الأحد 28 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
 خطة اليوم التالى لإنهاء الحرب فى غزة

من دفتر زيارات الاتحادية

خطة اليوم التالى لإنهاء الحرب فى غزة

ربما تكهنات وسيناريوهات «اليوم التالى»، هى ما تطرح نفسَها على المشهد الإقليمى والدولى حاليًا، بعد المكاسب الدبلوماسية فى نيويورك، الناتجة عن حراك مشروع «حل الدولتين»، ومزاد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، لا سيما من دول غربية وأوروبية كبرَى، إلى جانب نتائج القمة متعدّدة الأطراف التي عُقدَت مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على أمل وضع حد «لممارسات التهور» الإسرائيلية بالمنطقة.



وهنا أتحدث عن اتجاهين أساسيين؛ لسيناريوهات «اليوم التالى»، الأول معنىٌّ بالخطوة التالية بعد توالى الاعتراف الدولى، بالدولة الفلسطينية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، لا سيما من دول كبيرة مثل فرنسا وبريطانيا وكندا، والاتجاه الثانى، يتوقف أمام تكهنات التحرك الإسرائيلى ردًا على هذه الخطوة، ما إذا كانت ستواصل خطة «عربات جدعون2» لاحتلال غزة، أمْ ستخالف التوقعات بالتعاطى مع مسارات وقف إطلاق النار.

بلا شك؛ هناك حالة زخم دولى غير مسبوقة للقضية الفلسطينية، بعد أن توِّجت حالة الحراك الدولى باعترافات نحو 159 دولة من أصل 193 دولة، عضوًا فى الأمم المتحدة، ما يضاعف الضغط الدولى على دولة الاحتلال الإسرائيلى، لكن يظل رد الفعل الإسرائيلى لهذا الحراك، وممارسات الاحتلال العدوانية فى القطاع، محل تساؤل، لا سيما أن رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو لا يَعبأ بما وصلت به المنطقة وحالة الصراع فيها؛ وإنما يلهث فقط خلفَ طموحاته الاستعمارية.

وسأكون أكثر تحديدًا، حينما أتوقف مع السيناريو الذي قد يشغل الكثيرين فى مصر والمنطقة، حينما يواصل نتنياهو (الذي يرفض فكرة حل الدولتين)، ممارساته العدوانية؛ بمواصلة خطته لاحتلال قطاع غزة، وأراضٍ من الضفة الغربية، واستكمال مخططه الداعى لفرض تهجير الفلسطينيين، وذلك عبر الضغط على سكان القطاع للنزوح والتجمع عند معبر رفح الحدودى!، هكذا تحدّث من قبل، زعمًا أنه بهذه الطريقة يمكنه نقل سكان القطاع إلى الأراضى المصرية.

والتساؤل عن آليات التعاطى المصري مع هذه الحالة، كان مطروحًا على رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، قبل أيام، خلال لقائه بعدد من رؤساء تحرير الصحف، وأشار وقتها إلى أن «الدولة المصرية ومؤسَّساتها، لديها خطط لكل السيناريوهات المحتملة فى القطاع للتعامل معها»، دون أن يُزيد التوضيح عن شكل وصيغة هذه الخطط.

زيارات الاتحادية 

وبعيدًا عن التكهنات، هناك مجموعة من الفعاليات والوقائع، التي جرت أخيرًا، على الصعيد الدبلوماسى والإنسانى والميدانى، تترجم صور وأشكال التعاطى المصري مع تطورات المشهد الإقليمى، ذلك أنها تضمّنت محددات واضحة لما يحدث أخيرًا فى غزة والمنطقة، بما فى ذلك سيناريو مواصلة نتنياهو «سياسة الحقارة» بتوسيع العمليات العسكرية فى غزة.

وهنا سأتوقف أولاً، مع زيارات رؤساء الدول وكبار المسؤولين الدوليين، للقاهرة، ومباحثاتهم مع الرئيس عبدالفتاح السيسي فى قصر الاتحادية الرئاسى، فخلال الأسبوع الماضى، كنت ضمن الحضور، لمؤتمرين صحفيين، للرئيس السيسي، مع اثنين من ضيوف مصر، وهما الرئيس السنغافورى، ثارمان شانموجاراتنام، والرئيس الرواندى، بول كاجامى.

