الأحد 9 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
100 سنة روزاليوسف

اكتشفت الوجوه الأولى من المسرح إلى الشاشة

هكذا صنعت روزاليوسف نجومًا لم يكن لهم مثيل

فاطمة رشدي
فاطمة رشدي

من النادر أن نجد مؤسسة صحفية لعبت دورًا فاعلًا فى تشكيل ملامح السينما المصرية كما فعلت مجلة روزاليوسف. فمنذ أن وضعت السيدة فاطمة اليوسف اللبنات الأولى للمجلة فى عشرينيات القرن الماضى، لم تقتصر رسالتها على النقد والتوثيق، بل امتدت إلى ما يشبه «الإنتاج المعنوي» للسينما، عبر تقديم الوجوه الجديدة، وخلق تيارات فكرية وجمالية، وصناعة صورة ذات قيمة للنجوم، جعلت من صفحاتها مختبرًا حقيقيًا لأحلام الفن المصرى.



كانت روزاليوسف، على مدار عقود، منتجة من وراء الكاميرا، ليس عبر المال أو الاستديوهات، بل عبر الكلمة والصورة والخيال، حيث تحولت مقالاتها وصورها إلى جواز مرور لنجوم ونجاحات، وصارت المؤسسة الصحفية شريكًا غير معلن فى صناعة السينما المصرية.

 

حين خرجت روزاليوسف إلى النور عام 1952، كانت السينما المصرية نفسها لا تزال تتلمس طريقها، فالأفلام المنتجة فى تلك الفترة كانت أقرب إلى تجارب فردية، متأثرة بالسينما الأوروبية، ومحكومة بضعف الإمكانيات، لم تكن هناك صناعة راسخة بعد، ولا نجوم بالمفهوم الحديث، ولا جمهور معتاد على متابعة الفن السابع.  فى هذه البيئة، جاءت المجلة لتملأ فراغًا حقيقيًا: فضاءً نقديًا وإعلاميًا يؤسس لعلاقة بين الفن والجمهور. لم تكتف روزاليوسف بمتابعة النشاط الفنى، بل أضفت على السينما بُعدًا ثقافيًا وجماليًا، فكتبت عنها بوصفها فنًا قادرًا على التعبير عن قضايا المجتمع، لا مجرد وسيلة للتسلية.

 

الأرشيف الصحفى للمجلة فى تلك المرحلة يكشف كيف كان النقاش حول السينما ممتزجًا بمسائل الهوية الوطنية والنهضة الثقافية. فقد رأت روزا أن السينما، مثل المسرح والصحافة، ساحة معركة لتشكيل وعى المصريين. ومن ثم، ارتبطت مبكرًا بمشروع النهضة، فكانت جزءًا من تأسيس صورة الفن كقوة تغيير. كانت المجلة جسرًا بين الفن وجمهوره، حيث قدمت للمصريين الفن السابع على أنه قوة حية تستحق الاحترام والمتابعة، وليست مجرد ترفيه عابر. كانت صفحاتها الأولى المخصصة للفن تنضح بروح حية، تسعى إلى تثقيف الجمهور وتوسيع آفاقه، ليكون مستعدًا لاستقبال فن جديد وراق قادر على التعبير عن تطلعاته وأحلامه.. وعندما نحتفل بمئوية مجلة روزاليوسف، فإننا لا نتوقف عند كونها مجلة صحفية لعبت دورًا بارزًا فى المجال السياسى والثقافى، بل نكتشف أن هذه المجلة العريقة كانت أيضًا من موقعها الإعلامى والثقافى بمثابة «منتجة ظل» للسينما المصرية.

 

فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، كانت السينما المصرية تخطو أولى خطواتها نحو التأسيس. الأفلام الصامتة مثل ليلى (1927) بطولة عزيزة أمير وآسيا داغر واستيفان روستى وإخراج وداد عرفى، قد مثلت محاولات رائدة وبداية للسينما، لكنها لم تصنع صناعة، ومع مجيء الثلاثينيات وظهور أول فيلم ناطق أولاد الذوات (1932) بطولة يوسف وهبى، وأمينة رزق ومن إخراج محمد كريم، بدأت ملامح صناعة سينما جديدة، لكنها كانت صناعة تبحث عن ممثلين، كتاب سيناريو، مخرجين، وجمهور أيضًا. 

 

فى هذا الفراغ، لعبت الصحافة الفنية وعلى رأسها مجلة روزاليوسف دورًا جوهريًا. لم يكن وجود المجلة صدفة، فالمؤسسة التى أسستها فنانة مسرحية هى السيدة فاطمة اليوسف أو روزاليوسف، عرفت قيمة الوجوه الجديدة وضرورة بناء صورة اجتماعية للنجوم. وبينما انشغل المنتجون بكيفية جمع الأموال وتوزيع الأفلام، كانت روزا تدرك أن السينما تحتاج إلى «رأس مال رمزى»: نجوم يعجب بهم الجمهور، ويثق فى موهبتهم. فقد خلقت فى المجلة الفنية بشكل أساسى، ساحة تدعم وتدفع بهؤلاء الوجوه والمواهب فى ذات الوقت. 

