الأحد 28 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مجدى خليل.. سقوط المناضل الافتراضى!

مصر أولا.. من الكونجرس إلى قناة i24 الإسرائيلية

مجدى خليل.. سقوط المناضل الافتراضى!

على مر التاريخ، تبرز بعض الشخصيات التي تدعى أنها تدافع عن قضايا مجتمعية عادلة.. وسرعان ما نكتشف مع مرور الوقت، أنهم مجرد أدوات فى يد أجندات خارجية موجهة سواء بحسن نية مرتكز على القيم والمبادئ، أو بسوء نية مرتكز على تحقيق مكاسب وامتيازات شخصية.



 

ومن بين أبرز هذه النماذج.. مجدى خليل، الذي طرح نفسه فى بداية ظهوره باعتباره «ناشطًا حقوقيًا» ومدافعًا عن المواطنين المسيحيين المصريين، ثم انتهى به المطاف مؤخرًا كضيف على قناة إسرائيلية يهاجم فيها القوات المسلحة المصرية من جهة، ويشيد بإسرائيل.. دولة الاحتلال من جهة أخرى. وهو ظهور ليس استثنائيًا أو عرضيًا، بل هو مسار تراكمى.. يرسخ رؤيته الأحادية فى توظيف الكارت الطائفى واستخدامه، واستدعاء التدخل الخارجى، والحماية الدولية للمواطنين المسيحيين المصريين، وتدويل أزماتهم وقضاياهم. فضلًا عن محاولته الدورية لتفجير مساحة الثقة ليس فقط بينهم وبين كنيستهم، بل ومع الدولة أيضًا. 

 بداية ملتبسة

بدأ مجدى خليل فى القاهرة.. كباحث اقتصادى بالبنك المركزى المصري، ثم رحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1995، ومنذ ذلك الحين.. يقدم نفسه كمدافع عن حقوق الأقليات وفى مقدمتهم المواطنون المسيحيون المصريون.

يفتقر مجدى خليل منذ البداية إلى الحرص على البعد الوطني. فلم يثبت عليه مرة واحدة.

حرصه على مخاطبة المؤسسات الرسمية المصرية، ولم يسع لفتح قنوات اتصال مباشرة سواء مع الكنيسة المصرية أو مع مؤسسات الدولة المدنية المصرية من منظمات المجتمع المدنى وغيرها. ويحسب له دوره فى تحقيق هدفه بدقة حيث انطلق مبكرًا للكونجرس الأمريكى والبرلمان الأوروبى ليدعو لتدويل ملف مشكلات المواطنين المسيحيين المصريين وأزماتهم. وهو ما كشف مبكرًا عن انحيازه الواضح للخارج ضد الداخل، كما أثار شكوكًا حول دوافعه الأساسية فى حقيقة دفاعه عن تلك المشكلات والأزمات أم توظيفها والمتاجرة بها للضغط على الدولة المصرية؟!

 خطاب طائفى موتور

ركز مجدى خليل خلال كل تلك السنوات الماضية على اختزال صورة المواطنين المسيحيين المصريين.. كجماعة مضطهدة بشكل ممنهج، مرتكزًا على وقائع شخصية أو فردية ليعممها باعتبارها ظاهرة مجتمعية. وكان أبرز ما روج له هو مزاعم اختطاف المواطنات المسيحيات المصريات.. وإجبارهم قسرًا على اعتناق الديانة الإسلامية. ومع تكرار مثل تلك الحالات.. ثبت غير ذلك، وأن العديد من الحالات تعود إلى مشاكل عاطفية وأسرية، وهو ما كان يستغل من بعض تيارات الإسلام السياسى واستثماره دينيًا وإعلاميًا لتفادى كون غالبيتهن من القاصرات.

المفارقة أن مجدى خليل لم يكتف بانتقاد الدولة فقط، بل تجاوز إلى الطعن فى الكنيسة الأرثوذكسية المصرية نفسها، واتهمها بـالانبطاح والذمية والتبعية. كما تهجم على رموزها العقائدية فى سلوك مشين ومثير للاستفزاز بالنسبة لأى مواطن مسيحى مصري متمسك بإيمانه.

هذا النهج، هو الذي أفقد مجدى خليل جزءًا كبيرًا من مصداقيته حتى بين المهاجرين المسيحيين المصريين.. الذين رفضوا الإساءة إلى كنيستهم وقياداتها. وبدا واضحًا أن هدفه لم يكن الدفاع عن حقوق، بل تحويل الملف إلى أداة ضغط سياسية على الكنيسة والدولة معًا.

