 
                            شوقي عصام
روزاليوسف تكتب لـ"السادات" وثيقة ثورة التصحيح
لم تكن تركة الرئيس جمال عبدالناصر التى حمل أثقالها بطل الحرب الرئيس أنور السادات، عبارة عن «نكسة» ظلت «وصمة» حتى يوم النصر فى أكتوبر 1973، بل كان هناك فى الأساس، ما تسبب فى هذه التركة ولم يستطع عبدالناصر بعد آلام 67 التى أوجعته وجاءت له بـ«الموت البطىء» التعامل معها؛ بل كان مستسلمًا أمامها وهى «مراكز القوى».
مراكز القوى» التى نهشت فى جسد ثورة يوليو واستغلتها عبر عناصر بأبشع الصور حتى إنه فى بعض الأحيان بحسب من عاشوا هذه الفترة، يتمنون يومًا من أيام الملكية فى ظل سلطة أصحاب تلك المراكز الذين كانوا يحركون كل ما هو فى الدولة لصالح نفوذهم، والأصعب من ذلك أنهم لم يكونوا فى وحدة من أمرهم، بل كانت هذه المراكز ذاتها فى صراعات، فانشغل صاحب القرار بهم على حساب عودة الروح للشارع بنصر كان مستحيلاً ولكنه تحقق.
«روز اليوسف» كانت متشبعة بمبادئ ثورة يوليو من قبل إعلانها لأنها كانت تدافع من أجلها فى صولات وجولات، ذهبت بأصحاب أقلام إلى ما وراء القضبان، ولكن أصبح جانب كبير من هذه المبادئ، تمخضت فى عبارات مدونة على لافتات من القماش تحمل صورة الزعيم، حتى يتربح منها من تشدقوا بها، لينصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب ومدافعين عن الدولة، كاتمين أى صوت ضحى وساند بلدًا رسم فى صورة بالألوان، وتمزق من أشخاص كانوا أقوى من أى مركز.
على مدار 18 عامًا، مع يوليو 1952 حتى مايو 1971، كانت مجلة روزاليوسف تحذر من بالونات مراكز القوى، التى تستغل المبادئ التى وعُد بها المصريون من «عبدالناصر»، وكانت تلقى الضوء على هؤلاء الرجال الذين كانوا يحيطون «عبدالناصر» بكلمة «برقبتى يا ريس» حتى تضخّموا وباتوا أكبر من مناصبهم كثيرًا، ومع كل كلمة تحذير يحمل دق «ناقوس الخطر»، كان يدفع أصحاب أقلام فى «روز اليوسف» الثمن بتهم معلبة من «مراكز القوى» ومنها أنهم من «أعداء الوطن» أو متآمرين مع الخارج».
حضرت صفحات روزاليوسف سريعًا فى أحداث 15 مايو وهى حاسمة أمرها لإدراكها أن هذه هى «ثورة التصحيح» لما حذرت منه لأكثر من 19 سنة حتى جاء بالنكسة و«روح عبدالناصر»، ولكن يبدو أن أقلامها مثل الكثيرين فى أنحاء مصر، يدركون «دهاء» الرئيس السادات الذى ظن الجميع أنه أضعف كثيرًا من عبدالناصر وأنه سيتم ابتلاعه فى «هضمة واحدة» ممن كبرت بطونهم لأكثر من عقدين، وكله بالقانون..
وقفت «روزاليوسف» واثقة من موقفها مع «ثورة التصحيح» على الرغم من أنه خلال أحداثها الساخنة التى دارت خلال 48 ساعة عندما كانت الصورة مشوشة وأوراق اللعبة دائمًا ما تكون لصالح «مراكز القوى» الذين كانوا أكبر فى السلطات من رئيس الجمهورية ويمتلكون نفوذًا كبيرًا لدرجة تعاملهم مع «السادات» على أنه أقل ما يقال عنه أنه واجهة أو قطعة شطرنج يحركونها بكل سهولة، ولكن دهاء الرجل الأسمر كان قادرًا على قطع الأحبال التى شنقت عبدالناصر حتى يتفرغ للمسئولية المستحيلة بالحرب والعبور والتحرير.
