الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

القدس.. مدينة بلا ربّ

القدس.. مدينة بلا ربّ
القدس.. مدينة بلا ربّ


باولا كاريدى وُلدت فى إيطاليا، صحفية مُتخصصة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بعد عامين فى القاهرة، فى الفترة من 2001 إلى 2003 غادرت إلى القدس، وأقامت هناك لمدّة عشر سنوات. فى 2013 نشرت كتابها عن القدس باللغة الإيطالية، وهذا العام تَصدر نُسخته الإنجليزية عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عنوان الكتاب «القدس بلا ربّ: بورتريه لمدينة قاسية».
وجدت كاريدى فى السنوات العشر التى أمضتها فى القدس شيئا يجذبها للماضى. عندما كتبت أوّل مرّة تُغادر فيها القدس: وداعا، وأنها لا تشعر بالحنين أو الأسف؛ لم تشعر بشيء فعلا، إلا بعد ذلك بأشهر، عندما سمعت أذان الصلاة من أحد المساجد فى صقلّية.
«أخذنى نداء الصلاة، إلى ذلك الوقت، الذى كانت فيه القدس أكثر اتّساقا مع طبيعة انتُهكت على مرّ السنين والقرون» تكتب كاريدى، وهى تُلقى بنظرة مُتعمّقة فى مدينة مُعقّدة بدراميّاتها اليومية.
ومع ذلك؛ هذا الكتاب ليس وصفا غنائيا للقدس. تأخذنا المؤلفة فى رحلة فاحصة إلى المدينة. ولا شيء ينفلت من أحكامها الصريحة.
كاريدى، التى تهتمّ تدويناتها على البلوج الخاص بها بالثقافة الشعبية العربية والسياسية. وتتعاطف مع «العرب الحقيقيين» الذين «كثيرا ما يُساء فهمهم» و«غير مرئيين»  بالنسبة للغرب، تتعامل فى كتابها الأخير، مع ذلك الشغف، بمدينة جريحة، تُحبّها بعُمق. مراسلة من روما، كتبت من قبل كتابها «حماس: من المقاومة إلى الحكومة والعرب غير المرئيين»، وتحكى هذه المرّة عن الحياة اليوميّة فى القدس، المدينة الروحية والدموية، المُقسّمة حتى الآن. عن الأصوات، الروائح، والأسواق.
تبدأ رحلة كاريدى لزيارة القدس، من سنوات سابقة بكثير. من «مصرارة» بمرافقة «مايكل»، والدها البالغ من العمر 80 عاما. وهو مُحاسب، عمل فى الانتداب البريطانى على فلسطين، الذى انتقل بعائلته إلى أوّل حيّ مُختلط تم إنشاؤه خارج أسوار البلدة القديمة.
بانتهاء الاحتلال البريطانى، اعتقد البريطانيون أنه من الضرورى تقسيم الشارع إلى نصفين لفصل الخصوم. غير أن الوضع وصل إلى نقطة اللا عودة، مع مذبحة دير ياسين، 9 أبريل 1948  وأدّت إلى رحيل الفلسطينيين من وسط مدينة القدس والقُرى المحيطة بها.
مايكل وعائلته، مثل جميع سكّان مصرارة، غادروا منازلهم. التى سكنها واستوطنها فيما بعد، بين الأعوام من 1948 إلى 1964 اليهود المُهاجرون الذين جاءوا فى الغالب من أوروبا.
فى الوقت الحاضر، يعيش أكثر من ألفى شخص فى 610 مساكن، كثيرٌ منها يتكوّن من غرفة واحدة. وسمحت السلطات العامة لمصرارة بالوقوع فى بؤرة التخلّف، لأن الخطة طويلة الأجل كانت تهدف إلى دفع السكّان إلى بيع منازلهم العربية القديمة. بينما السكّان يرفضون المغادرة وأرادوا أن يكون لهم رأى فى خطط التجديد، فى تحدٍ متمثّل فى استعادة المنازل العربية التقليدية. مصرارة الآن موطن للأسر اليهودية الأرثوذكسية ومجموعة صغيرة من الدبلوماسيين والصحفيين الدوليين.
تكتب باولا كاريدي: «مصرارة العربية، مثل أجزاء كثيرة من القدس الفلسطينية، هى اليوم بقايا لما كانت عليه. مثل الحفريات المدفونة فى الحجر، بجزءيها الاثنين، الإسرائيلى المواكب للتغيّرات فى البلاد، والفلسطينى، المتوتّر. مدينة دون هويّة جديدة يُمكن أن تحلّ مكان تراثها القديم. تنقسم القدس العربية أكثر فأكثر إلى جزر صغيرة ومجمّعات وجيوب ومناطق فقدت اتصالها بحياة المدينة. والأسباب تكمن بالطبع فى الصراع».
على الرغم من كل هذه الانقسامات والمشاعر السيئة؛ كانت هناك أماكن، مثل ميجا أو مالشا مول، تصفها المؤلفة بأنها «الفضاء المشترك للتوفيق»، تجمع الجميع. الإسرائيليون والفلسطينيون يتسوّقون هناك، يتّحدون فى مُطاردة عروض الشراء.
تكتب كاريدي: «المشكلة، هى كيفية ترجمة الانتماء المشترك إلى مصطلحات سياسية ومؤسسية». وفى موضع آخر: «فكرة مدينة غير مقسّمة وتقاسمها بين سكّانها ينبع تماما من الوعى التام لما يحدث فى المدينة. الحياة اليومية هى فى الواقع مؤشر أساسى على أن القدس لا يمكن تقسيمها».
تعتبر كاريدى نفسها، مقدسيّة. جاءت إلى القدس فى 2003 مُراسلة لوكالة الأنباء الإيطالية. وجودها كصحفية محترفة وكمقيمة مع عائلتها، وكأمّ، سمح لها كما تقول فى حديثها لنشرة دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة بتكوين «علاقة حميمة مع المدينة». نوع غريب من المواطنة؛ ترى.
ولما سألتها المُحرّرة: لماذا اختارت عنوان الكتاب «مدينة بلا ربّ» أجابت كاريدى بأنه يمكن النظر إلى العنوان على أنه استفزازي؛ كيف تصف مدينة مُقدّسة بهذا الوصف، مدينة يعتبرها العلمانيون والدينيّون على السواء انعكاس القدس السماوية على الأرض. تقول كاريدي: «بغضّ النظر عن حُرمة المدينة وبُعدها الدينى، كان لى هدف واحد. ركّزت على الجزء الأكثر إهمالا من الصورة: السكّان، والبشر فى مسارهم التاريخى والاجتماعى. هم الجزء غير المرئى من القدس».