الأحد 28 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الأولى للتمرير والثانية للرفض

لماذا صفق النواب مرتين لـ«الإجراءات الجنائية»؟

فى مشهد برلمانى مُحير، وجد النواب أنفسهم أمام مرآة تكشف ما اعتبره البعض تناقضات؛ فقد صوتوا قبل أشهر بأغلبية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ثم لم يلبثوا أن صفقوا بحرارة لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى برده إليهم.. وبين المشهدين تظهر علامات الاستفهام ويدور فى الأذهان تساؤلات: هل يمارس النواب دورًا تشريعيًا حقيقيًا أم يكتفون بدور «المُنجز».



لقد جاء تدخل الرئيس ليعكس رؤية «الجمهورية الجديدة» -التى يُحتمل أن تكون قد تاهت فى ردهات المجلس-، تلك الرؤية التى تنحاز بشكل مطلق لدولة القانون وحماية الحقوق والحريات. 

قبل نحو 5 أشهر وتحديدا فى 29 أبريل الماضى، وافق مجلس النواب، خلال الجلسة العامة، نهائيا على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذى أعدته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب.

وقال رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفى جبالى، عقب موافقة الأعضاء وقوفا على مشروع القانون، إنه وحيث توافرت الأغلبية اللازمة للموافقة على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، لذا أعلن موافقة المجلس نهائيا على هذا المشروع بقانون.

وبمجرد موافقة البرلمان على القانون –حينها- انهالت الإشادات الحزبية والبرلمانية بما تحقق من «خطوة تشريعية فارقة وإنجاز تاريخي»، كون القانون يرتبط ارتباطا كاملا بكل ما يتعلق بضمان حقوق المواطن الدستورية، وكان من ضمن الإشادات أن إصدار القانون جاء نتاج «رؤية تشريعية مدروسة».

لكن رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى للقانون كانت مغايرة نسبيًا، فرغم ما نوه إليه الرئيس بجهود مجلس النواب فى إقرار مشروع القانون وما استحدثه فيه من تنظيم موضوعات لأول مرة منها؛ إجراءات منع المتهمين من السفر ووضعهم على قوائم ترقب الوصول، وإجراءات التعويض المادى عن الحبس الاحتياطى فى حالات محددة وتخفيض مدده، وإجراءات التحقيق وتجديد الحبس والمحاكمة عن بعد من خلال استخدام وسائل تقنية المعلومات، وإجراءات حماية الشهود، وإجراءات التعاون القضائى الدولى فى المسائل الجنائية، وكذلك التعديلات الجوهرية التى أدخلها مجلس النواب على عدد آخر من نصوص قانون الإجراءات الجنائية السارى، إلا أنه وجه برد مشروع القانون إلى مجلس النواب؛ لبحث الاعتراضات على عدد من مواده، وذلك بعدما وردت إليه مناشدات عديدة لإعادة النظر فى بعض مواد القانون.

وتتعلق المواد المعترض عليها باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطى للحد من اللجوء إليه، وإزالة أى غموض فى الصياغة يؤدى إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع، وإتاحة الوقت المناسب أمام الوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الآليات والنماذج المستحدثة فى مشروع القانون والإلمام بأحكامه ليتم تطبيقها بكل دقة ويسر وصولًا إلى العدالة الناجزة فى إطار من الدستور والقانون.

وهنا التساؤل الأول.. لماذا لم ينظر مجلس النواب من البداية لكل الآراء والاعتراضات تجاه قانون بتلك الأهمية؟

إشادات فى مرآة التناقضات

بمجرد صدور بيان الرئيس السيسى برد مشروع القانون إلى مجلس النواب، سارع أعضاء المجلس –الذين وافقوا على مشروع القانون سابقا- إلى الإشادة بقرار الرئيس بإعادة مشروع القانون للبرلمان، مشيرين إلى أن ذلك يعكس حرص الرئيس الدائم على صون الدستور وانحيازه الكامل لحقوق وحريات الشعب المصرى –وهذا أمر حقيقى أثبتته مواقف عدة- ولكن هل هذا يعنى أن نواب الشعب الذين وافقوا على مشروع القانون فى صورته الأولى لم يكونوا حريصين على صون الدستور، وانحيازهم ليس كاملا لحقوق وحريات الشعب المصري؟، أم أنهم لم يكونوا جديرين بمثل تلك المسئولية؟!.

وهنا التساؤل الآخر.. كيف للمواطن أن يثق فى نواب صفقوا مرتين الأولى للتمرير والثانية للرفض؟

مجلس النواب ينعقد

بينما كان أعضاء النواب يصدرون بيانات الإشادة بصورة فردية، أصدر مجلس النواب بيانا أعلن فيه إدراج الاعتراض الوارد فى رسالة رئيس الجمهورية بشأن الاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، فى أول جلسة عادية لمجلس النواب بدور الانعقاد العادى السادس من الفصل التشريعى الثانى، وذلك يوم الأربعاء الموافق الأول من أكتوبر المقبل، ودعوة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، للإدلاء ببيان فى هذا الشأن.

وذكر مجلس النواب –فى بيانه- «لقد تلقى مجلس النواب كتاب الرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، بشأن الاعتراض على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، عملًا بحكم المادة (123) من الدستور، وهو كتاب يفيض بحسّ وطنى عميق، وبصيرة دستورية نافذة، وحرص صادق على أن يظل البناء التشريعى فى مصر قائمًا على أسس متينة من الوضوح والإحكام والتوازن، فلا يغلب فيه جانب على آخر، ولا تطغى فيه مقتضيات العدالة الناجزة على ضمانات الحرية».