 

اكتشاف الوجوه الأولى

 لم تكن روزاليوسف مجرد مجلة فنية، بل أشبه بحاضنة للمواهب، فتحت صفحاتها للكتاب والنقاد والفنانين الشباب، ومنحتهم مساحة للتعبير عن رؤاهم فى لحظة كانت فيها السينما المصرية تخطو أولى خطواتها، والمسرح لا يزال المنبر الأوسع للتجريب الفنى. المقالات النقدية لم تقتصر على تقييم الأفلام، بل تحولت إلى محاولات لتأسيس ملامح نظرية سينمائية عربية. أما الصور الفوتوغرافية التى كانت تُنشر بجودة عالية وبحس جمالى مدروس، فلم تكن مجرد دعاية، بل أداة لصناعة النجم، وتثبيت حضوره كقيمة فنية وثقافية.

 

لم تكتفِ روزاليوسف بالرصد، بل كانت صانعة للفرص. الوجوه التى قدمتها المجلة أو آمنت بموهبتها سرعان ما شكلت جيل الريادة السينمائية. فاطمة رشدى، على سبيل المثال، جاءت من خشبة المسرح لتجد دعمًا إعلاميًا فى صفحات روزاليوسف ساعدها على عبور الطريق إلى السينما، لتصبح لاحقًا من أبرز ممثلات عصرها. كذلك وجدت أمينة رزق فى المجلة منصة تابعت خطواتها منذ البدايات، فوثّقت صعودها من الأدوار الصغيرة إلى قمة الدراما المصرية. أما يوسف وهبى، الذى كان قد أسس لنفسه مكانة مسرحية، فقد أسهمت روزاليوسف بكتاباتها وصورها فى تعزيز صورته كـ «عميد المسرح العربى» وترسيخ مكانته كنجم سينمائى بارز.. هذه التغطيات لم تكن مجرد أخبار عابرة، بل كانت بمثابة شهادات اعتماد فنى. فحين تنشر المجلة صورة لفنان ناشئ أو مقالًا عنه، كان ذلك إعلانًا غير مباشر عن ميلاد نجم جديد. ومن هنا جاءت تسمية روزاليوسف بـ«منتجة ظل» للفن، حيث تحول ما يُكتب فى صفحاتها إلى رأس مال رمزى يفتح أبواب السينما أمام الوجوه الشابة.

 

ولعل من أبرز الأمثلة ما نشرته المجلة فى 14 إبريل 1926، فى مقال بعنوان: «الممثلات الأوائل أو البريمادونات فى العهد القديم»، الذى قدم للقارئ صورًا وتعليقات عن ممثلات ارتبطن ببدايات المسرح المصرى مثل أبريز ستاتى ووردة ميلان. المقال لم يكن مجرد استعادة لأسماء من الماضى، بل محاولة لتأصيل تقاليد المسرح، ووضعها فى سياق العلاقة مع السينما الوليدة.

 

التقرير المنشور

(ننشر اليوم صور بعض الممثلات اللاتى كن يقمن بأدوار الممثلة الأولى فى العهد القديم وهن بملابس ذلك العهد أى فى أيام إسكندر فرج وأبى خليل القبانى والشيخ سلامة وأوائل عهد جورج أبيض. 

 

السيدة أبريز ستاتى. وإلى اليسار صورة السيدة وردة ميلان، الممثلة الآن فى فرقة عكاشة، ولعل أهم دور مثلته فى حياتها المسرحية الطويلة هو دورها فى رواية ثارات العرب التى أخرجتها فرقة أبيض وحجازى. 

 

وإلى اليمين صورة السيدة أبريز وكانت إلى عهد قريب الممثلة الأولى بفرقة الأستاذ جورج أبيض وقبل ذلك كانت بفرقة الشيخ سلامة حجازى حيث كان يعهد إليها أحيانًا بالدور الأول ولكن الدور الذى يذكر لها هو دورها فى رواية تيمورلنك). 

 

وفى العام نفسه (14 ديسمبر 1926)، نشرت المجلة صورة ليوسف بك وهبى تحت عنوان: «يوسف بك وهبى، ابن المرحوم عبدالله باشا وهبى». وجاء فى النص المرفق:

 

 (شاب ولع بالتمثيل من صغره، ولاقى فيه ما لاقى من اضطهاد أسرته ولكنه لم يعبأ بشظف العيش وفر إلى إيطاليا حيث اشتغل بالتمثيل تحت إشراف الممثل الكبير «كيانتونى» (كما قال). ثم انضم إلى شركة السينما ومثل دورًا مهمًا فى رواية « أعين الثعبان»، ولا يدرى أحد ماذا كان المستقبل يخبئ له فى عالم السينما. فلما توفى المرحوم أبوه عاد إلى مصر وأنشأ بمساعدة وتحت إشراف الأستاذ عزيز مسرح رمسيس، ولا يمر عام دون أن يدخل تحسينات على مسرحه حتى أصبح رمسيس أول دور التمثيل فى البلد. ولا شك أن عطف الجمهور وتشجيعه لرمسيس خير جزاء ليوسف بك وهبى). 

