الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عـــودة الأرواح فى يوم الموتى!

عـــودة الأرواح فى يوم الموتى!
عـــودة الأرواح فى يوم الموتى!


«الهالوين».. أو عيد القديسين، الذى حوله الغرب من احتفال دينى إلى ظلام وتنكر ورعب وأذى، ينطلق بالتزامن معه فى 31 أكتوبر من كل عام احتفال من نوع خاص فى العديد من شوارع المكسيك خاصة المنطقة الجنوبية والوسطى، إنه «يوم الموتى» أحد أكبر الاحتفالات الشعبية، حيث تتذكر العائلات الأشخاص الذين رحلوا، حيث يقدمون لهم الغناء والرقص فى مسيرات وهم يرتدون أزياء غير تقليدية ويرسمون على وجوههم الجماجم التى تعد رمزًا لهذه الاحتفالية.
يبدأ الاحتفال بـ«عيد الموتى» فى 31 أكتوبر ويستمر حتى 2 من شهر نوفمبر، حيث تحرص العائلات والأصدقاء على التجمع والصلاة وتذكر أسلافهم وأقاربهم الذين فارقوا الحياة، معتقدين أن الأرواح تعود إلى عالم الأحياء ليوم واحد فى السنة لتكون مع عائلاتهم.
الحدث السنوى الأكثر سخونة فى المكسيك، اعترفت به منظمة «اليونيسكو» وأدرجته فى عام 2008 به ضمن قائمة التراث الثقافى اللامادى الإنسانى، بوصفه إعادة تأكيد على حياة السكان الأصليين، رغم أن هناك بعض الدول اللاتينية وأمريكا والفلبين يحتفلون بهذه المناسبة، ولكن بنسبة أقل.
يعتقد المحتفلون أن أرواح الأطفال الموتى ترجع إلى الأرض فى اليوم الأول من شهر نوفمبر، وفى اليوم الثانى يكون الدور على أرواح البالغين، حيث تهبط الأرواح إلى الأرض، وتشارك الأحياء احتفالاتهم.
ويحرص المحتفلون فى مدن وبلدات المكسيك على ارتداء أزياء غير تقليدية ويضعون ماكياجًا غريبًا ويحرصون على إقامة العروض والحفلات الغنائية والراقصة لأحبابهم المتوفين، فرغم إحياء ذكرى المتوفين فإن الاحتفالات تتميز بالفرح والبهجة والحب، ويعتبرها الكثيرون عطلة مليئة بالألوان.
أصل الحكاية
ترجع أصول الاحتفال بيوم الموتى إلى حضارات أمريكا الوسطى والجنوبية خصوصًا حضارات الأزتيك، الناهوا، والمايا، وبيرو تشاس، والهنود الحمر ممكن سكنوا جزءًا كبيرًا من منطقة وسط أمريكا التى تعرف حاليًا بجواتيمالا،   هندوراس، السلفادور.
كان السكان الأصليون بقومون بتنفيذ الطقوس التى تحتفل بحياة الأجداد منذ ما يقرب من 3 آلاف سنة، ففى عصر ما قبل وصول الإسبان إلى القارة الأمريكية كان من الشائع إبقاء الجماجم كجوائز وإظهارها خلال الطقوس التى ترمز إلى الموت والبعث من جديد، وفى الماضى كان يتم الاحتفال بيوم الموتى فى الشهر التاسع من التقويم الشمسى للحضارة الأزتيكية الذى كان يوافق بداية شهر أغسطس، ويستمر الاحتفال لمدة شهر كامل ويترأس الاحتفالات الإلهة «Mictecacihuatl» التى كانت تعرف باسم «سيدة الموت» وكانت الاحتفالات مخصصة للأطفال والأقارب.
«يوم الموتى» يعد عطلة اجتماعية ينتشر خلالها المواطنون فى الشوارع والساحات العامة فى جميع ساعات النهار أو الليل يرتدون ملابس تشبه الهياكل العظمية على سبيل المرح، والبعض الآخر يفضل الظهور بوجوه مرسوم عليها الجماجم ويرقصون ويرتدون أقنعة على شكل جماجم خشبية للترحيب بأرواح أحبائهم.
 من ضمن الرموز الشائعة والأكثر شهرة للمهرجان الجماجم الفينيق أو Calaveras وتظهر على أشكال كاريكاتيرية غريبة الأطوار سواء كانت جماجم أو هياكل عظمية، حيث يتم تصويرها فى أوضاع مضحكة من أشهرها هيكل عظمى «لاكترينا».
 و«لاكترينا» عبارة عن هيكل عظمى لامرأة من المجتمع الراقى ترتدى قبعة - ترمز للملابس الأرستقراطية فى أوائل القرن 20 - ويقدم الشكل صورة ساخرة عن المواطنين المكسيكيين الذين كانوا يتطلعون إلى تبنى التقاليد الأرستقراطية، بعد أن أصبحت «لاكاترينا» من أكثر الشخصيات الشعبية خلال الاحتفالات الحديثة بيوم الموتى.