في صف الشارع
لم يكن ما استكملت مَشاهده الأولى فى 13 مايو 1971 صراعًا على السلطة؛ بل انقلاب عليها، من جانب مراكز القوى عندما تقدّم أهم الوزراء والساسة باستقالات من جانبهم، أملاً فى إسقاط السادات بالوصول إلى فراغ دستورى، على رأسهم نائب رئيس الجمهورية على صبرى، ووزير الدفاع محمد فوزى، ووزير الداخلية شعراوى جمعة، ووزير الإعلام محمد فائق، ورئيس البرلمان محمد لبيب شقير، وسكرتير رئيس الجمهورية سامى شرف.

حضرت «روزاليوسف» فى صف الشارع من الساعات الأولى من 15 مايو 1971 بعد الإجراءات التى اتخذها «السادات» ضد «مراكز القوى»، بعد أن خاضت المجلة معارك كانت كاشفة لدور هؤلاء الساسة الوزراء منذ أيام عبدالناصر بتقييد رئيس الجمهورية قبل أن يأخذوا الشارع رهينة، فى مواجهات خاضتها أقلام المجلة على مدار ما يقارب العقدين، حول إعلاء الدستور وسيادة القانون والحريات المسئولة.
فى العدد الذى سبق 15 مايو 1971، والذى صدر فى 10 مايو، كان وزير الخارجية الأمريكى وليام روجرز فى القاهرة، وكانت المواجهة فى أوج صعودها المكتوم بين السادات ومراكز القوى، وبعد حوار دام 14 ساعة، رفض السادات العرض الأمريكى بحل انتقالى أو مؤقت، فى وقت كان يعمل وزراء مراكز القوى ورجالهم فى الاتحاد الاشتراكى على تفجير الشارع، بالترويج إلى أن ما يجرى بين «السادات» و«روجرز» يقود إلى مبادرة تجعل سيناء «محلك سر» للأبد مع العدو، فى حين أن هذه المبادرة ذاتها كان يدفع مراكز القوى «عبدالناصر» للمثول أمامها والإقرار بها، فى حين أن «السادات» كان يذهب مع «روجرز» بأكبر عدد من اللقاءات، سيرًا مع عدة أطر فى مقدمتها «خطة الخداع الاستراتيجى» وإقناع واشنطن قبل إسرائيل أنه لن يحارب وسيظل على خط التماس أو إلى الوراء قليلاً.
فى نفس العدد، رصدت المجلة الواقعة الشهيرة التى كانت ضمن احتفالات عيد العمال، عندما حركت مراكز القوى أصواتًا حاضرة من المفترض أنها من بين العمال، بهتافات تؤخذ على أنها ضده بسبب حالة اللا سلم واللا حرب، وذلك خلال افتتاحه أكبر مصنع لإنتاج الأسمدة والكيماويات فى الشرق الأوسط، ومن ثم نقل هذا المشهد عبر شاشة التليفزيون التى كان مسيطرًا عليها من «مراكز القوى» فى سياق تأهيل الشارع لما كان يخططون له بأيام معدودة لـ«السادات» بإظهاره فى شخص الضعيف وغير المؤهل لهذا المنصب وأنه ليس بسمات القائد الذى يخوض حرب التحرير.
العلاج بالديمقراطية
وفى العدد 2240 فى 17 مايو 1971، جاءت نسخة المجلة الأسبوعية بعد أحداث 15 مايو بيومين، وكان العنوان الرئيسى للمجلة «الوحدة الوطنية والقوات المسلحة والحريات»، وكان ذلك مقالاً بقلم الأستاذ كامل زهيرى الذى جاء فيه أنه كثيرًا ما كتب أن علاج الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية وأن خلق وطن قوى ومواطن ضعيف، ينتهى دائمًا بالفشل، وأنه لا بُد من تقوية الحريات وتدعيمها وتعميق سيادة القانون ووضع القواعد الراسخة بدلاً من الارتجال، فى ظل وجود دستور مؤقت لا يتناسب مع حجم المرحلة التى تحتاج على الأقل تحديد مهام كل سلطة وأن يحمل الدستور تفنيدًا لذلك لا يتم تفسيره على هوى «مراكز القوى».
وتحدّث «زهيرى» فى مقاله عن أن مراكز القوى التى لا يحاسبها الشعب حتى لو نشأت بدعوى لمصلحة الشعب تنتهى فى نهاية الأمر إلى الانحراف، ولذلك حرية المواطن لا تنفصل عن حرية الوطن، وإن كانت التحركات الأمريكية الدبلوماسية لم تصل إلى نتيجة ولا يزال العدو متمسكًا بالتوسع والاحتلال، الحل الأوحد والأبقى هو تقوية الصمود الداخلى والتشبث والاستماتة على الوحدة الوطنية لحماية القوات المسلحة المقاتلة.
