الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كورونا.. شروق وغروب أمريكا

كورونا.. شروق وغروب أمريكا

عندما نفهم كيف سقطت الإمبراطورية الرومانية تحديدًا - وربما قد سقطت كل الإمبراطوريات بذات الطريقة - فلا يجب أن نتجاهل الخبر الطازه، الخبر المستجد عن كورونا المستجدة، تلك التى راحت تضرب للمرة الثانية وبعنف أشد من الأولى بعض الإمبراطوريات الثابتة وتلك الغاربة منذ قرون.. هل تبدو الآن مقصودة؟ ربما، ولم لا؟، وهى نظرية مؤامرة بالمناسبة. 



فأمريكا، الإمبراطورية التى تخايل نفسها فى مرآتها لا تزال، لتقول لنفسها: أنا حلوة، أنا جدع، وبذات المرآة تخايل عيون العالم بالضوء الكاذب، تلهو بالمرايا كى تعكس الوجع الذى يعتريها أو تضبب به عيون العالم، العالم الذى بات متأكدًا أن الذى لا يقرأ التاريخ القديم أعمى كمن ينظر من الغربال (وميشوفش).

كانت روما إمبراطورية عظمى فى القرن الثانى حتى عصف بها فيروس غامض سرعان ما صار جائحة تحصد كل يوم 3000 روح، ولما مات عُشْر عدد مواطنيها آلت إلى السقوط، بعض العماء وبعض الذين كتبوا تاريخها صعودًا وهبوطًا قالوا إن الشعب لم يستطع أن يثق فى آلهة تتركه يموت يوميًا بالآلاف هكذا، كفروا بها واستقبلوا المسيحية برضا واطمئنان، وسقطت روما. 

تلك الأعداد من المصابين والوفيات المتزايدة مع الانتشار الثانى لجائحة كورونا فى أمريكا وفرنسا وبريطانيا يجب أن تُقْرَأ  بطريقة تفكيك النص الأدبى، وليس الدينى ولا السياسى، نعم يُقْرَأ بسهولة هكذا، لأن النصوص الأدبية الملهمة تعترف بنظرية المؤامرة ولا تعترف بنظرية دارون التى ترى أن كل الكائنات الحية قد تطورت وأخذت أشكالًا أخرى ليست على هيئتها الأولى، الأدباء ليسوا كالسياسيين، الأدباء الذين تطورت خلاياهم لا يرون أن خلايا بعض البشر تخضع لنظرية دارون.

ثمة حادثة شديدة الدلالة نُشِرَت فى الصحف الأمريكية هذا الأسبوع، نُشِرَت على استحياء أو ببساطة مسفة لا تلوى على شىء عن المواطن الأمريكى الأسود والمشتبهة به «Donald Neely» دونالد نيلى، صاحب الصورة الشهيرة المنتشرة على مواقع التواصل منذ العام الماضى، والمربوطة كفّاه فى حبل يجره شرطى أبيض فوق حصان، لم يتم قتله بالرصاص كباقى جنسه الأسمر، بل جره كالأبقار أو الكلاب بحبل فى شوارع نيويورك، هذا الأسبوع وبعد عام من الحادثة قام دونالد برفع قضية على الضابط وطالب بمليون دولار كتعويض عن الإهانة النفسية التى تعرض لها، وإذا أردت أن تفكك هذه الحكاية بطريقة النص الأدبى ستعود إلى تاريخ المجرمين الذين استوطنوا أمريكا بعد كولومبوس وليس قبله، تاريخ القارة الأمريكية مبتدعة نظام الرق والعبودية، صاحبة أكبر نظريات فنية فى تعذيب العبيد منذ أن احتل أرضها المستعمر الإنجليزى وطرد وقتل واغتصب وسرق سكانها الأصليين الذين استوطنوا المكان قبله بآلاف السنين، ستثبت لك نظرية دارون كذبها البين، إذ لم تتطور الخلية الأمريكية منذ القرن السابع عشر وحتى الآن. على نفس خلقها الأول، حينما كانوا يستعبدون السود ويوسمون الأفارقة بختم مكوى بالنار فى باطن الكف وعلى الكتف أو الظهر، هويةً أو إذلالًا، تحديدًا منذ العام 1846 وحتى هذا اليوم، لم تنتهِ العبودية، التى تتجدد ذاكرتها كل عدة أعوام، والتى علا صوتها منذ مقتل جورج فلويد والذين قُتِلوا.

أمريكا التى أرادت أن تكون إمبريالية وفشلت فى أن تكون إمبراطورية ذات ثقافة وتاريخ إنسانى مُعَلّم، ضارب فى جذر البشرية كبعض الإمبراطوريات الزائلة رغم أخطائها التى تصل إلى حدود الجرائم، لكنها علّمت البشرية مالم تكن تعلم فى العلوم والفلك والتاريخ والأدب والسينما، حتى السينما الأمريكية الجبارة سقطت بامتياز حينما سقط صانعوها وأبطالها الرائعون المحبوسون فى مستنقع شبكات الجنس والجاسوسية، هوليود التى لم يتبق منها سوى (شوية) أفلام حلوة يقبع صانعوها خلف الجدران وينتظر الباقون مصيرهم المحتوم بالسجن أو التجاهل الجماهيرى.

هل تنهى جائحتىّ كورونا والعبودية تحديدًا هذهٍ الإمبراطوريةَ الأمريكية؟ نعم، ولِمَ لا؟ 

هل تعيد نتائج الانتخابات الأمريكية الشهر القادم ترتيب ما تفكك من أدواتها وإصلاح المعطوب أم سيكون مصيرها المخازن للتكهين التاريخى أو البيع بأكوام الخُردة ؟