الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عن الرسول وحفيده.. المسموح والممنوع فى السينما الدينية

عن الرسول وحفيده.. المسموح والممنوع فى السينما الدينية
عن الرسول وحفيده.. المسموح والممنوع فى السينما الدينية


مأساة «الحسين» فى إيران

رغم اندلاع ثورة الخمينى فى أواخر السبعينيات..ورغم التشدد الدينى والكهنوت «المعمم» الذى لا يزال حتى الآن صاحب الكلمة الأخيرة فى الفن هناك تحديدًا، فإن السينما الإيرانية تحدت كل هذا وظلت تنضح بأسماءٍ دفعوا الشاشة الفضية الإيرانية إلى المهرجانات الدولية، التى تستقبل أفلامًا إيرانية، كل عام منذ التسعينيات.

هذه الأسماء على اختلاف فكرهم وآرائهم سواء المعارضة أو المؤيدة لنظام الملالى، اجتمعت تحت عباءة واحدة اسمها «التيار السينمائى الحديث» على غرار «حركة الموجة الجديدة السينمائية الفرنسية» التى أسسها العبقرى «جان لوك جودار»، فنرى مخرجين مثل «أصغر فرهادى» و«بهمن قبادى» و«عباس كياروستامى» و«مجيد مجيدى»، استطاعوا وعن جدارة مناطحة قرنائهم فى هوليوود وأوروبا.
ولما كانت السينما الإيرانية تميزت أيضًا بالمحتوى الدينى والتاريخى، فقد كان لهذه المدرسة، بعد التراث الشيعى والفارسى، أثر مهم على جميع الأعمال الدينية هناك، سواء التى تنتجها الدولة أو المخرجون المعارضون لها، وسواءً أكانت أيضًا مسلسلات-وهى النسبة الأكبر-أو أفلامًا.
تمكن «مجيد مجيدى»-وهو من المؤيدين للسلطة-من إثارة جدل واسع فى الوطن العربى عندما أعلن عام 2010 أنه بصدد إنتاج فيلم يسرد طفولة وشباب الرسول، خاصة وأنه قد انتشرت أقاويل أن الرسول سوف يتم تجسيده، ويظهر بوجهه، واحتج الأزهر قبل رؤية الفيلم-كالعادة-ليأتى عام 2015 ونرى أن هذا الأمر لم يحدث قط، فيتأكد لدى قطاع عريض أن الرقابة وصداقة «مجيدى» الوطيدة بمرشد إيران الأعلى «على خامنئى»، مارسا دورًا كبيرًا فى هذا الأمرحيث تم وضع هالة من النور على وجه الممثل القائم بدوره .
يقول «مجيدى» على نحو مفاجئ فى حوار أجرته معه صحيفة «هندوشين تايمز» الهندية، مطلع الشهر الجارى: «إن الرقابة فى إيران لطالما شكلت عائقًا كبيرًا أمامه وزملائه المخرجين، معتبرًا أن هذا الأمر غير منطقى، لكنه لا يحدث فى إيران فقط، ضاربًا مثلًا على ذلك حينما رافقه أحد المسئولين الصينيين خلال تصوير أحد الأفلام الوثائقية فى العاصمة الصينية بكين، وطلب منه ألا يصور فى مناطق معينة لأسباب غير معروفة».
وفى فبراير 2014، طرح المخرج الإيرانى «أحمد رضا درويش»، وهو من نفس مدرسة «مجيدى»، فيلمًا ملحميًا عن معركة كربلاء واستشهاد الإمام «الحسين» عليه السلام،فى الدورة الـ32 من مهرجان «الفجر» الإيرانى الدولى، وحصل فعلًا على جوائز عديدة بالمهرجان، منها جائزة أحسن مخرج وممثل وتصوير.
وبعد أيام قليلة من عرضه فى المهرجان، اشتعل الجدال بين علماء الشيعة الإيرانيين بسبب الفيلم لينتهى به المطاف إلى رفوف المخازن، ومنعه من العرض داخل إيران وخارجها حتى الوقت الراهن، فخرج علماء مثل «ناصرشيرازى» و«آية الله حسين» و«وحيد خراسانى» ليصدروا فتوى بتحريم الفيلم، رغم أن «خامنئى» لم يعترض على الفيلم، واحتج فقط على هذه الفتوى.
وبنظرة بسيطة على طاقم فيلم «درويش» سنرى أنه ضخم فعلًا، حيث استغرق التحضير له 11 عامًا، وبلغت ميزانيته 13 مليون دولار، بل وجمع أسماءً «هوليوودية» بارزة، مثل المونتير الباكستانى «طارق أنور» المرشح لجائزتى أوسكار، والــذى اشــترك فى أفـــــلام مثــــل «American Beauty» و«The King|s Speech»، وأيضًا الموسيقار البريطانى الشهير «ستيفن واربيك» الحائز على جائزة أوسكار أحسن موسيقى تصويرية للفيلم الخالد «Shakespeare in Love».