فإلى جانب مسارات التعاون الثنائى، كانت التطورات الإقليمية والدولية حاضرة فى محادثات القمتين؛ خصوصًا ما يحدث فى غزة، وحالة الحراك الدولى القائمة، ونقطة التوقف هنا، ليس فقط مع ثوابت الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية؛ بِعَدّها من الأولويات الثابتة على أجندة الدبلوماسية المصرية على العامين الماضيين؛ وإنما المواقف والمسارات التي أكد عليها الرئيس السيسي، خلال هذه الزيارات، وأهمها ما يلى:

 أولاً، الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لوقف الحرب الجارية فى قطاع غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والأسْرَى، وهو تأكيد على استمرار مسارات التعاطى المصري مع الحرب فى غزة، رغم التعقيدات والمساعى الإسرائيلية لعرقلة أى جهود للتسوية.

 ثانيًا، التأكيد على رفض مصر القاطع لأى محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو موقف ثابت وراسخ، لم يتغير رغم كل الضغوط التي تمارَس على الدولة المصرية، والتي لم تعد خفية، وحتى مع ممارسات إسرائيل لتهجير فلسطينيين عبر مَعابرها، بحوافز عديدة إلى دول آسيوية وأوروبية، وهى ممارسات سبق أن «كشفنا عنها فى عدد المجلة الصادر 16 أغسطس الماضى».

 ثالثًا، ضرورة إطلاق عملية سياسية جادة، تفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع التأكيد على أنه لا بديل عن الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولى.

ونقطة الانطلاق التي يمكن أن تشملها العملية السياسية، هى تنفيذ مشروع حل الدولتين، الذي بات مدعومًا بزخم دولى غير مسبوق حاليًا، بعد إعلان نيويورك، الذي صدر بعد المؤتمر الدولى الذي استضافته الأمم المتحدة يوم 22 سبتمبر، وبعد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وكلها دوافع يمكن البناء عليها؛ لتحقيق مسار السلام. 

 رابعًا، وفى الوقت الذي تؤكد فيه مصر على الحل السياسى للقضية، تشدّد على أهمية دعم السلطة الفلسطينية؛ لتكون شريكًا أساسيًا فى أى عملية سياسية، وفى جهود إعادة الإعمار، وهذه من المحدّدات المهمة، فى رؤية التعاطى المصري مع المشهد، ذلك أن القاهرة لا ترى بديلاً عن ممارسة السلطة الفلسطينية، دورها فى إدارة القطاع إداريًا وأمنيًا، فى مواجهة مشاريع استعمارية أخرى، كخطة الاحتلال الإسرائيلى، أو الإدارة الأمريكية، تحت ما يسمى مشروع «ريفيرا الشرق».

إذن مَطلب دعم السلطة الفلسطينية، الذي أكد عليه الرئيس السيسي، فى كلمته بالمؤتمر الصحفى مع نظيره الرواندى، يُعيد الاعتبار للسلطة الفلسطينية، داخل معادلة الحل السياسى للقضية، وتمكينها من أداء دورها فى الإدارة السياسية والأمنية للأراضى الفلسطينية، تحت مظلة فلسطينية واحدة.

 خامسًا، التقدير الدولى للجهود المصرية فى دعم القضية الفلسطينية، ورأب الصدع بالمنطقة، وهى شهادة توثقها أحاديث ضيوف مصر فى مؤتمرات «الاتحادية» الصحفية، التي كان من أحدثها، حديث الرئيس السنغافورى، حينما أشاد بقيادة الدولة المصرية لجهود تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين فى غزة، وتيسير محادثات وقف إطلاق النار، وتحقيق السلام.

مصر وإنقاذ القضية 

نستطيع أن ننظر لهذه المحدّدات، بِعَدّها خارطة حل الوضع المأساوى المعقد فى غزة؛ خصوصًا إذا كنا نتحدث عن سيناريوهات اليوم التالى فى القطاع، فهى رؤية شاملة لمعالجة أبعاد الأزمة؛ سياسيًا وإنسانيًا وأمنيًا، والأهم تمهد الطريق لسلام حقيقى، يعيد الاستقرار للمنطقة.