جماجم السكر
من بين أنواع Calaveras الجماجم السكر يكتب على جباهها اسم المتوفى (وأحيانا أسماء بعض الأحياء) بطريقة لا تخلو من مزاح لا يهدف إلى الإساءة، فالهدف من Calaveras التذكير بطابع الحياة المؤقت، وأن وقتنا على الأرض محدود.
ومن ضمن الاحتفالات يقوم البعض بكتابة قصائد قصيرة مهداة للمتوفين، وتقوم العديد من الصحف اليومية بنشر القصائد التى عادة ما تكون قد كُتبت من قبل مشاهير مصاحبة مع رسوم كاريكاتيرية عن الهياكل العظمية والأرواح، ويلاحظ خلال الاحتفال انتشار الهياكل العظمية المرحة والضاحكة.
 يتميز الاحتفال بـ«يوم الموتى» بأنه بعيد كل البعد عن الثقافات الغربية التى تنظر إلى الموت بأنه مناسبة حزينة، بل على العكس يتعامل المكسيكيون مع هذه الخفة على محمل الجد نظرًا للاعتقاد بأن الأرواح التى تأتى للزيارة ستتعرض للإهانة إذا وجدت الجميع فى حالة حداد، وبهذا يتم تذكر الموتى فى جو من المرح، بدلاً من الشعور بالخوف من احتمالية وصول الأرواح الشريرة.
تنظيف المقابر
مع اقتراب يوم الاحتفال يبدأ الناس بتنظيف قبور العائلة والأحبة وتزيينها بمختلف أنواع الزينة الملونة، وتقوم بعض العائلات الغنية بوضع الشمعدان المزين بالمنزل، وفى يوم الاحتفال تذهب جموع المحتفلين إلى المقابر للاحتفال والغناء وتقديم القرابين والتى هى عبارة عن الأطعمة المفضلة للمتوفين والشراب المفضل، وبعد الانتهاء من الزيارة يأكل المحتفلون الأطعمة التى قدموها كقرابين.
ومن أكثر العناصر التى تميز مظاهر الاحتفال بـ«يوم الموتى» انتشار المذابح الموضوع عليها القرابين والهدايا التى تمثل نظرتهم عن الموت المليئة بالرموز والمعانى، حيث يبدأ تكوين شكل المذبح خصوصًا فى المناطق التى يكون فيها تقليد الاحتفال بيوم الموتى أكثر رسوخًا منذ يوم 28 أكتوبر ويصل إلى أفضل حالاته فى 2 من نوفمبر، حيث تتم إضاءة شمعة ووضع زهرة بيضاء لتزيين المذبح فى يوم 28 أكتوبر، وفى يوم 29 أكتوبر تتم إضافة شمعة مع تقديم كوب من الماء، وفى يوم 30 أكتوبر تضاء شمعة جديدة مع وضع كوب آخر من الماء إلى جانب خبز أبيض يسمى «خبز المتوفى»، وهو خبز محلى اعتاد خبزه على شكل جمجمة، مزينة بأشكال مصنوعة من الخبز على هيئة عظام مع رشه بالسكر.
المذابح
عادة ما تصنع المذابح من أكثر من طابق، وفقًا لعادات وتقاليد كل أسرة، فبعض الأسر تفضل أن تتكون من دورين وأخرى 3 أو 7  أدوار ، وتعتبر المذابح الأكثر شيوعًا ذات الدورين التى تشير إلى الانقسام بين الأرض والسماء فى حين تمثل المذابح المتكونة من 3 أدوار السماء والأرض والعالم السفلى.
 أما المذابح ذات 7 أدوار فتشير إلى 7 مستويات يجب أن تمر بها الروح من أجل الوصول لمكان الراحة الأبدية بحيث يغطى كل مستوى منهم بأغطية طاولة مزخرفة، وقصاصات ورق ملونة، وأوراق من شجر الموز، وفى أقصى ارتفاع للمذبح يتم وضع صورة لقديس الأسرة، وفى الدور الثانى يرمز للمكان الذى تتعذب فيه أرواح الأموات لفترة من الزمن لتطهيرها، وفى الثالث يتم وضع الملح رمزًا للتطهير، وفى الرابع يوضع الخبز الذى يقدم كغذاء، وفى المستوى الخامس توجد الفواكه والأطباق التى يفضلها المتوفى، وفى السادس تعلق صورة للمتوفى، وأخيرًا فى المستوى السابع يتكون صليب مصنوع من الزهور والبذور أو الفواكه.
 لكل عنصر موجود على المذبح أهمية ورمز خاص به، فعلى سبيل المثال يشير البخور لتنقية وصفاء النفس، حيث يعتقد أن رائحتها قادرة على توجيه المتوفى، أما القوس المصنوع من القصب والمزين بالزهور الذى يقع فوق المستوى الأعلى من المذبح فيرمز للباب الذى يصل إلى عالم الموتى، فى حين تمثل الجماجم الملونة التى تزين المذبح عناصر الثقافة الشعبية، والورق الملون يشير إلى الطهارة.