 

هذا المثال يعكس بوضوح كيف أن المجلة لم تكن تكتفى بالتغطية، بل كانت تمنح الفنانين خطابًا تأسيسيًا يضعهم فى موقع «الرمز»، قبل أن يصنعوا شهرتهم السينمائية.

 

أما آسيا داغر، فقد شكلت حالة فريدة فى ذلك الوقت، إذ تحولت من ممثلة إلى واحدة من أنجح رائدات الإنتاج السينمائى فى مصر. روزاليوسف منحتها منصة لتثبيت صورتها كوجه نسائى قادر على اقتحام مجال كان حكرا على الرجال فقط. ومارى منيب التى عُرفت فى البداية كوجه كوميدى مبشر، وجدت فى المجلة دعمًا أسهم فى تثبيت صورتها المحببة، قبل أن تصبح «أيقونة الحماة المصرية» فى السينما.

 

لم تكتف روزاليوسف بإلقاء الضوء على الممثلات المصريات الرائدات فى ذلك الوقت، بل كانت مساهمة بشكل كبير فى الترويج إلى ممثلات غير مصريات، ففى العام الأول من إصدارها وتحديدًا فى العدد السادس بتاريخ 30 نوفمبر 1925، خصصت غلاف المجلة بعنوان «ليليان جيش» وصورة كبيرة وكتبت أسفل صورة الغلاف: «ممثلة نابغة من كواكب السينما». 

 

(المعروف أن ليليان جيش ممثلة أمريكية، واشتهرت بأفلام مميزة فى بدايات القرن العشرين مثل فيلم الصياد، وهى المولودة فى 14 أكتوبر عام 1893 بالولايات المتحدة الأمريكية.  

 

اختيار هذا الغلاف لم يكن عابرًا، بل إشارة واعية إلى أن السينما المصرية الناشئة يجب أن تنفتح على رموز السينما العالمية، وأن تصيغ وعيًا بصريًا جديدًا لدى الجمهور.

 

وهذا يعكس مدى نشر الوعى السينمائى والثقافى من جانب روزاليوسف.

 

هذا الدور الحاضن امتد إلى أجيال لاحقة، فكانت فاتن حمامة، على سبيل المثال، إحدى اكتشافات المجلة التى احتفت بموهبتها منذ صغرها، ورسمت لها طريقا فنيا طويلا، وأيضًا شادية وماجدة، ومريم فخر الدين وعبدالحليم حافظ، وعادل إمام، وفؤاد المهندس وشويكار وغيرهم على مدار سنوات وصولًا إلى أجيال لاحقة فى مطلع القرن الحادى والعشرين.. 

 

من التأسيس إلى النجومية

كانت الأربعينيات بمثابة مرحلة التأسيس الكبرى للسينما المصرية؛ ففيها وُضعت القواعد الأولى لصناعة ناضجة، من حيث الإنتاج وتوزيع الأدوار وبناء صورة النجم. ومع أن هذه المرحلة ارتبطت برواد مثل يوسف وهبى وفاطمة رشدى وأمينة رزق، وصباح، وفريد الأطرش، وأنور وجدى وليلى مراد ونجيب الريحانى وغيرهم، إلا أنها لم تكن سوى الأرضية التى أنبتت عليها الأجيال التالية. 

 

فما أن دخلت الخمسينيات، حتى ظهر جيل جديد من النجوم الذين حملوا على عاتقهم مهمة توسيع قاعدة الجمهور العربى للسينما المصرية. هؤلاء الفنانون لم يأتوا من فراغ، بل كانوا ثمرة مباشرة للتجارب السابقة التى بلورتها المجلة والنقاد والمنتجون معًا فى الأربعينيات.

 

فإذا كانت الأربعينيات قد عرفت الجمهور على صورة «النجم» وربطت بين المسرح والسينما، فإن الخمسينيات والستينيات شهدت اكتمال هذه الصورة عبر نجوم مثل فاتن حمامة، شكرى سرحان، شادية، ماجدة، عمر الشريف، هند رستم، وسعاد حسنى وعبدالحليم حافظ وماجدة، والكثيرين. 

 

الانتقال لم يكن فقط فى الوجوه، بل فى طبيعة الأدوار، ففى الأربعينيات ظل المسرح حاضرًا بظلاله الثقيلة (من تأثير ما بعد الحرب العالمية الثانية، والوضع السياسى فى مصر وفلسطين)، لكن مع الخمسينيات بدأنا نرى لغة سينمائية أكثر تحررًا، وحبكات رومانسية واجتماعية تعكس التحولات السياسية والاجتماعية لمصر ما بعد ثورة يوليو.

 

«فيروز» مثلًا كانت الأوفى حظًا، فقد كانت أول طفلة موهوبة يتم اكتشافها عن طريق أنور وجدى، والذى قدمها فى فيلم «ياسمين» عندما كان عمرها سبعة أعوام عام 1950، فقد منحت لها روزاليوسف فى ذلك الوقت التشجيع والدعم كممثلة نابغة لها مستقبل واعد فى السينما المصرية. لذا فقد منحت لها المجلة صفحة كاملة لدعايا الفيلم وكتب به الآتى: 

 

«أنور وجدى يقدم: 

أقوى ما استطاع أن يقدمه للسينما المصرية، النجمة المحبوبة ياسمين..  طفلة عمرها ست سنوات  ترقص وتغنى وتمثل الدور الأول.. إنها ليست طفلة، بل معجزة قل أن يجود الزمن بمثلها.. ».