ناهيك عن أن الفيلم ضم مجموعة كبيرة من الممثلين العرب على رأسهم السورى «جمال سليمان» والذى أدى شخصية «معاوية بن أبى سفيان»، ورفض الحديث آنذاك عن دوره لوسائل الإعلام العربية، والممثل الكويتى «داود حسين» والسورى الراحل «طلحت حمدى»، الذى يؤدى شخصية «النعمان بن بشير»، والسورى «رضوان عقيلى» الذى يظهر بشخصية «سرجون الرومى» المعلم الشخصى لـ«يزيد بن معاوية»، واللبنانى «فواز سرور»، والعراقى «جواد الشكرجى» فى دور «هانئ بن عروة»، وهو الذى اشتهر بدور «أبو جهل» فى مسلسل «عمر بن الخطاب».
وبعد شهور قليلة من منع الفيلم الذى يدعى «القربان» أو «الحسين الذى قال لا»، تم تسريب نسخة منه وعرضها على موقع «يوتيوب» إلا أنها بالطبع حذفُت، ولم يبق حتى الآن على الشبكة العنكبوتية أى أثر للفيلم سوى موقعه الرسمى وإعلانه ومشاهد مدتها دقائق سربها أحد الذين حضروا العرض الرقابى للفيلم، والتقطها بكاميرا هاتفه المحمول.
وحسبما ذكر موقع «كوارتز» الأمريكى فإن «درويش» و«مجيدى» استشارا علماء الشيعة قبل تصوير فيلميهما، لأنهما سعيا إلى تصديرهما للعالم مبتعدين بذلك عن أى نقاط قد تثير خلافًا بين السنة والشيعة، فكارثة كربلاء ليست حكرًا على الشيعة فقط، رغم المحاولات «السنية» لطمسها فنيًا، ولنا فى معركة «عبدالرحمن الشرقاوى»، صاحب الرائعة الخالدة «الحسين شهيدًا»، المريرة مع الكهنوتية والدوجمائية، عبرة ودرس.
وقد يستغرب البعض رفض «الملالى» لطرح فيلم يجسد سيد الشهداء، بيد أن الشيعة لا يحرمون رسم وتصوير جميع آل البيت وعلى رأسهم الإمام «على» رضى الله عنه، لكنهم مع ذلك يرفضون ويحرمون التجسيد الفنى بأى شكل من الأشكال، لذلك نرى أن أئمة آل البيت لا يظهرون بوجههم فى جميع الأعمال الإيرانية التى تروى سيرة أحد منهم.
لكن «درويش» لم يجسد الإمام «الحسين» وجميع الذين استشهدوا معه فى كربلاء من آل البيت، تمامًا كما فعل «مجيدى» مع الرسول، إلا أن «درويش» أظهر فعلًا وجه نجل الإمام «على» وأحد أسود كربلاء وبنى هاشم، وهو «العباس بن على» الأخ غير الشقيق للسبط الأصغر، رغم أن «العباس» ليس إمامًا معصومًا لدى الشيعة بجميع فرقها ومذاهبها.
ورفض «درويش» الإدلاء بأى تصريحات صحفية حول هذا الأمر حينذاك، لكنه اكتفى بالقول لموقع «كوارتز» فى 2015، إنه يأمل فى أن تسمح السلطات الإيرانية بعرض الفيلم، مؤكدًا أنه أخذ الموافقة «الدينية» على إظهار وجه «العباس بن على».
وقال أيضًا فى تصريحات لوكالة «إيلنا» الإيرانية: إنه اتفق مع الرقابة على حذف ساعة من الفيلم الذى تبلغ مدته أصلا 3 ساعات، زاعمًا أن ذلك بسبب أن دور السينما الإيرانية لا تسمح بعرض أى فيلم مدته 3 ساعات و10 دقائق.
وبالفعل حصل «درويش» على تصريح بعرض الفيلم، وبدأ عرضه داخل إيران فى يوليو 2014، لتندلع احتجاجات ضد الفيلم، وتعلن وزارة الثقافة الإيرانية منع الفيلم تمامًا، طالما لم يوافق عليه العلماء الشيعة كلهم.
ويمكن القول إن سبب المنع الرئيسى هو سياسى بحت وليس دينيًا، ففيلم «مجيدى» حصل على دعم من قبل الدولة، بل وشاركت فى إنتاجه مؤسسة «بنياد موزت فافان»، التابعة للحرس الثورى الإيرانى، ناهيك عن أن «خامنئى» أعلن أنه شاهد الفيلم واستمتع به جدًا.
على النقيض، لم يحظ فيلم «القربان» بأى دعم من الدولة، بيد أن «درويش» موضوع على القوائم السوداء للحرس الثورى الإيرانى، لأنه وخلال الانتخابات الرئاسية عام 2009، أخرج فيلمًا دعائيًا لزعيم المعارضة الإيرانية «مير حسين موسوى» والذى كان آخر رئيس لوزراء إيران قبل إلغاء هذا المنصب بعد حرب الخليج الأولى، والذى نافس الرئيس السابق «أحمدى نجاد» فى الانتخابات، التى اندلعت بعدها احتجاجات «الثورة الخضراء».
وأكد رئيس مؤسسة السينما الإيرانية «حجة الله أيوبى» فى تصريحات إعلامية أن الاحتجاجات على الفيلم كانت ذات دوافع سياسية، قائلًا: «اعتقد أن السبب الوحيد لمنع الفيلم، هو أنه قد تم استغلاله سياسيًا من قبل المتطرفين فى إيران، وأعتقد أن العلماء الذين شاهدوه لم يفهموه بطريقة صحيحة». 