وأضاف «وإن مجلس النواب إذ يرحّب ترحيبًا عظيمًا بهذا التوجيه الرئاسى، ليؤكد أن ما تفضّل به رئيس الجمهورية يمثل أرقى صور ممارسة الصلاحيات الدستورية، ويعكس وعيًا استثنائيًا بقدسية العدالة الجنائية ومكانتها فى صون السلم العام وحماية المجتمع». 

وتابع المجلس -فى بيانه- «إن ما عبّر عنه رئيس الجمهورية فى رسالته لم يكن مجرد ممارسة لحق دستورى مقرر، وإنما هو تجسيد حيّ لنهج سياسى راسخ، يقوم على الانحياز المطلق لدولة القانون، والإيمان العميق بأن حماية الحقوق والحريات ليست منّة تُمنح، وإنما هى التزام دستورى أصيل، وأن العدالة لا تستقيم إلا إذا اقترنت باليقين والوضوح والإنصاف، وهذه هى عين الفلسفة التى التزم بها مجلس النواب فى مناقشاته للمشروع، غير أن عودة الرئيس بهذا الاعتراض الرشيد تضيف بُعدًا آخر من الدقة والاكتمال».

ويكون سيناريو جلسات البرلمان لبحث توجيه الرئيس كالتالى، يتم إدراج كتاب الرئيس على جدول الأعمال، لتقوم الجلسة العامة بإحالة الكتاب إلى اللجنة العامة، التى تُعد بمثابة عصب المجلس؛ لتناقش الاعتراضات وتعد تقريرا يُعرض على الجلسة العامة، ويقرر المجلس إما القبول والسير فى الإجراءات التالية، أو التمسك بالصيغ التى سبق إقرارها، وفى حال التجاوب مع الاعتراضات يُشكل المجلس لجنة خاصة برئاسة أحد وكيليه لصياغة النصوص النهائية للمواد محل الاعتراض.

 

زهران: اندهشت من إشادات النواب بقرار الرئيس رغم موافقتهم قبل أشهر على مشروع القانون
زهران: اندهشت من إشادات النواب بقرار الرئيس رغم موافقتهم قبل أشهر على مشروع القانون

 

رسالة سياسية

من جهته، ثمن الدكتور فريد زهران، رئيس حزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، توجيه الرئيس السيسى برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب، مبديًا اندهاشه من النواب والسياسيين الذين وافقوا على مشروع القانون قبل أشهر، والآن يشيدون بقرار الرئيس السيسى بإعادة القانون للبرلمان، قائلا: «نحتاج لإجابة.. كيف تحمستم للقانون وهاجمتم المعترضين، والآن تصفقون لقرار الرئيس».

وقال «زهران» –فى تصريحات لـ«روزاليوسف»، إن الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى هو الحزب الوحيد الذى رفض بكامل هيئته البرلمانية مشروع قانون الإجراءات الجنائية فى صورته التى أقرها مجلس النواب، والتى رأى الحزب أنها تتضمن العديد من أوجه القصور الكبرى.

مضيفًا أن نواب الحزب قدموا العشرات من التعديلات الجوهرية التى هدفت إلى تقليص الانتهاكات وضمان حقوق المتهمين، لكنها قوبلت جميعها بالرفض من الأغلبية البرلمانية.

وأشار «زهران» إلى أن البعض يتحدثون الآن عن أنهم قد امتنعوا عن التصويت للقانون، إلا أن الامتناع لا يعنى الرفض، ولم يرفض مشروع القانون بشكل واضح سوى المصرى الديمقراطي.

ووجه رئيس حزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، رسالة لمن وافقوا على مشروع القانون، قائلًا: «كونوا متسقين مع أنفسكم.. اعترفوا بخطأكم ولا تكابروا».

خطوة إيجابية

من جانبه، رحب المجلس القومى لحقوق الإنسان بتوجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لمناقشة الاعتراضات المثارة بشأن عدد من مواده، مؤكدًا أن هذه الخطوة تعكس احترام الدستور والاتفاقيات الدولية التى التزمت بها الدولة المصرية، وتبعث برسالة إيجابية للرأى العام حول جدية الدولة فى تعزيز حقوق الإنسان.

وأكد المجلس على أن صياغة القانون يجب أن تراعى الاستحقاقات الدستورية، وعلى رأسها نص المادة (93) من دستور 2014 التى تلزم الدولة باحترام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذى صادقت عليه مصر عام 1982، وخاصة المادة (14) منه المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة.

ورأى المجلس أهمية إعادة ضبط الصياغة القانونية لبعض المواد التى جاءت مطولة وغير متناسبة مع المعايير التشريعية، والالتزام بالمرجعيات الدستورية والدولية ذات الصلة، بما فى ذلك مبادئ المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، لضمان وضوح النصوص وقابليتها للتطبيق.

وأكد المجلس القومى لحقوق الإنسان أنه سيقوم برفع مقترحاته التفصيلية إلى مجلس النواب فى ضوء هذا التطور الجديد، وذلك لضمان أن تأتى الصياغة النهائية لمشروع القانون متسقة مع الدستور والاتفاقيات الدولية، ومستجيبة لمطالب المجتمع ومبادئ حقوق الإنسان.