 

 

 

وفى العدد رقم 1219 الصادر عام 1952، خصصت مجلة روزاليوسف مساحة لفيروز، حيث نشرت صورتها مرفقة بخبر جاء فيه: «من بين البرنامج الذى ترسمه شركة شروق فيلم للممثلة الصغيرة فيروز دراسة التصوير كما يستدعى دورها فى فيلم «صورة الزفاف» الذى ينتجه ويخرجه الأستاذ حسن عامر.. وها هى فيروز تتمرن على إحدى العدسات وخلفها محسن سرحان أحد أبطال الفيلم». 

 

النجومية قيمة اجتماعية

لم تكن السينما وحدها كافية لصناعة النجوم فى مصر. فالكاميرا قد تلتقط الوجوه، لكن تحويل الممثل إلى «ظاهرة اجتماعية» يحتاج إلى ما هو أبعد من الشاشة. هنا بالتحديد برز الدور المحورى الذى قدمته مجلة روزاليوسف، التى لم تكتف بتغطية أخبار الفنانين بل ساهمت فعليًا فى صياغة وخلق صورة «النجم» كما عرفها الجمهور فى مصر منتصف القرن العشرين.

 

فى الأربعينيات، كان النجم مجرد ممثل ناجح يحظى بجمهور داخل قاعة السينما. لكن مع صعود الصحافة المصورة، تغير المشهد. لم تعد النجومية مرتبطة فقط بقدرة الفنان على شباك التذاكر، بل اتسعت لتشمل حياته الخاصة، أزياءه، صداقاته، وحتى مواقفه الاجتماعية والسياسية. أصبح النجم شخصية عامة تملأ خيال المتفرجين حتى خارج قاعات عرض السينما. فعلى سبيل المثال نشر فى العدد 878 عام 1945 صفحة كاملة تحت عنوان «مجوهرات الكواكب»، وفيه تناولت روزاليوسف جانبًا مختلفًا فى حياة الفنانات وأذواق المجوهرات اللاتى يفضلن ارتداءها، وهنا نص ما نشر: 

 

أم كلثوم

«ويتفق ذوق الآنسة أم كلثوم مع ذوق ديانا دربن فى اختيار مجوهراتها، فهى تكتفى فى سهراتها بدبوس من الماس وخاتم سوليتير وسوار ماسى، أى بما خف حمله وثقل ثمنه، أما فى الصباح فتكتفى بسوار من الذهب». 

 

 

 

تحية كاريوكا

«وتميل تحية كاريوكا إلى الأقراط الماسية الثقيلة وإلى الحلى الفانتازيا. ومن عادتها أن تفقد أحد كل شهر خواتمها الماسية، وتبلغ البوليس وتقعده للبحث عنه. على سبيل الدعايا والإعلان لا غير». 

 

مجلة روزاليوسف لعبت دورا مركزيا فى هذا التحول. فمن خلال الصور والحوارات، وضعت الممثلين فى قلب الحياة اليومية للمصريين. الجمهور صار يعرف ملامح بيوتهم، تفاصيل حياتهم، وحتى لحظاتهم الإنسانية. وهكذا، لم يعد النجم ملك الشاشة وحدها، بل تحول إلى جزء من المشهد الاجتماعى الأوسع. 

 

ارتبط التحول فى مفهوم النجومية ارتباطًا وثيقًا بالتحولات الطبقية والاجتماعية فى مصر. فمع الخمسينيات وصعود الطبقة الوسطى بعد ثورة يوليو 1952، ظهرت حاجة ملحة إلى وجوه فنية تعكس طموحات هذه الشريحة الجديدة من المجتمع. لم يعد مقبولًا أن تبقى البطولة مقصورة على أبناء الطبقة الأرستقراطية أو أصحاب النفوذ، بل أصبح الجمهور يبحث عن نجوم أقرب إلى حياته اليومية وأحلامه. 

 

فى هذا السياق بزغ نجم أحمد رمزى، الطالب الوسيم ابن العائلة الميسورة والفتى الرياضى الذى مثل طموحات جيل الطبقة الوسطى الصاعدة. صورته فى المجلة كـ «الولد الشقى» جعلته محبوبًا لدى الشباب، ورسخت مكانته السينمائية كرمز للمغامرة والحيوية. فقد شكل حضورًا خاصًا، وأصبح نموذجا لجيله باعتباره «فتى الأحلام» الذى يجسد صورة الصديق أو الزميل، لا مجرد بطل بعيد المنال على الشاشة.