وضم ذات العدد، تقريرًا مُهمًا للأستاذ عبدالله إمام بعنوان «مبادئ جديدة فى الدستور الدائم»، مؤكدًا أن من أبرز التطورات التى تنتظرها الجبهة الداخلية خلال الأسابيع القليلة القادمة البدء فى إعداد الدستور الدائم وإن كانت فكرته مطروحة قبل عدوان يونيو 1967، وقد شكّل مجلس الأمة لجنة وضع مسودة لمشروع الدستور الدائم، وعقدت اللجنة جلسات مع المواطنين استمعت فيها لآرائهم فى موضوعات متعددة؛ وبخاصة ما يتعلق بالحريات وضمانات ممارستها، ليتضح فى هذا الإطار، استناد الرئيس السادات على الشعب فى هذه المواجهة بعد أن جعله شريكا فى هذه الدائرة التى كان ينفرد بها مراكز القوى ويتنافسون داخلهم عليها.
وفى عدد 24 مايو رقم 2241، جاء الرئيس السادات على غلاف المجلة حاملاً مدفعًا مدونًا عليه «حريات الشعب وحمَامات السلام» ملتفًا حوله الفلاحون والعمال ورجل الشارع البسيط والمثقف، رافعين لافتات «الوحدة الوطنية، الشعب مع الجيش» تأييدًا لقرارات 15 مايو.
سرطان مراكز القوى
وجاء فى هذا العدد مقال «مراكز الضعف هى القضية» للأستاذ صلاح حافظ، موضحًا فيه أن التجربة أثبتت أن مراكز القوى سرطان قادر كلما استئصلناه ينمو من جديد طالما يتاح له فراغ يشغله، فراغ فى القرية والمصنع أو النقابة أو فى أجهزة السلطة الشعبية، وأن الرئيس السادات قام بواجبه فى مواجهة هذه الحقيقة عندما دعا الملايين أن تضع بنفسها دستورها، وأدى واجبه عندما أقسم أن يوفر لهذه الملايين الحماية.
وبعنوان «مراكز القوى فى قفص واحد»، جاء غلاف مجلة «روزاليوسف» فى 30 أغسطس 1971، العدد رقم 2255؛ حيث تكونت هيئة المحكمة من رئيسها حافظ بدوى، وعلى اليمين بدوى حمودة وعلى اليسار حسن التهامى، وكانت كلمات المجلة واضحة، بأن هذه القضية ينبغى أن تدور فصولها حول معنى أن التحرك فى اتجاه الصراع على السلطة عبارة عن نكسة لخطة الخروج من 1967 إلى نصر وطنى، وإن اصطناع الصراع أو تحريك الخلاف فى الرأى على قاعدة الصراع الفردى على السلطة وإدارة كل هذا غيبة عن الشعب هو انقضاض على جميع الجهود التى بذلتها الجماهير لرأب الشرخ الهائل الناشئ عن العدوان وعودة بالوطن إلى الأيام الستة السوداء من يونيو 1967 وتصميم تآمرى.
وشهدت قضية «مراكز القوى» التى كانت خطوة للسادات لتمتين الجبهة الداخلية ليكون الجميع على قلب الجيش فى مهمته التى جاءت بمعجزة أكتوبر، محاكمة 12 متهمًا رئيسيًا من بين 91 متهمًا فى القضية التى أطلق عليها المدعى الاشتراكى اسم «قضية المؤامرة»، وحوكم فيها كبار المسئولين التنفيذيين والشعبيين الذين عملوا بجوار جمال عبدالناصر، حتى رحيله فى 28 سبتمبر 1970، وألقى المدعى الاشتراكى مصطفى أبوزيد مرافعته الافتتاحية، وطالب فيها بإعدام 9 متهمين من بين الـ12، وهم على صبرى، شعراوى جمعة، سامى شرف، ضياء الدين داود، محمد فائق، أحمد كامل، لبيب شقير، فريد عبدالكريم، عبدالمحسن أبو النور، وطالب بالأشغال الشاقة المؤبدة للثلاثة الباقين، وهم حلمى السعيد، وسعد زايد، وعلى زين العابدين، لكن الرئيس السادات خفف الحكم إلى السجن لمدد متفاوتة، وقضى بعضهم المدة كاملة فى السجن، وأفرج عن آخرين لأسباب صحية.
 
 
 
                        

 
                        