والواقع أن دفتر زيارات قصر الاتحادية وغيره من محطات لقاءات الدبلوماسية الرئاسية، على مدى أكثر من عامين، خير توثيق لمواقف الدولة المصرية الصلبة والراسخة، فى دعم القضية الفلسطينية، فمنذ بدء العدوان فى السابع من أكتوبر 2023، هناك عشرات اللقاءات والزيارات، التي سجّلت خلالها القيادة السياسية مواقفَها بوضوح واستقلالية؛ دعمًا للقضية.

لا أملك حصرًا دقيقًا بكم اللقاءات والزيارات التي شارك بها الرئيس السيسي على مدى نحو عامين؛ دعمًا للقضية الفلسطينية،(وهى تستحق الحصر)، لكن الشواهد عديدة، ما بين لقاءات قمة، ومسؤولين دوليين، ولقاءات على المستوى الجماعى، مع مسؤولين من مختلف قارات العالم، ومع مسؤولى منظمات أممية ودولية وإقليمية، وخلال جميع تلك اللقاءات، كان التقدير المصري واضحًا؛ بأن ما يحدث هدفه تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وهو أمرٌ مرفوضٌ تمامًا، ولن تقبل به الدولة المصرية، باعتباره ظلمًا تاريخيًا لن تشارك فيه.

إن ما تفعله مصر هو الإنقاذ الحقيقى للقضية الفلسطينية، فدورها يتعدّى مسألة الدعم والحفاظ على حقوق الفلسطينيين، ولكن واقع الأمر أن الدور المصري، يحافظ على وجود (القضية) بالأساس، ذلك أنها تقف حائط صد أمام كل دعوات التهجير وتصفية القضية، وتتمسك بخيارات الحل السياسى، عبر تكثيف قنوات التواصل الدبلوماسى مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، والضغط على المجتمع الدولى؛ لوقف حرب الإبادة فى قطاع غزة.

خطة اليوم التالى 

فى نيويورك، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تتوقف جهود الوفد المصري، الذي ترأسه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، ومعه وزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطى، فى طرح حلول للقضية، وكانت مشاركات مصر فى الاجتماعات متعدّدة الأطراف، وأيضًا خلال اللقاءات الثنائية، فرصة للتأكيد على ثوابت الموقف المصري، إلى جانب طرح ضمانات لتنفيذ أفكار التعامل مع «اليوم التالى» لوقف الحرب وإنهاء العنف فى قطاع غزة.

وهنا نتوقف أمام مجموعة من الأبعاد، التي تناولها رئيس الوزراء، وتتعلق باستعدادات مصر لليوم التالى للحرب فى غزة، وأهمها ما يلى:

 عدم حصر التعامل مع الوضع فى قطاع غزة، من منظور أمنى، ولكن ضرورة معالجة مسببات وجذور الصراع، من خلال تدشين عملية سياسية تؤدى لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية.

 التعامل مع قطاع غزة، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وضرورة أن يخضع القطاع والضفة الغربية لمنظومة حكم واحدة، تتمثل فى السلطة الفلسطينية، مع امتلاك أجهزة الدولة الفلسطينية الحق فى امتلاك السلاح فقط، دون غيرها من الفصائل، مع عدم وجود أى دور لحماس أو أى فصيل آخر فى إدارة القطاع.

 دعم وجود بعثة دولية على الأرض فى القطاع، يحدّد مهامّها مجلس الأمن، ويتمثل دورها فى تجسيد الدولة الفلسطينية بغزة والضفة والقدس الشرقية، بحيث يكون من ضمن أهدافها تمكين السلطة الفلسطينية.

 تعمل مصر على تدريب قوات الأمن الفلسطينية، ضمن ترتيبات اليوم التالى للحرب فى غزة، وبما يُمَكن السلطة الفلسطينية من ممارسة دورها فى الإشراف على إدارة القطاع تنظيميًا وأمنيًا.

اللجنة المصرية فى غزة

نقطة التوقف الثانية، تتعلق بآليات التعامل مع السيناريو الأسوأ، حال استمرار حكومة نتنياهو المتطرفة، فى عملية احتلال قطاع غزة، نكاية فى الدعم الدولى للقضية الفلسطينية، وهو سيناريو غير مستبعد، مع شخصية مثل نتنياهو، لديها أطماع استعمارية، وأثبتت ممارساته فى المنطقة طوال الأشهُر الماضية؛ أنه لا يعبأ سوى بتحقيق أهدافه، حتى لو أدى ذلك لإشعال المنطقة فى دوامة من الصراعات.