 

ولم يكن رمزى المثال الوحيد. فقد لعبت روزاليوسف دورًا رئيسيًا فى تقديم وجوه جديدة تعكس ملامح هذه المرحلة. ففى منتصف الخمسينيات، احتفت المجلة بظهور ماجدة، التى لم تتح لها فى بداياتها فرصة البطولة المطلقة. لكن مع فيلم «مصطفى كامل» إخراج أحمد بدرخان، تحولت فرصتها إلى لحظة فارقة. فقد نشرت المجلة فى عددها (1246) خبرًا مصحوبًا بصورتها، حمل عنوانًا صريحًا فى دعمها، جاء فيه: 

 

«عُرض فيلم مصطفى كامل الذى أخرجه أحمد بدرخان عرضًا خاصًا فى الأسبوع الماضى. وكان إخراج الفيلم وموضوعه حدثًا جديدًا فى الأفلام الوطنية. واستطاعت ماجدة كممثلة الدور الأول أن ترتفع بفنها إلى السماء، ولا ينتظر الجمهور ماجدة إلا وهى فى السماء».

 

عبد الحليم حافظ

عندما نذكر العلاقة بين الصحافة وصناعة السينما فى مصر، لا يمكن أن نتجاوز تجربة عبدالحليم حافظ. فالعندليب الأسمر لم يكن مجرد مطرب ظهر فى منتصف القرن العشرين ليضيف صوتا جديدا إلى الساحة، بل كان حالة فنية واجتماعية شاملة، صُنعت بدقة عبر تضافر أدوات مختلفة يسرتها له روزاليوسف على صفحاتها. 

 

فى هذه اللحظة الفاصلة، جاءت روزاليوسف لتتبنى صورته وتعمل على تكريسها. لم تكتفِ المجلة بنشر أخباره الغنائية، بل تعاملت معه كنجم فى طور التشكل، يحتاج إلى صناعة صورة كاملة تُقنع الجمهور بأنه ليس مطربًا عابرًا، بل «ظاهرة عاطفية». ففى العام 1955 نشرت روزاليوسف مقالًا تحليليًا فى العدد 1426 يحمل عنوان: «حول أغانى عبدالحليم»، وفى العدد التالى 1427 خبر عن عبدالحليم والمخرج حلمى رفلة، بينما تواصلت الأخبار عن عبدالحليم، حتى المتعلقة بشائعات زواجه، وعلاقته العاطفية. وفى عام 1965 العدد 1909 نشر حوار كامل على صفحتين مع عبدالحليم حافظ. 

 

مارست روزاليوسف دور «منتجة الظل» لعبدالحليم، بمعنى أنها ساهمت فى رسم ملامحه كنجم سينمائى بنفس القوة التى عملت بها شركات الإنتاج. فمع أولى بطولاته السينمائية فى فيلم لحن الوفاء (1955)، خصصت المجلة مساحات واسعة للحديث عن تجربته الجديدة، ونشرت صورا من الكواليس تُظهر عبدالحليم إلى جوار شادية فى لحظات حميمية، تعكس الكيمياء التى ربطت بينهما فنيا. هذه الصور لم تكن مجرد دعاية للفيلم، بل كانت صياغة لحكاية عاطفية أحب الجمهور متابعتها.

 

مع توالى أفلامه مثل أيامنا الحلوة (1955)، والوسادة الخالية (1957)، وحكاية حب (1959)، ظلّت روزاليوسف تتابع مسيرة عبدالحليم لحظة بلحظة. لم تكن هذه المتابعة مجرد رصد لأفلام ناجحة، بل كانت عملية «تثبيت» لصورة النجم العاطفى الذى يحقق المعادلة الكاملة: صوت يطرب، وشخصية سينمائية تخطف القلوب.

 

وكانت المجلة، تتوالى فى نشر أخبار وتقارير خاصة عن كواليس تصوير الوسادة الخالية، مع صور لعبدالحليم فى لحظات توتر أو رومانسية، تُظهره كأنه يعيش ما يغنيه ويمثله. هذه التقارير جعلت الجمهور يترقب عرض الفيلم وكأنه حدث شخصى يخصهم، لا مجرد عرض سينمائى. 

 

 

صعود الطبقة الوسطى

ارتبط صعود عبدالحليم أيضًا بالتحولات الاجتماعية التى أعقبت ثورة يوليو 1952. فقد صارت الطبقة الوسطى، التى كانت تبحث عن ممثل حقيقى لأحلامها، ترى فى العندليب تجسيدًا لهذه الأحلام. بدا شابًا عاديًا قريبًا منهم، بملامحه البسيطة وأسلوبه المتواضع، لكنه فى الوقت نفسه يحمل صوتًا قادرًا على أن يرفعهم إلى سماوات الحلم. 

 

روزاليوسف التقطت هذه اللحظة بدقة، وقدمت عبدالحليم كنموذج للفتى المصرى الذى يشبه الجمهور ويعبر عنه، على عكس الصورة الأرستقراطية التى ارتبطت بنجوم سابقين. فمع كل صورة كانت المجلة تنشرها له فى أدوار رومانسية، وكل حوار يظهر جانبه الإنسانى البسيط، كانت تترسخ فكرة أن عبدالحليم ليس بعيدا عن جمهوره، بل «واحد منهم» استطاع بالصوت والعاطفة أن يصعد إلى القمة. 

 

ما ميز عبدالحليم عن غيره هو أن الإعلام لم يقدمه كنجم فقط، بل كأسطورة فى طور التكوين. روزاليوسف كانت حريصة على ربطه بالوجدان العام، فنشرت مقالات تصفه بأنه «صوت الثورة العاطفى»، و«ابن جيله»، و«النجم الذى لا يشبه أحدًا قبله». حتى فى أوقات مرضه وأزماته الصحية، لم تتردد المجلة فى تحويل محنته إلى مساحة لتعاطف جماهيرى ضخم، جعلت صورته أكثر إنسانية، وبالتالى أكثر رسوخًا فى قلوب محبيه.

 

لم تقدم روزاليوسف عبدالحليم فى صورته الفنية فقط، بل اهتمت بملامحه الإنسانية والاجتماعية. فحواراته المنشورة فيها كثيرًا ما ركزت على طفولته اليتيمة، ونشأته البسيطة، ومعاناته المبكرة مع المرض، لتُظهر أنه ليس مجرد فنان ناجح، بل قصة كفاح صادقة تلامس قلوب المصريين. هذه العناصر مجتمعة جعلت صورته تخرج من كونها صورة فنان محبوب إلى رمز اجتماعى يمثل الحلم الممكن. 

 

لم يكن عبدالحليم حافظ ظاهرة موسيقية فحسب، بل كان مشروعًا متكاملًا لصناعة نجم عاطفى، شاركت فيه السينما والغناء والسياسة، لكن روزاليوسف على وجه الخصوص كان الخيط الذى نسج هذه المكونات فى صورة واحدة. فالمجلة لم تكتف بأن تكون شاهدًا على صعوده، بل كانت فاعلًا أساسيا فى تكريس صورته كنجم عابر للأزمنة، يظل حيا فى الذاكرة حتى بعد رحيله. 

 

لم يقتصر دور المجلة على الكتابة عن الأفلام والنجوم، بل امتد إلى تشكيل الوعى البصرى للجمهور. فبفضل جودة التصوير وجمالية الصور المنشورة فى صفحاتها، أصبحت روزاليوسف معلمًا بصريًا بحد ذاتها. كانت صور الفنانين ليست مجرد لقطات عابرة، بل كانت صورًا فنية تظهر النجوم فى أبهى صورة، وتبرز ملامحهم وتعابيرهم بطريقة تزيد من جاذبيتهم وحضورهم. هذه الصور أثرت بشكل مباشر فى تصميم الملصقات السينمائية وفى طريقة تقديم النجوم للجمهور، مما أسس لمعايير جمالية جديدة.

 

على سبيل المثال، الصور الشهيرة التى نشرتها المجلة للفنانة فاتن حمامة أو شادية لم تكن مجرد صور ترويجية، بل كانت تحمل بُعدًا جماليًا يجعل القارئ يحتفظ بها ويعلقها أحيانًا على جدران المنزل. كذلك الصور المبتكرة لعمر الشريف أو رشدى أباظة كانت تظهرهما فى أوضاع تبتعد عن الرسمية الجامدة، لتعكس جانبًا إنسانيًا أو عاطفيًا يقرب النجم من جمهوره.

 

 

 

من السندريلا إلى “الزعيم” و”ضمير الجيل”

لم تكن السينما المصرية وحدها قادرة على صناعة النجوم. فالشاشة الفضية، على جمال سحرها، لم تكن كافية لتحويل الممثل إلى أيقونة اجتماعية أو رمز جماهيرى. احتاجت السينما دائما إلى ذراع إعلامية ترسخ صورة الفنان، وتبنى حوله سردية متكاملة تجعل منه شخصية قريبة من الناس وملهمة فى الوقت نفسه. وهنا لعبت مجلة روزاليوسف دورًا تاريخيًا لا يمكن إنكاره، إذ تحولت منذ الأربعينيات إلى منبر لا يواكب الحركة الفنية فقط، بل يصنعها ويمنحها المعنى. من خلال صفحاتها، تكرست صور نجوم كبار، من سعاد حسنى إلى عادل إمام، وصولًا إلى أحمد زكى، كوجوه تعكس تحولات المجتمع المصرى عبر عقوده المتعاقبة.

 

سعاد حسني

فى مطلع الستينيات، كانت مصر على أعتاب مرحلة جديدة، بعد سنوات من ثورة يوليو وما رافقها من وعود اجتماعية واقتصادية. احتاج الجمهور إلى نجمة تعكس ملامح الحياة اليومية، وتجسد أحلام الفتيات والشباب من أبناء الطبقة الوسطى. هنا برزت سعاد حسنى فى حسن ونعيمة (1959)، ليس فقط كوجه جديد على الشاشة، بل كرمز لصورة «بنت مصر الحديثة»: بسيطة، بريئة، مفعمة بالحيوية، وفى الوقت نفسه قوية وقادرة على تحدى القيود.

 

منذ ظهورها الأول، تبنتها روزاليوسف، فنشرت صورها وحواراتها، وصاغت حولها سردية تجعلها قريبة من الناس. لم تكن المجلة تكتفى بتقديم أخبارها الفنية، بل كانت تبنى صورة اجتماعية: فتاة من لحم ودم، تحب وتخطئ وتفرح وتحزن مثل أى واحدة من جمهورها. ومع انتقالها لاحقًا إلى أدوار أكثر عمقًا، ظلت المجلة تواكبها، فحولتها من نجمة شابة إلى أيقونة وطنية وعربية. أعمال مثل «خلى بالك من زوزو» أو «شفيقة ومتولى» التى عبرت عن قضايا المرأة والحرية والطبقات الاجتماعية، لاقت تغطية كبيرة جعلت سعاد حسنى أكثر من ممثلة: صارت «سندريلا الشاشة» التى تعكس التحولات الكبرى فى المجتمع المصرى. 

 

نجلاء فتحي

منذ لحظة ظهورها فى أواخر الستينيات، حملت نجلاء فتحى ملامح مختلفة عن صورة النجمة التقليدية. جمالها الهادئ وحضورها الرقيق جعلاها قريبة من الجمهور، لكن ما رسخ مكانتها أبعد من المظهر. فقد التقطت روزاليوسف مبكرا أن نجلاء تمثل نموذجا لبطلة رومانسية واعية، تجمع بين العاطفة والقدرة على اتخاذ القرار، وهو ما انسجم مع التحولات الاجتماعية التى شهدتها مصر بعد الهزيمة عام 1967 وبداية السبعينيات.

 

لم تُقدم نجلاء فى المجلة بوصفها مجرد «فتاة أحلام»، بل كصوت يعكس طموحات المرأة المصرية الحديثة. فى مقالاتها وحواراتها المصورة، ظهرت كنجمة تحمل وعيًا خاصًا، قادرة على اختيار أدوارها بعناية، وتقديم شخصيات تقف فى مواجهة الواقع لا تذوب فيه. ولهذا، حين جسدت أدوارًا عاطفية أو إنسانية، مثل فيلم «اذكرينى» عام 1978 مع محمود ياسين وإخراج هنرى بركات، كانت تبدو وكأنها تكتب سيرة أنثى تبحث عن ذاتها فى عالم متغير. 

 

عادل إمام

أما السبعينيات والثمانينيات، أنجبت ظاهرة مختلفة تمامًا: عادل إمام. فى البداية، ظهر كوجه كوميدى خفيف الظل، لكنه سرعان ما تحول إلى «زعيم» السينما المصرية، ليس فقط بفضل أدواره، بل أيضا بفضل الترويج الإعلامى الذى واكب صعوده. لعبت روزاليوسف هنا دورًا أساسيًا، إذ قدمت عادل إمام كرمز لـ «البطل الشعبى»، القريب من الناس بلغته ونكاته وتعليقاته الساخرة.

 

لم يكن مجرد ممثل ناجح، بل شخصية عامة تتجاوز الشاشة. تغطيات المجلة لم تقتصر على أفلامه، بل تناولت أيضا حضوره السياسى والاجتماعى. ففى زمن شهد الانفتاح الاقتصادى وصعود قوى جديدة، كان عادل إمام يمسك بخيوط اللحظة: فى الكوميديا، كان يعكس ذكاء المواطن البسيط فى مواجهة السلطة أو البيروقراطية؛ وفى الدراما، كما فى الإرهاب والكباب (1992)، أبرزت المجلة دوره كصوت طبقة مسحوقة، حشرت فى بيروقراطية «مجمع التحرير» كرمز لمصر المأزومة. المقالات التى كتبت عنه حينها لم تعتبر الفيلم مجرد كوميديا سياسية، بل مرآة ساخرة تعكس أزمة مجتمع بكامله، وهو ما ثبت عادل إمام كزعيم يقرأ اللحظة الشعبية ويعيد صياغتها فنيًا.

 

 

 

أحمد زكي

ومع الثمانينيات والتسعينيات، كان التحول الكبير الذى مثله أحمد زكى. لم يأت إلى الشاشة بوسامة أحمد رمزى أو رومانسية عبدالحليم حافظ، بل بملامح مصرية خالصة، تحمل صدقا وواقعية جعلت منه نجمًا مختلفًا. منذ بداياته، أدركت روزاليوسف أن زكى ليس مجرد ممثل، بل حالة فنية واجتماعية. المقالات عنه أبرزته كصوت جديد، يجسد قضايا الناس بصدق نادر.

 

فى زمن تغيرت فيه مصر بفعل الانفتاح وتحديات الهوية، ظهر أحمد زكى ليمنح الشاشة صوتًا لجيل كامل. عندما قدم فيلم البريء (1986) إخراج عاطف الطيب، لم تتعامل المجلة معه كفيلم مثير للجدل فقط، بل كعمل يفتح أسئلة كبرى عن السلطة والعلاقة بين المواطن البسيط ومؤسسات الدولة. وحين قدم زوجة رجل مهم (1987) إخراج محمد خان، كتبت روزاليوسف عنه بوصفه انعكاسا لتحولات اجتماعية خطيرة فى زمن الانفتاح والفساد.