 تدويل وحماية دولية

من أبرز إنجازات مجدى خليل سعيه المستمر داخل الكونجرس الأمريكى لإصدار قرارات ضد مصر. ولذا قام بالدعوة لتنظيم جلسات استماع عديدة والمشاركة فيها تحت عنوان «حماية الأقباط» ولم يسأل أو يحاسب نفسه على تداعيات مثل تلك الدعوات فى تحقيق مكاسب فعلية.. مثلما لم يسأل نفسه عما حدث للمسيحيين فى كل من: العراق وسوريا والسودان، والذين تركوا وحدهم لمصيرهم رغم كل الشعارات الوهمية الغربية فيما يخص حقوق الإنسان وحرية العقيدة والتعددية. وتحول غالبيتهم الآن إلى لاجئين فى دول العالم.. مما أدى إلى تراجع فى الوجود المسيحى بمنطقة الشرق الأوسط. لم يتحرك الكونجرس بدافع إنسانى.. بقدر ما استهدف المصالح الاستراتيجية الأمريكية. وهو ما يعنى أن مجدى خليل لم يكن يبحث عن مساعدة فى تقديم حلول حقيقية، بل سعى إلى استخدام الكونجرس لهذا الملف كنوع من الابتزاز السياسى ضد مصر.

ويحسب للكنيسة المصرية.. أنها قد واجهت هذا المسار بالرفض القاطع، وقد أكدت مرارًا أن مشكلات المواطنين المسيحيين المصريين وأزماتهم.. تحل داخليًا على أرضية وطنية. وهو الموقف نفسه الذي تبناه أغلب المواطنين المهاجرين المسيحيين المصريين.. الذين رفضوا الاستقطاب إلى توظيف مشبوه.

 مفارقات إسرائيلية

الواضح أن مفردات خطاب مجدى خليل منذ سنوات.. ارتكزت على التأكيد بأكثر من شكل على رواية أن المواطنين المسيحيين المصريين.. ليس لديهم عداوة مع دولة إسرائيل، وأن السلام معها.. فيه حماية لمصر. وهو ما تأكد مع ظهوره على قناة i24 الإسرائيلية فى النصف الأول من شهر يوليو 2025، التي هاجم فيها القوات المسلحة المصرية، وأشاد بما تقوم به إسرائيل فى قطاع غزة.. ليقدم صورة مشوهة ومبتورة عن مصر على لسان مواطن مسيحى مصري يدعى أنه معارض سياسى.

لا يقتصر الأمر على مجرد اعتباره مجرد رأى شخصى، بل هو مشاركة فيما تقدمه آلة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية وتستهدفه.. لشق الموقف المصري عبر المدخل الطائفى وحماية الأقليات فى لحظة تتزامن مع دعوات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وفى لحظة.. تتطلب أقصى درجات التماسك الوطني.

إنها لحظات السقوط الكاملة فمن يدعى زورًا وبهتانًا أنه يدافع عن حقوق المواطنين المسيحيين المصريين.. هو نفسه الذي أصبح بوقًا لإسرائيل ضد وطنه وضد الإنسانية.

 استهداف القوات المسلحة

ليس من الغريب، أن يهاجم مجدى خليل القوات المسلحة المصرية ويتطاول عليها.. بعد أن صمد الجيش فى مواجهة الإرهاب فى سيناء، واستطاع تأمين الحدود، ورفض مخططات التهجير، وتصفية القضية الفلسطينية، وقبل ذلك كله.. ساند شعبه فى ثورة 30 يونيو ضد اختطاف الدولة المصرية من الفاشية الدينية المتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

الهجوم عبر قناة إسرائيلية.. لا يقتصر على مجرد أنه رأى، بل عمل عدائى صريح يصب فى خدمة مصالح هى ضد مصر فى كل الأحوال، وتمثل تهديدًا لها. وفى لحظة إقليمية حرجة، يمكن لمثل هذه التصريحات أن توظف فى تقارير ودعاية دولية لإضعاف صورة مصر وتشويه مؤسساتها.

 مسار تراكمى

مسيرة مجدى خليل زمنيًا، تؤكد أن مواقفه ليست متناقضة، بل متسلسلة:

1 - مرحلة الشعارات.. من خلال ادعاء بالدفاع عن حقوق المواطنين المسيحيين المصريين.

2 - مرحلة التصعيد الطائفى.. من خلال تضخيم الحوادث الفردية وتصديرها كمنهج.

3 - مرحلة تدويل ملف الازمات الطائفية.. من خلال استدعاء الكونجرس والأمم المتحدة.

4 - مرجلة الاستعلاء.. من خلال التشكيك فى الشخصيات العامة المصرية المخالفة لآرائه.

5 - مرحلة الصدام مع الكنيسة.. من خلال الطعن فى قيادتها ورموزها العقائدية.

6 - مرحلة التطبيع العلنى.. من خلال الظهور على وسائل إعلام إسرائيلية.

7 - مرحلة العداء الصريح.. من خلال التحريض ضد القوات المسلحة المصرية.

خط وحيد متكامل بشكل تراكمى وتدريجى، ينتهى دومًا عند النقطة نفسها دون أى تخوين. والنتيجة الإضرار بالوطن وخدمة أجندة خارجية.. وفتح باب التشكيك فى وطنية المواطنين المسيحيين المصريين وكنيستهم.

صناعة الوهم

من أخطر ما حاول مجدى خليل ترويجه.. وجود فجوة بين المواطنين (المسيحيين والمسلمين) المصريين فى نظرتهم وموقفهم تجاه قضايا الشرق الأوسط.. خاصة حماس وحزب الله، وإيران وإسرائيل. وفى هذا السياق، يقدم المواطنين المسيحيين المصريين ككتلة مؤيدة لإسرائيل مقابل الموقف المعادى للمواطنين المسلمين المصريين لهم.

الواقع يكذب كل تلك الادعاءات. والتاريخ يؤكد الدور الوطني للمواطنين المسيحيين المصريين الذين أثبتوا دائمًا.. أنهم جزء أصيل من النسيج الوطني، ومشاركتهم فى ثورة 1919 وحرب أكتوبر 73 وثورة 30 يونيو.. محل مكانة وطنية مقدرة. ولذا نجد موقفًا رافضًا لآراء وتصريحات مجدى خليل من الغالبية العظمى من المواطنين المهاجرين المسيحيين المصريين.. الذين رفضوا دعواته للتظاهر أمام الكونجرس الأمريكى، وأكدوا أنه لا يمكن حل قضاياهم بشكل وطني إلا فى الداخل.

تصرفات مجدى خليل وتصريحاته.. هى حالة كاشفة ليس فقط لشق الموقف الوطني وتشتيته، ولكنها أيضًا تدفع بانقسام مفتعل لموقف المواطنين المسيحيين المصريين أو الموقف الرسمي لكنيستهم الوطنية.. بما يخدم المشروع الإسرائيلى بشكل مباشر، واتفاقات ابراهام بشكل غير مباشر.

 تحريض مستمر

لماذا يصر مجدى خليل على هذا المسار؟ وهل هو مجرد اختلاف فى الرأى؟!

يختلف النقد الوطني جذريًا عن التحريض من الخارج من على منابر العدو. هذا المسار.. يكشف أولًا عن رغبة فى الزعامة بتقديم نفسه كـمتحدث افتراضى باسم المواطنين المسيحيين المصريين، رغم رفض الكنيسة والأغلبية لهذا الادعاء. ويكشف ثانيًا عن ارتباطات مشبوهة بعمله كمستشار لمؤسسة «ميمرى» التي تحمل علامات استفهام عديدة على خلفية تأسيسها. كما يكشف ثالثًا عن الحاجة للظهور الإعلامى، فكلما خفت بريقه، لجأ إلى مواقف أكثر صدامية لإعادة لفت الانتباه.

كل ما سبق، يجعل من الصعب جدًا.. النظر إلى مجدى خليل.. كناشط مستقل، بل كجزء من شبكة سياسية وإعلامية تخدم مشروعًا أكبر.

 الرجل الذي باع عقله

لا يمكن أن أوافق بشكل قاطع على وصف ما يفعله مجدى خليل بأنه خيانة وطنية. ولكن فى الوقت نفسه، فمن يهاجم جيشه عبر قناة إسرائيلية لا يمكن تصنيفه باعتباره يمارس حرية الرأى والتعبير، لكونه يقدم نفسه كأداة فى مشروع ضد الإجماع الوطني والإنسانى.

لم يفوضه المواطنون المسيحيون المصريون للتحدث باسمهم، ولا الكنيسة المصرية كذلك.. بل إن موقف الكنيسة واضح جدًا، لا للتدخل الأجنبى فى الشأن المصري الخاص، ولا مساومة أو مقامرة على الوطنية المصرية. ويشهد التاريخ.. إن المواطنين المسيحيين المصريين شاركوا فى بناء الدولة المدنية المصرية، ولم يكونوا يومًا أتباعًا لأى مشروع خارجى.

لا يمثل مجدى خليل المواطنين المسيحيين والمسلمين المصريين، ولا حتى قضايا حقوق الإنسان. إنه يمثل نموذجًا خطيرًا لشخص باع عقله ليكون صوت لمصالح وأجندات خارجية، وقرر أن يهاجم وطنه فى أصعب الظروف الاقليمية.

 نقطة ومن أول السطر

يقدم مجدى خليل نموذجًا للتأكيد على أنه ليست كل شعارات حقوق الإنسان بريئة وحقيقة.. فبعضها يخفى أجندات أكبر، وبعض ناشطيها قد يتحولوا إلى أدوات فى يد آخرين. وبينما تواجه مصر تحديات جسيمة.. من الإرهاب إلى محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حسابها، فإن الحاجة إلى التماسك الوطني يكون أكبر من أى وقت مضى. ولن يفلح مجدى خليل وأمثاله فى شق الصف لأن وعى المواطنين المسيحيين والمسلمين المصريين.. خاصة بعد ثورة 30 يونيو.. أقوى من أى دعاوى للانقسام والتشرذم.

ليس معنى أن المواطنين المسيحيين المصريين ضد حماس وضد حزب الله بسبب كل ما قاموا به ضد الدولة المصرية.. أنهم مع إسرائيل وغطرسة قوتها فيما تقوم به مع الشعب الفلسطينى ودول المنطقة. ولن يكون المواطنون المسيحيون المصريون هم المدخل لترسيخ أفكار اتفاقات أبراهام «الأديان الإبراهيمية» البديل الجديد لمصطلح التطبيع.