والواقع أن نتنياهو، المحاط بتحالف يمينى متطرف فى حكومته، لا يقبل بمشروع حل الدولتين، ويريد إفساد أى مسار يؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية، وكان ذلك، واضحًا فى حديثه باجتماع الجمعية العامة الأسبوع الماضى، حينما وصف الدول التي أيّدت إقامة دولة فلسطينية؛ بأنها تدعم الإرهاب، فى إشارة إلى حركة «حماس»، وبالتالى ليس من المستبعد أن يواصل حرب الإبادة ضد سكان قطاع غزة، والضغط عليهم للتهجير ومغادرة القطاع.

بلا شك؛ تضع الدولة المصرية، فى حساباتها، آليات التعامل مع «سياسة الحقارة والتهور» التي يمارسها نتنياهو فى غزة والمنطقة، وهنا نتوقف مع واحدة من أدوات التعامل المصري، التي ربما لاقت تفاعلاً واسعًا خلال الأسبوع الماضى، وهى قصة إنقاذ «اللجنة المصرية لإغاثة أهالى قطاع غزة»، لطفلين فى قطاع غزة، بعد أن تصدّر فيديو لهما أثناء نزوحهما سيرًا على الأقدام؛ حيث كان الأخ الأكبر يحمل أخاه، على طريق رشيد.

مقطع فيديو الطفلين، لم يكن حدثًا استثنائيًا، ولكن واقع متفاقم، يُعَبر عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلى فى القطاع؛ للضغط على سكانه للنزوح الداخلى، وفى الوقت نفسه؛ كان مشهد إنقاذهما، من اللجنة المصرية التي تعمل داخل القطاع، هو الحدث الاستثنائى، الذي يستحق التوقف مع دلالته وشواهده.

فالمعنى هنا ليس فقط، فى العمل الإنسانى الخاص بإنقاذ طفلين تقطعت بهما السُّبُل داخل القطاع؛ وإنما فى امتلاك الدولة المصرية القدرة على التحرك على الأرض؛ لإغاثة الفلسطينيين فى غزة، من خلال أدوار «اللجنة المصرية»، فهى لا تكتفى بتقديم المساعدات؛ ولكن تتواجد على الأرض دعمًا للمدنيين، فى مواجهة حرب الإبادة والتجويع.

ودعونا نتوقف مع بعض التدخلات التي تقوم بها «اللجنة المصرية» داخل القطاع، ومنها مثلاً، الانتهاء الأسبوع الماضى، من إقامة خامس مخيم لإيواء الفلسطينيين داخل القطاع، مع توفير سُبُل الإعاشة الإنسانية والغذاء اللازم لهم، إلى جانب توزيع 100 ألف سلة غذائية للعائلات الفلسطينية فى القطاع، منتصف شهر سبتمبر، وسبق ذلك تدشين أكبر حملة لتوزيع حليب الأطفال، ضمن جهود لدعم صحة أطفال غزة، وتأمين احتياجاتهم الأساسية، إلى جانب تدخلات أخرى فى مراكز الإيواء المصرية المستمرة.

والواقع لا يمكن النظر لهذا الدور من منظور إنسانى فقط؛ وإنما تحرك مصري ميدانى داخل القطاع، رغم عدوان الاحتلال الذي لا يتوقف؛ لتخفيف معاناة حرب الإبادة، ومواجهة دعوات التهجير بتحركات على الأرض، توفر للفلسطينيين مناطق إيواء آمنة، فهو ليس فقط دور إنقاذ؛ ولكنْ تحرُّك على الأرض يحافظ على وجود القضية الفلسطينية.

لم يكن الموقف المصري من قضية فلسطين فى أى مرحلة يخضع لحسابات مصالح آنـية، ولم يكن أبدًا ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، وبالتالى؛ فإن ارتباط مصر العضوى بالقضية لم يتأثر بأى تطورات أو ضغوط تحدث، فالهدف المصري دائمًا؛ هو الحفاظ على القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة.