السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. هل اشتعلت تعاطفًا مع الفلسطينيين أم رفضًا لقمع المتظاهرين؟ احتجاجات طلاب أمريكا.. عملية تجميل فاشلة لوجه قبيح

الطريق الثالث.. هل اشتعلت تعاطفًا مع الفلسطينيين أم رفضًا لقمع المتظاهرين؟ احتجاجات طلاب أمريكا.. عملية تجميل فاشلة لوجه قبيح

توقف العالم بانتباه أمام حراك طلابى مؤثر فى الجامعات الأمريكية، كان قد بدأ هادئًا منذ نوفمبر الماضى، وتصاعد تدريجيًا مع انفضاح كذب الرواية الإسرائيلية لأحداث طوفان الأقصى، وسيادة الرواية الفلسطينية والعربية التى كشفت زيف وخداع حجج نتنياهو وجماعته من أشر متطرفى الدولة الصهيونية، والذين استغلوا ما جرى فى السابع من أكتوبر، لارتكاب أبشع الجرائم فى حق الشعب الفلسطينى داخل قطاع غزة وبعض مدن الضفة الغربية، ولا تزال ممارستهم الوحشية تتصدر نشرات الأخبار، وتشعل غضب من احتفظ بإنسانيته من دول العالم الغربى، لم يوقفها الاصطفاف الدولى والذى بلغ ذروته خلال الشهرين الأخيرين، بعد نجاح اللوبى العربى فى انتزاع قرار من مجلس الأمن بالوقف الفورى للقتال فى غزة، بعد ثلاث مرات استخدمت فيها أمريكا حق الفيتو لحماية ربيبتها إسرائيل، التى سددت عنها كل فواتير الحرب فى غزة بسخاء غير مسبوق، تخطى فيه بايدن حدود المعقول، فضحى بأبرز ملامح الحضارة الأمريكية، رافضًا هدية طلاب جامعاته لتجميل وجه بلاده القبيح الذى سودته إسرائيل، قامعًا حرية التعبير فى بلد «تمثال الحرية»، قلعة الديمقراطية وحقوق الإنسان.



 

 هل بدأ الربيع الأمريكى؟

منذ مطلع شهر إبريل، اشتعل حماس الطلاب مع تمادى جيش الاحتلال الصهيونى فى حصد الأرواح والتوسع فى المجازر ضد الأبرياء من المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء، وتأجج الحراك الطلابى فى الأسبوعين الأخيرين بفعل خشونة استدعتها بعض إدارات الجامعات، ونفذتها الشرطة الأمريكية بعصبية غير مبررة، تعكس قلقًا حكوميًا بالغًا من اتساع رقعة الاحتجاجات بعد أن تجاوز عدد الجامعات المشاركة فيها الخمسين جامعة ومعهدًا دراسًيا، فى مقدمتها جامعات عريقة منها كولومبيا التى تركزت عليها الأضواء وتصدرت المشهد بما جرى فيها، ولأنها أيضًا الجامعة صاحبة الصفحات المميزة فى تاريخ الحركة الطلابية الأمريكية، حيث يدرس طلابها فى أحد فروع مادة التاريخ، مظاهرات طلاب جامعتهم التاريخية فى عام 1968، والتى كانت شرارة احتجاجات شعبية كبيرة فى الولايات المتحدة استعرت حتى تحقق الانسحاب الأمريكى من فيتنام.

وتحت عنوان «لماذا تواجه الجامعات الأمريكية موجة قمع فى أرض الحريّة؟»، نشر مقال بصحيفة «الجارديان» البريطانية، عبر فيه كاتبه كاس مود أستاذ الشئون الدولية فى جامعة جورجيا عما «أصاب الناس من صدمة فى جميع أنحاء العالم بعد مشاهدتهم لقطات وسائل الإعلام الاجتماعية لضباط إنفاذ القانون المدججين بالسلاح وهم يعتقلون الطلاب والأساتذة المحتجين سلميًا فى حرم الجامعات الأمريكية»، ثم يكمل ساخرًا: إن الولايات المتحدة أو ما تسمى «أرض الحرية وموطن الشجعان» لا تبدو حرة ولا شجاعة، باستثناء المتظاهرين الشجعان الذين يواصلون الوقوف فى وجه قمع الدولة والجامعات. ويختم موضحًا «أن قمع الدولة ساهم فى تحول احتجاج صغير نسبيًا ومحلى إلى ظهور حركة احتجاجية أكبر وأوسع بكثير انتشرت فى جميع أنحاء البلاد من نيويورك إلى كاليفورنيا ومن ميشيغان إلى تكساس».

