرائحهم إلى المتخصصين والأساتذة والمسئولين.

لقد تعرضنا على مدى ربع قرن كامل إلى أحداث وحوادث جسام وأضيفت إلى كتلة المجتمع الحرجة كتلة جديدة تكاد تشكل مجتمعًا موازيًا عددًا وتأثيرًا وتأثرًا، تكونت وتعايشت وتفاعلت وتكونت عقيدتها الاجتماعية فى ظل مناخ صعب ومربك وتحديات غير مسبوقة.

 وبالتأكيد فإننا منذ 2011 على الأقل لم تكن لدينا جميعًا فرصة ولا مساحة لنتوقف ونراجع وندرس ونتناقش لنعرف كيف وأين يجب أن نضع خطوتنا التالية.. كيف نتعامل مع بعضنا البعض؟ كيف نقبل اختلافاتنا ونديرها كأجيال وكشرائح اجتماعية وكثقافات وانحيازات متباينة ومتناقضة أحيانًا؟ كيف نخلق مساحات ومصالح مشتركة.. كيف نعالج اختلالاتنا ونواجه ما فُرض علينا من تحديات نفسية واجتماعية وتكنولوجية عابرة للحدود والجنسيات؟

إن كنا نريد عودة الوعى حقًا علينا أن نفعل ذلك.. الآن وليس غدًا.