الأحد 9 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
 40عاماً على رحيله: ولا يزال فؤاد حداد يزرع كل الأرض مقاومة

40عاماً على رحيله: ولا يزال فؤاد حداد يزرع كل الأرض مقاومة

«ازرع كل الأرض مقاومة    ترمى فى كل الأرض جذور



إن كان ضلمة تمد النور    وإن كان سجن تهد السور

كون البادئ كون البادئ    كل فروع الحق بنادق

غير الدم ما حدش صادق    من أيام الوطن اللاجئ

إلى يوم الوطن المنصور»

هل كان الشاعر الكبير فؤاد حداد يتنبأ وهو يكتب هذه الأبيات الشعرية بأنه سيأتى وقت يطالب فيه البعض المقاومة الفلسطينية بإلقاء السلاح وتسليمه؟، هل كان يحس أن قوَى الشر العالمية ستتكاتف من أجل إنهاء القضية الفلسطينية فهتف مطالبًا ومناشدًا وداعيًا إلى المقاومة وعدم الاستسلام، ربما من المفارقات أن تحل ذكرَى رحيله الأربعين 1 نوفمبر 1985- فى نفس الوقت الذى تمر فيه القضية الفلسطينية بمنعطف صعب، فهناك خطط لتهجير الفلسطينيين من أرضهم والقضاء على القضية تمامًا، وتهويد كل الأراضى المحتلة، وكأن فؤاد حداد كان يعرف ما سيحدث فكتب مؤكدًا على عروبة الأراضى الفلسطينية:

«الأرض بتتكلم عربى وقول الله    إن الفجر لمن صلاه

ما تطولش معاك الآه    الأرض..الأرض.. الأرض

الأرض بتتكلم عربى

>>

الأرض بتتكلم عربى         ومن حِطين

بترد على قدس فلسطين     أصلك مَيّه وأصلك طين»

وكأنما شعر أيضًا أن هناك مَن يطالب بالابتعاد عن القضية الفلسطينية، وأنه ليس لنا علاقة بها رغم ارتباط أمننا القومى بها، وأنه يوجد من يرى أنها عبء علينا يجب أن نتخلص منه، فكتب:

«ولا ف قلبى ولا عينيه    إلا فلسطين

وأنا العطشان ماليش ميّه    إلا فلسطين

ولا تشيل أرض رجليا    وتنقل خطوتى الجاية

إلا فلسطين» 

لقد كانت فلسطين دائمًا فى قلب وعقل ووجدان حداد، وهى واحدة من أهم القضايا التى شغلته طوال حياته فكتب عنها أجمل القصائد، وأبدع ديوانًا كاملاً عنها سَمّاه «الحمل الفلسطينى»، كان حداد مهمومًا بفلسطين وبقضايا الوطن وبقيم الحرية والعدل والإنسانية لذلك عاشت أشعاره واستمرت، ويتم استدعاؤها مع كل الأحداث التى تمر بها بلدنا، ورغم مرور كل هذه السنوات على رحيله فإنه لا يزال الملهم والقدوة لمعظم شعراء العامية، فقد كان بحق «والد الشعراء»، كما وصف نفسَه فى إحدى قصائده، وهو اللقب الذى التصق به، وأطلقه عليه كثير من الشعراء؛ وبخاصة الجيل الذى جاء بعده بعد أن قادهم إلى دروب مختلفة، وفتح أمامهم آفاقًا جديدة لا تعتمد على القافية والزجل وإنما على الفكرة الهادفة والكلمة المعبرة والموقف الواضح.. هذا الشاعر الكبير مرت ذكرَى وفاته فى هدوء لا يليق بحجم موهبته وعطائه.. كان رحيله صدمة لمحبيه ولكل الشعراء الذين عرفوا قَدرَه ومكانته حتى إن صديقه صلاح جاهين قال عنه « أنا أشهر منه وهو أشعر منّى»، ولكن كل ذلك لم يدفع وزارة الثقافة لإحياء ذكرَى وفاته الأربعين بما يليق بمكانته الشعرية والفنية والأدبية، واكتفت بندوات هزيلة ومتناثرة إحداها فى قصر ثقافة روض الفرج وأخرَى فى مكتبة القاهرة، وكان من المفترض أن يكون هناك برنامج تُعده الوزارة يستمر طوال الشهر تناقش فيه قضايا الشعر عامّة وشعر العامية خاصة، وتجرى خلاله مسابقات لاكتشاف مواهب جديدة من الشعراء الشبان، وعمومًا لا تزال هناك فرصة لتدارك الأمر وأن يكون اسمه شخصية معرض الكتاب هذا العام، فلا توجد قامة أكبر منه فى عالم الشعر؛ وبخاصة شعر العامية، مكانة حداد الكبيرة لم يستمدها فقط من بلاغته وصوره الشعرية الرائعة ولكن أيضًا من مواقفه الوطنية ورؤاه الإنسانية فجعل من شعره رسالة تعبر عن الوطن وقضاياه وعن الحرية والعدل.. والده كان لبنانيًا جاء إلى القاهرة واستقر بها، أمّا هو فوُلد بحى الظاهر مما ساهم فى ارتباطه بالأحياء الشعبية، وهو ما ظهر فى ديوانه والبرنامج الإذاعى الشهير «من نور الخيال وصُنع الأجيال»، وهو برنامج شعرى وغنائى عن تاريخ القاهرة صاغ ألحانه سيد مكاوى، الذى أبدع معه أيضًا فى تلحين وغناء «المسحراتى»؛ حيث كانت كل حلقة تحمل رسالة وطنية وإنسانية، كما كانت مواقفه السياسية سببًا فى اعتقاله لعدة سنوات ولكن ذلك لم يبعده عن ارتباطه بالعدالة الاجتماعية والسعى إلى الحرية، وهو ما يتضح فى قصائده ودواوينه التى بلغت33 ديوانًا صدر منها 17 فى حياته والباقى بعد وفاته..

فؤاد حداد هو بحق إمام شعراء العامية فى العصر الحديث.. وهو الوصف الذى أطلقه عليه عبدالرحمن الأبنودى فى قصيدته «الإمام» التى كتبها فى رثائه: 

« أنت الإمام الكبير.. وأصلنا الجامع..

وأنت اللى نِقبل نصلى وراك فى الجامع..

بسيط يا مولاى والضحكة فى صدْرك.. قوت

فقير يا مولاى.. ورازقنا حرير وياقوت

ونشيد عشان الأرض

ودعوة للِّى يموت

وخريطة لفلسطين

وكُمّ.. للدامع.

أنت الإمام الكبير.. وأصلنا الجامع»

فهل تتذكر وزارة الثقافة وتحتفى باسمه فى المعرض أم تنسَى كما فعلت من قبل مع ذكرَى د.طه حسين والشيخ محمد عبده وغيرهما فى السنوات السابقة؟>