الجمعة 26 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
أسرار أمنحوتب الثالث فى المتحف الكبير

أسرار أمنحوتب الثالث فى المتحف الكبير

لعل ما يحدو بالكاتب لسرد هذه السطور ليس فقط افتتاح المتحف المصرى الكبير أو لضخامته وثراء معروضاته بقدر ما يمثل هذا المتحف نقلة نوعية وحضارية كبيرة تعزز من قوة مصر الناعمة فى الثقافة والعلوم على مستوى العالم. بل إن عددًا كبيرًا من القطع الأثرية المعروضة بالمتحف الكبير من اكتشافات البعثات المصرية والأثاريين المصريين على مدار العقود المنصرمة، وهو ما يستحق أن يقال عليه من الموقع إلى المتحف، لذا يتناول الكاتب استعراضًا لواحد من أهم معروضات المتحف الكبير وهو تمثال مزدوج، يمثل الملك أمنحوتب الثالث جالسًا مع حورس بن إيزيس، عُثر عليه بحفائر البعثة المصرية شمال غرب معبد أمنحوتب الثالث بغرب الأقصر -ممنون- (التى شرفت بأن أكون واحدًا من فريق عملها 2009-2010) وهو معروض الآن بقاعة الدولة الحديثة بالمتحف المصرى الكبير تحت رقم (GEM 45833) وهو ما يمثل فخرًا وإعزازًا لفريق العمل بالبعثة تحت قيادة أ.د/ زاهى حواس بأن يكون هذه التمثال ضمن معروضات افتتاحية المتحف الكبير.



للوهلة الأولى تبدو من ملامح وجه الملك أمنحوتب الثالث أنها كانت ملامح غير المعتادة التى دائمًا ما توضح الملك فى أبهى صورة وعنفوان شبابه، ولكن نُحتت ملامح الملك وهى فى حالة إعياء شديدة تبدو على وجنتيه وشفتيه علاوة على وجهه النحيل. وربما تبرر حالة الإعياء هذه أن الملك أمنحوتب الثالث عانى فى أواخر أيامه من مرض عضال أودى بحياته، وهو ما يبرر وجود ذلك العدد الهائل من تماثيل سخمت من الجرانيت الأسود والتى كانت توضع بين أساطين صالة الأعمدة بمعبده فى طيبة، بواقع تمثال سخمت خلف كل تمثال للملك أمنحوتب الثالث، ومن أهم الألقاب التى نقشت على ظهر التمثال لقب (sA mr) والذى يشير إلى تحول الميت إلى أوزير، وهو غالبًا ما يشير إلى معرفة العامة والخاصة بدنو أجل الملك، وهو ما يشير أيضًا أن هذا التمثال قد يكون آخر تمثال نحت فى حياة الملك وقبل وفاته.

يلاحظ الإطار العام لوجه التمثال بجبهة عريضة وذقن مدبب وعينين صغيرتين. تلك المواصفات التى تستدعى إلى الأذهان تماثيل الفئة الفنية الأولى الخاصة بالملك رمسيس الثانى وعلى رأسها تمثاله الشهير بمتحف تورين رقم (1380)، بل زاد التمثال محل الدراسة بأن نُحت بشفتين عابستين لأول مرة فى تماثيل أمنحوتب الثالث.

أما عن مادة التمثال فقد نُحت هذا التمثال من الجرانيت الأحمر ما عدا وجه التمثال ذاته فقد تميز باللون الأسود رغم أن التمثال كله من كتلة واحدة. وأغلب الظن أن ذلك اللون الأسود (رمز أوزير) على وجه الملك نفسه مع ملامحه المريضة التى تعكس شدة الألم ما هى إلا بادرة النهاية للملك، وقد يكون هذا التمثال هو آخر ما نُحت للملك فى حياته. وعلى ذلك فإن الجرانيت الأحمر الذى منه التمثال ما هو إلا رع المشرق المتجدد، أما اللون الأسود من الجرانيت على وجه التمثال فما هو إلا رمز الموت وبداية التحول إلى أوزير، وهو ما يشير إليه لقب (sA mr) وفى رمزية الأمر هى دورة متكاملة فيما بين المعبودين رع وأوزير على وجه وجسد الملك أمنحوتب الثالث الذى يمثل الموت والحياة والتجدد.

أستاذ الآثار المصرية - كلية الآثار- جامعة أسوان

(عضو البعثة المصرية بمعبد أمنحوتب الثالث غرب الأقصر)