 

كما لعبت المجلة دورًا محوريًا فى ترسيخ صورة أحمد زكى كممثل قادر على «تجسيد الرموز». حين قدم شخصية الرئيس جمال عبدالناصر فى فيلم «ناصر 56»، ثم أنور السادات فى فيلم «أيام السادات»، لم يكن الأمر مجرد أداء تمثيلى، بل إعادة صياغة للذاكرة الوطنية. المقالات المصاحبة لهذه الأعمال فى روزاليوسف أكدت أن زكى صار «صوتًا للتاريخ» وضميرا للسينما المصرية.

 

منبر النجوم

لم تقتصر روزاليوسف على اكتشاف ودعم الوجوه الجديدة، بل كانت واحدة من أبرز المنابر الإعلامية التى تبنّت قضايا السينما المصرية ودافعت عنها عبر عقود، خصوصًا فى الأربعينيات، وهى المرحلة التى مثلت نقطة انطلاق حقيقية لنهضة الصناعة. فى تلك الفترة، قاد رواد الفن مثل نجيب الريحانى ويوسف وهبى مسيرة السينما المصرية، فلم يكتفوا بالتمثيل، بل حملوا على عاتقهم مهمة تطوير هذا الفن وتثبيت دعائمه. وفى خضم هذه التحديات، لعبت روزاليوسف دورًا محوريًا فى فتح صفحاتها لمناقشة قضايا السينما، حيث نشرت مقالات جريئة، منها مقال للريحانى فى العدد (870) بتاريخ 15 فبراير 1945، تحدّث فيه بوضوح عن معاناة الصناعة وضرورة دعمها حتى تواصل مسيرتها وتزدهر.

 

لكن الدور الذى لعبته المجلة تجاوز حدود المقالات والنقد، لتتحول إلى «منتِج غير مرئى» للسينما المصرية. فقد أسهمت فى الترويج للأفلام عبر الإعلانات، إلا أن هذه الإعلانات لم تكن مجرد مساحات تجارية تقليدية، بل جاءت كجزء من استراتيجية إعلامية مدروسة. صُممت الإعلانات بعناية، لتجمع بين النص الجذاب والصور الفوتوغرافية اللافتة، مقدِّمة الفيلم على أنه «حدث فنى» يستحق الحضور، لا مجرد منتَج استهلاكى. كانت العناوين تُكتب بخطوط ضخمة مثيرة، مرفقة بصور درامية لأبطال الفيلم فى لحظات فارقة، مع عبارات من قبيل: «فيلم يهز المشاعر» أو «القصة التى ينتظرها الجميع». بهذه الطريقة، ساهمت المجلة فى تحويل الإعلان السينمائى إلى خطاب ثقافى وفنى متكامل.

 

وقد حظيت أفلام أخرى بمساحات بارزة فى صفحات روزاليوسف، مثل «غرام وانتقام» و«الزوجة الثانية» 1967، و«باب الحديد» 1958، وفيلم «الأرض» 1970. ولم تكن هذه الإعلانات مجرد تقديم لمواعيد العرض أو أسماء الأبطال، بل كانت دعوات مفتوحة للجمهور إلى المشاركة فى حدث وطنى وفنى.

 

وفى عدد رقم 870 صفحة 20 نشر خبر عقب أيام من وفاة أسمهان ذكر فيه الآتى: (فريد الأطرش يرفع دعوى قضائية ضد أخوه فؤاد ووالدته علياء وزوج أخته باعتبارهم ورثة أسمهان يطالبهم فيها بسداد دين قدره 3500 جنيه كان دينًا على الفقيدة لحضرات «سلفاتور شيكوريل» و«إسماعيل وهبى» و«شوقى محسن»، وقام فريد بسداده. وكان محددًا لنظر الدعوى يوم 23 يناير1945 وتم تأجيل الدعوى).

 

وفى العدد رقم 875 من نفس العام نشر على صفحة كاملة إعلان للفيلم متضمنًا عنوان: العيد المئوى لفيلم «غرام وانتقام» وإهداء سيناريو مجانًا لكل متفرج. وقد سبقه فى عدد 872 نفس الإعلان بشكل مختلف تحت عنوان تحفيزى للجماهير «النجاح الباهر والفوز الساحق لفيلم «غرام وانتقام».. 

 

وربما كان هذا العام مميزًا إلى حد كبير، رغم فقد السينما فى ذلك الوقت لموهبة فريدة مثل «أسمهان»، فلم تغفل روزاليوسف متابعة ما له علاقة بأسمهان، وكأنه نوع من الرثاء المعلن والفنى على صفحاتها، إلى جانب نموذج الأخبار المذكورة سابقًا، وصولًا إلى مقال تحليلى عن موت أسمهان، نشر على صفحة كاملة فى العدد 879 تحت عنوان: «حادث لم ينشر عن المرحومة أسمهان». 

 

 

هذا التوظيف للإعلان لم يكن مجرد أداة دعائية، بل تحول إلى وسيلة لبناء ذاكرة جماعية للسينما.

 

فالأفلام التى روّجت لها المجلة لم تُعرض فقط فى دور السينما، بل ترسخت صورها فى وعى الناس عبر صفحاتها، ليظل القارئ يتذكرها حتى بعد انتهاء العرض.

 

 وهكذا لم تكن روزاليوسف مجرد وسيط إعلامى، بل شريكًا أصيلًا فى صناعة تاريخ السينما المصرية وحفظه.