 من أنتم؟

وقد تبلورت مطالب الطلاب المتظاهرين والمعتصمين فى مختلف الجامعات حول النقاط التالية: وقف دائم لإطلاق النار فى غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرضوا لإجراءات تأديبية أو الطرد بسبب الاحتجاج.

وعلى طريقة العقيد القذافى الشهيرة، من أنتم؟ التى كانت آخر ما قاله قبل سقوط نظامه تحت أقدام المتظاهرين فى أعقاب ثورة 17 فبراير 2011، تساءلت وكالة «رويترز» عن هوية الطلاب المنظمين للمظاهرات، وأجابت فى تقرير لها نشر الأسبوع الماضى موضحة أن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين اجتذبتهم هذه الاحتجاجات من خلفيات مختلفة تشمل الديانتين الإسلامية واليهودية. ومن المجموعات المنظمة للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين «طلاب من أجل العدالة فى فلسطين» و«الصوت اليهودى من أجل السلام».

 تعاطف الطلاب مع القضية

وقد شهدت الولايات المتحدة فى السنوات الأخيرة وخاصة منذ العدوان الإسرائيلى على غزة وفلسطينيى الداخل عام 2021 تحولات مهمة فى الرأى العام الأمريكى تجاه القضية الفلسطينية، بحسب ما أوضحت الدكتور دينا شحاتة، والتى أكدت فى مقالها المنشور على موقع «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية» أن استطلاعات الرأى أشارت إلى تزايد التأييد للقضية الفلسطينية وتراجع نسب التأييد لإسرائيل، خاصة فى أوساط أنصار الحزب الديمقراطى وفى مقدمتهم الشباب والأقليات العرقية. وأشار استطلاع للرأى أجرته مؤسسة جالوب فى مارس 2023 قبيل أحداث 7 أكتوبر إلى أنه فى سابقة تعد الأولى من نوعها تجاوزت نسبة التأييد للقضية الفلسطينية فى أوساط أنصار الحزب الديمقراطى نسب التأييد لإسرائيل بنسبة 49 ٪ مقابل 38 ٪، وهو تطور نوعى مهم فى توجهات الرأى العام الأمريكى الذى انحاز بشكل كبير للسردية الإسرائيلية منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948.

بينما يأخذنا الإعلامى السعودى ممدوح المهينى، فى مقاله «مدخل إلى التثوير» المنشور بجريدة «الشرق الأوسط» اللندنية إلى زاوية أخرى من المشهد، حيث يستهله قائلًا: «يشتكى المؤرخ المعروف، نيل فيرغسون، من سيطرة الأفكار اليسارية على الجامعات الأمريكية، خصوصًا كليات التاريخ وعلوم السياسة والاجتماع». ويكمل مدير قناتى العربية والحدث فى مقطع آخر من المقال: «وبحسب تجربة شخصية، فقد شهدتُ كيف تغمر أطروحات اليسار عقول الطلاب المبهورة والعاجزة عن المقاومة. ففى الجامعة التى درستُ فيها أخذت كثيرًا من الدروس فى التاريخ ووجدتُ المحاضرة الأمريكية معادية بحدة وتطرف لسياسات بلادها، من دون أن تذكر أى حسنات وإيجابيات لها».

 الاحتجاجات والانتخابات

لا شك أن ما جرى فى إبريل سيؤثر على نوفمبر، فما جرى فى الجامعات سيصب فى صالح أحد المرشحين فى انتخابات يترقبها العالم تجرى نهاية هذا العام، وعلى الأرجح فإن استمرار المظاهرات فى الجامعات سوف يؤثر سلبيا على فرص نجاح جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يشكل الشباب والأقليات العرقية فى المجتمع الأمريكى جزءًا مهمًا من القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطى. ولكن من ناحية أخرى، فإن نجاح ترامب فى الانتخابات المقبلة قد يؤدى إلى تصاعد المواجهات بين القوى الداعمة لفلسطين داخل وخارج الجامعات الأمريكية وبين قوات الشرطة والقوى اليمينية المتطرفة فى المجتمع الأمريكى، مما سوف يعمق حالة الاستقطاب ويهدد السلم المجتمعى فى الولايات المتحدة الأمريكية.